ما هي نقاط الالتقاء والاختلاف بين الدساترة وحزب «نداء تونس» وحركة «النهضة»... هذه الأطراف الثلاثة التي يُنظر إليها اليوم على أنها الأكثر فاعلية على الساحة السياسية؟ وهل يكون «الدساترة» الطرف الأقدر على الحدّ من الاستقطاب الحاد القائم حاليا بين «النهضة» و«نداء تونس»؟ مثلت الجبهة الدستورية التي أُعلن قبل أيام عن تشكيلها وهي متألفة من 7 أحزاب دستورية تطورا لافتا للنظر على الساحة السياسية حيث رأى مراقبون أنّ في هذه الخطوة إعلانا للصدام مع «نداء تونس» الأمر الذي قد يخدم مصلحة حركة «النهضة» لكن يبدو أن خلفيات هذه الجبهة أعمق من ذلك.
الحلقة المفقودة
وقال المحلل السياسي والديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي ل«الشروق» إن ما نراه اليوم هو إعادة تشكيل المشهد السياسي واستقطاب بين كتلتين وهناك في هذا المشهد حلقة أساسية مفقودة هي الحلقة الدستورية كحركة أو كفكر أو كمنهج سياسي لأن الفكر السياسي مهما مرت الأيام والسنون لا يندثر». وأوضح العبيدي أنّ الفكر الدستوري هو الذي بنى تونس الحديثة ومن خصوصيته أنه يربط الصلة بين الحداثة والشعب ويحرص على التهدئة وتجنب الصدام، وبالتالي فإن الميل إلى توحيد الاحزاب الدستورية جاء نتيجة خشية أن ينزلق هذا الاستقطاب في مظهره الأخير بين «النهضة» و»نداء تونس» إلى صدام، والدساترة لا يريدون الصدام».
وأضاف أنّ «القناعة راسخة لدى العديد من الدساترة بأنه إذا اندلع صراع بين هذين القطبين فلن يبقى داخليا بل ستُحشر فيه الكثير من الأطراف الخارجية، كلّ من منطلق مصلحته، فالأطماع كثيرة ولا أحد يتكهن بمآل هذا الصدام إن حصل لا قدر الله».
وأكّد العبيدي أنّ الاحزاب الدستورية أرادت من خلال هذه الجبهة توجيه رسائل إلى القطبين الموجودين بأن الدساترة ليسوا مستعدين لقبول أي حركة سياسية من منطلق فئوي وطبقي وأن تفتحهم على الحداثة لا يعني رفضهم لمقومين أساسييْن لهوية الدولة وكيانها وهما العروبة والإسلام. وأشار العبيدي إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد أيام من الظهور الإعلامي للوزير الأول الأسبق حامد القروي، وهو «دستوري تاريخي» وأن توحيد الأحزاب الدستورية مرده «دسامة تصريح القروي الأخير الذي احدث هزة في الأوساط السياسية وخصوصا منها الدستورية لما اتصف به من عمق واتزان وتمسك بالثوابت كما أنه فضلا عن تمسكه بانتمائه الدستوري لم يدعُ إلى الصدام لا تصريحا ولا تلميحا، وهذا ما شجع البعض على استحثاث الخطى للتقارب بين الحركات الدستورية».
واعتبر المحلل السياسي أنّ ما حمل الكثير من الدساترة على عدم التفكير في الانضمام إلى «نداء تونس» هو أن كل من يتغنى بالحركة الدستورية لا يعني بالضرورة أنه دستوري فكرا ومنهجا فضلا عن أن القائمة التي تم إعلانها وتتضمن قياديي «نداء تونس» جمعت كل المتناقضات خاصة أن من بينهم أناسا كانوا على مدى عقود خصوما للفكر البورقيبي والبعض منهم لديه ارتباطات داخلية وخارجية لا يقبل بها الدساترة.
وأشار العبيدي إلى أنّ «وضع الاستقطاب جاء في وقت تبدو فيه تونس مخترقة من كل حدب وصوب وأصبحت لبعض الجهات الاستخباراتية ما يمكن تسميته بالأصول التجارية وهذا لا يرضي الدساترة».
وأكّد الديبلوماسي السابق أنّ الأحزاب الدستورية لم تشكل جبهة لإرضاء «النهضة» لكنها لا تقبل بالتصادم مع هذه الحركة التي تسير البلاد اليوم لأن قناعة الدستوريين بان حجم المشاكل القائمة وعمقها لا يمكن لأي جهة مجابهتها دون تحالف أو وفاق، والوفاق ليس بالحكم بل بطرح البدائل وترك الحكومة تعمل وإعداد العدّة للتداول على الحكم، وهذا ليس على حساب السلم الاجتماعي أو السعي المشترك لمختلف مكونات المشهد السياسي إلى الوصول إلى حلول تخفض من وطأة المشاكل الاجتماعية وتحسن من وضعنا الاقتصادي وموقعنا في المنطقة وفي العالم.
