تبدو حالة الاستقطاب في الساحة السياسية (على الأقل على المستوى الإعلامي) اليوم منحصرة إلى حد كبير بين حركتي «النهضة» و»نداء تونس» رغم مساعي بعض الأطراف السياسية اليسارية والقومية والوسطية إلى تشكيل بدائل... ما هي طبيعة العلاقة بين الحركتين وأي تأثير لحالة الاستقطاب بينهما على التوازنات السياسية في هذه المرحلة؟ آخر استطلاعات الرأي أظهرت أنّ حركة «النهضة» ستفوز ب 30,4% في الانتخابات القادمة بينما تأتي حركة «نداء تونس» حديثة النشأة في المرتبة الثانية ب 20,8 % وهذا يعني أنّ الحركتين ستكونان في صدارة المتنافسين على اكتساح المشهد السياسي في المرحلة القادمة.
قطيعة... وإقصاء؟
ومنذ إعلان الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي عن تشكيل حركة «نداء تونس» تبدو العلاقة بين هذه الحركة وحركة «النهضة» التي تقود الائتلاف الحكومي فاترة ومتوترة بل تكاد تصل حدّ القطيعة، خاصة أنّ قياديين من حركة «النهضة» يبدون امتعاضا كبيرا تجاه حزب قائد السبسي ويصرحون مرارا بأنّ هذا الحزب إنما هو محاولة لإعادة التجمعيين إلى الساحة السياسية حتى بدا أنّ حملة لتشويه «نداء تونس» تقودها «النهضة» وأحزاب الائتلاف الحاكم عموما.
وفي تعليق على نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة قال القيادي في حركة النهضة وكاتب الدولة في وزارة الخارجية حسين الجزيري انه يستغرب كثيرا حصول حزب «نداء تونس» على المرتبة الثانية في استطلاع الرأي الأخير باعتبار ان هذا الحزب مثل عودة للنظام القديم، حسب تعبيره.
وأضاف حسين الجزيري أنّ «حركة النهضة هي الأقوى على الساحة السياسية أما نداء تونس فأعتقد ان استطلاع الرأي الأخير حول هذا الحزب لم يكن منصفا خاصة وان قاعدته الشعبية مازالت ضعيفة». حسب تقديره.
في المقابل يُجمع كثيرون على أنّ «نداء تونس» هي الطرف السياسي الأبرز والقادر على منافسة حركة «النهضة» في الاستحقاقات الانتخابية القادمة رغم أن قيادات «نداء تونس» أكدوا مرارا أنّ حركتهم ليست موجهة ضد أي طرف سياسي بعينه وخصوصا حركة «النهضة».وقال أمين عام «نداء تونس» الطيب البكوش إن فكر حركته لا يقوم على التهجم على الحكومة وحركة النهضة وإنما يقوم فكرها على النقد البناء الذي فيه منفعة لتونس ولشعبها.
وأضاف الطيب البكوش أنّ «الجميع يشاهد بوضوح إخفاقات الحكومة في عدة مجالات خاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي ناهيك عن الأخطاء السياسية المتكررة» مؤكّدا أن حزب نداء تونس ضد الإقصاء وأن حركة النهضة «لاعب أساسي في الحياة السياسية التونسية».
لكن القيادي في حركة «نداء تونس» لزهر العكرمي ذهب إلى القول إن «النهضة» تسعى إلى استئصال «نداء تونس» بكل الطرق.وقال العكرمي إن «الأطراف الحاكمة اليوم عاينت الواقع السياسي الذي يشير إلى وجود وزن آخر في الانتخابات القادمة وهو نداء تونس، ووجود أحزاب أخرى لكنها ضعيفة ، لذا تسعى النهضة إلى استئصال الحزب الذي يمكن أن يؤثر عليها في الانتخابات بكل الطرق غير الأخلاقية بما في ذلك استعمال العنف، والإبقاء على باقي الأحزاب الضعيفة للإيحاء بوجود مشهد ديمقراطي في تونس» حسب تعبيره.
«تحصين الثورة»
بعض الأطراف تتحدث عن أنّ حركة النهضة تسعى تحت غطاء مشروع «إقصاء التجمعيين» إلى استبعاد «نداء تونس» من المشهد السياسي مشيرين إلى تصريحات القيادي في النهضة الحبيب اللوز الذي قال مؤخرا إنه «يجب تحييد من يريد أن يشوش على الثورة».
وقال اللوز إن «هناك قانونا مطروحا اليوم على المجلس التأسيسي وهو قانون «تحصين الثورة» الذي يقتضي منع قيادات التجمع وليس التجمعيين الذين فُرضت عليهم الانخراطات إما خوفا أو طمعا، بل القيادات التي تكفلت بمهمات حزبية واجتهدت في خدمة بن علي فهؤلاء يجب أن يحسم في امرهم القانون» حسب تعبيره.وبرّر اللوز هذا التوجه بالقول «نحن لا نخشى قوته السياسية (نداء تونس) بل نخشى من الفساد المالي ومن استعمال مواقع النفوذ وإمكانيات ماكينة التجمع الكبيرة والتي لو تم إحياؤها من جديد وتمتعت بالحرية ستخرب الديمقراطية».
وتصرّ حركة «النهضة على اعتبار أن «نداء تونس» هو الوجه الآخر للتجمع المنحلّ وأنه يضم وجوها تجمعية لكن حزب الباجي يؤكد في المقابل أنه يضم شخصيات وطنية تحمل برنامج إنقاذ لتونس بل ويردّ الاتهام على «النهضة» ويعتبرها أكثر الاحزاب التي شهدت انضمام تجمعيين إليها وأنها تُظهر ما لا تبطن وتعمل مع التجمعيين في الخفاء في حين تزعم أنها ترغب في إقصائهم علنا.
وتعتبر أطراف سياسية أخرى أنّ «النهضة» و»نداء تونس» وجهان لعملة واحدة وهما يحملان مشروع دكتاتورية ولا يمكن المراهنة عليهما لبناء الديمقراطية التي ينشدها التونسيون، بينما يذهب آخرون إلى أنّ الحركتين تلتقيان في عدة مستويات وتتكاملان على أكثر من جبهة وقد تعملان على عقد «تسوية» بينهما قبل خوض الانتخابات القادمة خصوصا في ظل العلاقات القائمة بين رئيس «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي ومؤسس «نداء تونس» الباجي قائد السبسي وحنكة الرجلين السياسية.