ضمّ الوفد التونسي الذي التقى أوّل أمس مسؤولين بالخارجية الايطالية كلا من السيدين رفيق عبد السلام وزير الخارجية وأحمد نجيب الشابي القيادي في الحزب الجمهوري وبالتوازي مع ذلك أقام رئيس الحزب الوطني السيد سليم الرياحي خلية لمتابعة أوضاع التونسيين الذين أمكن إنقاذهم والمفقودين ووضع طائرة على ذمة الجهات الحكومية لتنسيق إمكانية العودة بالشباب التونسي الذي نجا من الغرق في ظروف جيدة كما أعربت عدة أحزاب على أنّ مسألة الهجرة السرية هي مسألة وطنية بامتياز لا يجب أنّ تخضع للحسابات الحزبية والسياسية الضيقة. وحتى أولئك الّذين سارعوا إلى ركوب موجة ضحايا الحرقان هجوما على الحكومة والسلطة الحاكمة سرعان ما انكشفوا وعادوا أدراجهم إلى قواعدهم خائبين. من جهته أشار رئيس الجمهورية بأنّ قضية الحرقان لا يجب أن تكون محل توظيف سياسي وأنّ تواصلها يؤكد بوجود خلل ما لا بد أنّ تقف كل الأطراف لبحثه وإيجاد الحلول الملائمة له في أسرع الأوقات.
هل كان لا بدّ من وقوع تلك الكارثة حتى نرى هذا التوافق الوطني وهذا الإجماع من أطراف السلطة والمعارضة على ضرورة تكاتف الجهود وتجاوز الحسابات الحزبية والسياسية الضيقة والحرص على العمل المشترك لتباحث أمهات القضايا والتخلي عن منطق الصدامات المفتعل وعن توتير الأجواء إذ اتضح بالمكشوف أنّ التجاذبات السياسية والتصيد في المياه العكرة لهذا الطرف أو ذاك لن تزيد أوضاع البلاد وخاصة الفئة الشبابية الا تعكيرا ورداءة وسوءا.
إنّ الشباب الذي خرج لإسقاط النظام السابق مقدما تضحيات جسام من الشهداء والجرحى قدم اليوم عبر فاجعة الغرق المؤلمة حبل نجاة وإنقاذ للطبقة السياسية في الحكم وفي المعارضة من أجل تجاوز خلافاتهم والانصراف إلى العمل الجدي خدمة للمصلحة العامة بعيدا عن كل تلك التكتيكات المفضوحة والحسابات العفنة والرديئة ... فهل يُحسن سياسيونا التقاط حبل النجاة هذا وتصحيح مساراتهم في سبيل المزيد من التقارب والتعاون؟
ضحايا لامبادوزا هم أيضاً شهداء وقد فتحوا الطريق إلى ثورة ثانية فعلية لتصويب الخيارات السياسية والتوجه بها إلى المصلحة الوطنية العليا ، هي ثورة يجب أن تضرب الأجندات الحزبية في الصميم وأن تغزو عقول السياسيين وان تهز من لهم ضمائر ونوايا خيرة.