وحذر العبيدي من أنّ الشعب في المدى المنظور إذا لم يجد نتيجة للخروج من هذا الوضع السياسي والاقتصادي سيدمّر الجبهتين (النهضة ونداء تونس) وما تبقى من البلاد، وبالتالي فإن المطلوب خدمة الشعب، معتبرا أنّ «الحلقة الدستورية هي الضامنة لهذه التهدئة المطلوبة والضرورية».
تكتيك «نهضاوي»
وبالعودة إلى تداعيات تشكيل الجبهة الدستورية على حركة «النهضة تبدو الحركة مستفيدة في مطلق الأحوال حسب مراقبين اعتبروا أنّ الحركة التي أوصت في وثيقة سرية بعدم منع التجمعيين السابقين من العمل السياسي خلافا لما يعمل حليفها المؤتمر من أجل الجمهورية على تحقيقه عبر مشروع عرضه على المجلس التأسيسي ستعمل على إضعاف «نداء تونس» على واجهتين.
وحسب هؤلاء المراقبين فإنّ «السماح للتجمعييّن الذين تحمّلوا مسؤوليّات في العهد السابق بالترشّح للانتخابات القادمة سيمكّن النهضة من ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة، السماح للأحزاب التجمعيّة كحزب المبادرة لكمال مرجان أو الوطن لمحمّد جغام بتقديم قائمات حزبيّة، سيحرم حركة نداء تونس ولو جزئيّا من سلاح انتخابي خطير وهو الماكينة الانتخابيّة ل«التجمّع» المنحلّ خاصة في جهة الساحل الّتي حلّ فيها حزب المبادرة ثانيا بعد حركة النهضة.» ومن جهة ثانية «سيفتح عدم اقصاء المسؤولين التجمعّيين شاهية هؤلاء للعمل السياسي من جديد ويشجّعهم للانضمام إمّا إلى حركة النهضة (كردّ جميل واللحاق بآلاف التجمعيين الذين يعملون في الخفاء لصالح الحزب الحاكم الجديد) أو إلى حركة نداء تونس وهذا يسهل تسويق تهمة «عودة «التجمع» من الشبّاك» التي تريد حركة النهضة الصاقها بحزب الباجي قائد السبسي للتقليص من خطر نجاحه في الانتخابات القادمة.» لكن المراقبين حذروا من أن هذا التكتيك قد يُفقد حركة «النهضة» حليفها الحالي المؤتمر من أجل الجمهورية إلى الأبد. محمّد علي خليفةتونس «الشروق»:
مثلت الجبهة الدستورية التي أُعلن قبل أيام عن تشكيلها وهي متألفة من 7 أحزاب دستورية تطورا لافتا للنظر على الساحة السياسية حيث رأى مراقبون أنّ في هذه الخطوة إعلانا للصدام مع «نداء تونس» الأمر الذي قد يخدم مصلحة حركة «النهضة» لكن يبدو أن خلفيات هذه الجبهة أعمق من ذلك.
الحلقة المفقودة
وقال المحلل السياسي والديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي ل«الشروق» إن ما نراه اليوم هو إعادة تشكيل المشهد السياسي واستقطاب بين كتلتين وهناك في هذا المشهد حلقة أساسية مفقودة هي الحلقة الدستورية كحركة أو كفكر أو كمنهج سياسي لأن الفكر السياسي مهما مرت الأيام والسنون لا يندثر». وأوضح العبيدي أنّ الفكر الدستوري هو الذي بنى تونس الحديثة ومن خصوصيته أنه يربط الصلة بين الحداثة والشعب ويحرص على التهدئة وتجنب الصدام، وبالتالي فإن الميل إلى توحيد الاحزاب الدستورية جاء نتيجة خشية أن ينزلق هذا الاستقطاب في مظهره الأخير بين «النهضة» و»نداء تونس» إلى صدام، والدساترة لا يريدون الصدام».
وأضاف أنّ «القناعة راسخة لدى العديد من الدساترة بأنه إذا اندلع صراع بين هذين القطبين فلن يبقى داخليا بل ستُحشر فيه الكثير من الأطراف الخارجية، كلّ من منطلق مصلحته، فالأطماع كثيرة ولا أحد يتكهن بمآل هذا الصدام إن حصل لا قدر الله».
وأكّد العبيدي أنّ الاحزاب الدستورية أرادت من خلال هذه الجبهة توجيه رسائل إلى القطبين الموجودين بأن الدساترة ليسوا مستعدين لقبول أي حركة سياسية من منطلق فئوي وطبقي وأن تفتحهم على الحداثة لا يعني رفضهم لمقومين أساسييْن لهوية الدولة وكيانها وهما العروبة والإسلام.
