تجددت حالات الاحتقان والعنف ببلادنا لتعري غضب المواطنين من الحكومة التي لم تنجح في تحقيق مطالبهم وفي إيجاد حلول عملية لمشاكل البلاد، واختيارها أيسر الحلول لمواجهة الأزمة الاقتصادية المستفحلة من خلال الزيادة في الأسعار والتلويح بزيادة حجم الضرائب مع مفتتح السنة الجديدة، في مخالفة صريحة للوعود الانتخابية التي كانت بشرت قبل عام بالتخفيض في الضرائب وتحسين مستوى عيش ودخل المواطنين. كما أخطأت الحكومة في مواصلة التعويل على القروض الأجنبية وعلى وصفات صندوق النقد الدولي في ظل تراجع حجم الاستثمارات الخارجية ومداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج التي مثلت رجع صدى لعدم وضوح الرؤيا المستقبلية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ولاهتراء الصورة الجميلة للثورة التونسية التي كانت تنبئ بإقامة دولة ديمقراطية مدنية تكون نموذجا لدول المنطقة.
وفي الحقيقة فان مسؤولية الحكومة في هذا الشأن ليست كاملة، اذ اشترك معها دعاة الاعتصام ومعطلو الإنتاج الذين مارسوا احتجاجاتهم من خلال قطع الطرقات، والذين ساهموا في هروب المستثمرين المنتصبين و في تردد آخرين كانوا ينوون الاستثمار و«يقفون في طوابير الانتظار» كما قال الرئيس المؤقت.
ما وصلنا إليه اليوم وما قد نصل إليه غدا، إذا لم تتحرك الحكومة لإيقاف المعتدين على هيبة مؤسساتها وأجهزتها، يعود إلى خروج بعض المجموعات عن سلطة قانون الدولة لإقرار سلطة موازية لها أجهزتها وقوانينها ، والى انتشار ظاهرة استعمال العنف و التهديد به للرد على الخصوم ولمقارعة أصحاب الرأي المختلف.
ولا حل في الأفق يمتص الاحتقان وينهي التوتر والعنف القادم غير القيام بإصلاحات سريعة وخلق وفاق وطني واسع حول القواسم المشتركة وضبط أولويات التدخل وروزنامة المواعيد الهامة المقبلة، فحتى التحوير الوزاري الذي يطالب به البعض لم يعد يجد نفعا لأن الخلل ليس في الأشخاص بقدر ما هو في الخيارات والسياسات، رغم أن الحكومة الحالية تعج بوجوه التأزيم وخلق الشقاق.