في ظرف أسبوع واحد ، دقت نواقيس الخطر في الاقتصاد التونسي أكثر من مرة ، آخرها تراجع احتياطي تونس من العملة الصعبة وهو ما يحتم على الحكومة اتخاذ اجراءات مستعجلة لتفادي ما قد يترتب عن ذلك من تداعيات أخرى منتظرة. لأول مرة في تاريخ البلاد، انخفض احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى ما يعادل 96 يوم توريد أي إلى أقل من المعدل الرمزي العالمي المُحدد ب100 يوم توريد بعد أن ظل إلى حدود أوت 2012 يغطي 102 أيام من الواردات. وينضاف ذلك إلى تقلبات أخرى غير مسبوقة على عدة مستويات شهدها الاقتصاد التونسي منذ الثورة إلى الآن مثل تراجع المؤشرات الاقتصادية المختلفة وتراجع تصنيف تونس من قبل وكالات الترقيم الاقتصادي العالمية ..
حاجيات مُوردة
تعتمد تونس بدرجات متفاوتة على التوريد لتأمين عدة حاجيات غذائية واستهلاكية ، إضافة إلى الحاجيات من المواد الأولية الصناعية. ومن المواد التي توردها تونس بالعملة الصعبة بصفة دائمة لتغطية الحاجيات الاستهلاكية اليومية نذكر البترول الخام والمُكرّر والزيوت النباتية والسكر والقمح اللين (الفارينة الضرورية لانتاج الخبز) وجانب من القمح الصلب (لانتاج العجين الغذائي) والارز والشاي والقهوة وبعض البقول الجافة. كما تورد تونس جانبا من حاجياتها من الدواء والتجهيزات الطبية وعديد التجهيزات الضرورية للقطاع الصناعي والخدماتي وكذلك عديد المواد الاولية الصناعية إضافة إلى السيارات والعربات الثقيلة وآليات الأشغال العمومية وقطع الغيار ..كما تعتمد تونس على التوريد لتغطية العجز عن توفير بعض المواد الاستهلاكية المُنتجة محليا خاصة في فترات ذروة الاستهلاك (رمضان والصيف والأعياد)، على غرار اللحوم الحمراء والدجاج والحليب والبطاطا والخرفان والعجول ..
دينار
ينضاف تراجع احتياطي العملة الصعبة إلى انخفاض قيمة الدينار مقارنة بالعملات العالمية المعتمدة اهمها الدولار والأورو. وهو ما سيخلق حتما صعوبات مالية عديدة للميزانية عند القيام بعمليات التحويل من الدينار إلى الأورو أو إلى الدولار قصد القيام ببعض عمليات التوريد المتأكدة. وهذا ما زاد في درجة الشكوك لدى خبراء الاقتصاد حول قدرة اقتصادنا على تأمين حاجيات البلاد من الواردات المختلفة في الفترة القادمة خاصة أمام تواصل ارتفاع الاسعار في الاسواق العالمية.
انقاذ
حسب خبراء الاقتصاد والمال والاعمال فان تراجع احتياطي العملة الصعبة أصبح يُحتم على الحكومة التونسية اتخاذ جملة من الاجراءات العاجلة حتى لا تتفاقم الامور نحو الاسوأ. إذ لا مفر اليوم أمام تونس من مزيد تطوير الصادرات من حيث الحجم والقيمة المالية حتى تكون قادرة على تغطية المزيد من الواردات وعلى توفير نصيب إضافي من الموجودات النقدية بالعملة الصعبة لدى البنك المركزي. ويتطلب ذلك حث الخواص على الرفع من القيمة الإضافية للصادرات التونسية حتى يمكن ترويجها في الاسواق العالمية بكل سهولة وبأسعار محترمة. كما يتطلب الامر أكثر من أي وقت مضى مزيد العناية بالسياحة باعتبارها من أكثر القطاعات توفيرا للعملة الصعبة. ومن جهة اخرى فان السّلطات المعنية مطالبة بالتسريع في نسق تطوير الانتاج المحلي من عدة مواد حتى لا نضطر إلى توريدها بالعملة الصعبة، على غرار الحبوب والسكر ومواد التجهيز المختلفة.
ويرى الخبراء ايضا أن الحكومة مطالبة بالتخلي عن النفقات غير الضرورية التي يتم خلاصها بالعملة الصعبة ومحاولة إيجاد بديل لها يقع خلاصها بالعملة المحلية.
إيقاف التوريد
إضافة إلى جملة هذه الاجراءات الممكن اتخاذها، يرى الخبراء أن الحكومة قد تلجأ خلال الفترة القادمة إلى إيقاف توريد بعض المواد غير الضرورية (مثل المواد الفاخرة المصنفة من الكماليات) إلى حين استرجاع احتياطي العملة الصعبة عافيته. وكانت الحكومة قد انتهجت هذا الحل خلال اوائل الثمانينيات عندما قرر الوزير الاول آنذاك محمد مزالي تعليق توريد أغلب المواد بعد مرور البلاد بأزمة اقتصادية خانقة. فيما يرى آخرون ان تعليق التوريد قد يشمل أيضا مواد استهلاكية أساسية أو على الاقل ترشيد توريدها . و هو ما قد يؤدي إلى نقص في المواد الموردة المعروضة في السوق المحلية في الاشهر القادمة إذا لم يقع تدارك الأمر.