وأشار العبيدي إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد أيام من الظهور الإعلامي للوزير الأول الأسبق حامد القروي، وهو «دستوري تاريخي» وأن توحيد الأحزاب الدستورية مرده «دسامة تصريح القروي الأخير الذي احدث هزة في الأوساط السياسية وخصوصا منها الدستورية لما اتصف به من عمق واتزان وتمسك بالثوابت كما أنه فضلا عن تمسكه بانتمائه الدستوري لم يدعُ إلى الصدام لا تصريحا ولا تلميحا، وهذا ما شجع البعض على استحثاث الخطى للتقارب بين الحركات الدستورية».
واعتبر المحلل السياسي أنّ ما حمل الكثير من الدساترة على عدم التفكير في الانضمام إلى «نداء تونس» هو أن كل من يتغنى بالحركة الدستورية لا يعني بالضرورة أنه دستوري فكرا ومنهجا فضلا عن أن القائمة التي تم إعلانها وتتضمن قياديي «نداء تونس» جمعت كل المتناقضات خاصة أن من بينهم أناسا كانوا على مدى عقود خصوما للفكر البورقيبي والبعض منهم لديه ارتباطات داخلية وخارجية لا يقبل بها الدساترة.
وأشار العبيدي إلى أنّ «وضع الاستقطاب جاء في وقت تبدو فيه تونس مخترقة من كل حدب وصوب وأصبحت لبعض الجهات الاستخباراتية ما يمكن تسميته بالأصول التجارية وهذا لا يرضي الدساترة».
وأكّد الديبلوماسي السابق أنّ الأحزاب الدستورية لم تشكل جبهة لإرضاء «النهضة» لكنها لا تقبل بالتصادم مع هذه الحركة التي تسير البلاد اليوم لأن قناعة الدستوريين بان حجم المشاكل القائمة وعمقها لا يمكن لأي جهة مجابهتها دون تحالف أو وفاق، والوفاق ليس بالحكم بل بطرح البدائل وترك الحكومة تعمل وإعداد العدّة للتداول على الحكم، وهذا ليس على حساب السلم الاجتماعي أو السعي المشترك لمختلف مكونات المشهد السياسي إلى الوصول إلى حلول تخفض من وطأة المشاكل الاجتماعية وتحسن من وضعنا الاقتصادي وموقعنا في المنطقة وفي العالم.
وحذر العبيدي من أنّ الشعب في المدى المنظور إذا لم يجد نتيجة للخروج من هذا الوضع السياسي والاقتصادي سيدمّر الجبهتين (النهضة ونداء تونس) وما تبقى من البلاد، وبالتالي فإن المطلوب خدمة الشعب، معتبرا أنّ «الحلقة الدستورية هي الضامنة لهذه التهدئة المطلوبة والضرورية».
تكتيك «نهضاوي»
وبالعودة إلى تداعيات تشكيل الجبهة الدستورية على حركة «النهضة تبدو الحركة مستفيدة في مطلق الأحوال حسب مراقبين اعتبروا أنّ الحركة التي أوصت في وثيقة سرية بعدم منع التجمعيين السابقين من العمل السياسي خلافا لما يعمل حليفها المؤتمر من أجل الجمهورية على تحقيقه عبر مشروع عرضه على المجلس التأسيسي ستعمل على إضعاف «نداء تونس» على واجهتين.
وحسب هؤلاء المراقبين فإنّ «السماح للتجمعييّن الذين تحمّلوا مسؤوليّات في العهد السابق بالترشّح للانتخابات القادمة سيمكّن النهضة من ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة، السماح للأحزاب التجمعيّة كحزب المبادرة لكمال مرجان أو الوطن لمحمّد جغام بتقديم قائمات حزبيّة، سيحرم حركة نداء تونس ولو جزئيّا من سلاح انتخابي خطير وهو الماكينة الانتخابيّة ل«التجمّع» المنحلّ خاصة في جهة الساحل الّتي حلّ فيها حزب المبادرة ثانيا بعد حركة النهضة.»
ومن جهة ثانية «سيفتح عدم اقصاء المسؤولين التجمعّيين شاهية هؤلاء للعمل السياسي من جديد ويشجّعهم للانضمام إمّا إلى حركة النهضة (كردّ جميل واللحاق بآلاف التجمعيين الذين يعملون في الخفاء لصالح الحزب الحاكم الجديد) أو إلى حركة نداء تونس وهذا يسهل تسويق تهمة «عودة «التجمع» من الشبّاك» التي تريد حركة النهضة الصاقها بحزب الباجي قائد السبسي للتقليص من خطر نجاحه في الانتخابات القادمة.» لكن المراقبين حذروا من أن هذا التكتيك قد يُفقد حركة «النهضة» حليفها الحالي المؤتمر من أجل الجمهورية إلى الأبد.