إنه زمن الإثارة والبُوزْ ليتحولّ النكرة إلى نجم …عدنان الشواشي    الاحتجاجات تمتد إلى جامعات جديدة حول العالم    المحمدية.. القبض على شخص محكوم ب 14 سنة سجنا    تالة: مهرجان الحصان البربري وأيام الاستثمار والتنمية    "سلوكه مستفز": الافريقي يطالب بتغيير هذا الحكم في مباراته ضد الصفاقسي    سوسة: ايقاف مروج مخدرات وحجز 500 قرصا مخدرا    حالة الطقس هذه الليلة    بتهمة التمييز... أربع صحافيات يقاضين "بي بي سي"    أسعار المعادن في العالم: الذهب والفضة الملاذات الآمنة والنحاس مقياس للصحة الاقتصادية    عاجل/ قضية "اللوبيينغ" المرفوعة ضد النهضة: آخر المستجدات..    مجلس وزاري مضيق: رئيس الحكومة يؤكد على مزيد تشجيع الإستثمار في كل المجالات    فاو: ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء... اللحوم والزيوت النباتية والحبوب    ألكاراز ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة بسبب الإصابة    لجان البرلمان مستعدة للإصغاء الى منظمة "كوناكت" والاستنارة بآرائها    تونس تحي اليوم الوطني للدبلوماسية    توطين مهاجرين غير نظاميين من افريقيا جنوب الصحراء في باجة: المكلف بتسيير الولاية يوضّح    عاجل/ أعمارهم بين ال 16 و 22 سنة: القبض على 4 شبان متورطين في جريمة قتل    العثور على جثة آدمية مُلقاة بهذه الطريق الوطنية    ما قصة هروب افارقة من حافلة متجهة إلى ولايتي جندوبة والكاف ؟    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها    الرابطة الأولى: النادي البنزرتي يستضيف الأولمبي الباجي في حوار فض الشراكة في الصدارة    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    كرة اليد: بن صالح لن يكون مع المنتخب والبوغانمي لن يعود    مراسلون بلا حدود: تونس في المرتبة 118 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2024    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    جندوبة: 6 سنوات سجنا وغرامة مالية لممثّل قانوني لجمعية تنموية    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه.    الحمامات: اختتام فعاليّات الصالون المتوسّطي للتغذية الحيوانيّة وتربية الماشية    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    188 قتيلا في فيضانات جراء الأمطار بكينيا..#خبر_عاجل    قرعة كأس تونس 2024.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    صندوق النقد الدولي يدعو سلطات هذه البلاد الى تسريع الاصلاحات المالية    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    أبل.. الأذواق والذكاء الاصطناعي يهددان العملاق الأميركي    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه خالد الحداد : المفكر العربي الافريقي رشاد أحمد فارح في منتدى «الشروق»
نشر في الشروق يوم 12 - 11 - 2012

المنتدى : «المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء الشروق بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر، تبتعد عن ذلك الى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة اثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» الدكتور رشاد احمد فارح وهو مفكر وسياسي عربي أفريقي (من دولة جيبوتي) وهو المرشح حاليا لمنصب الأمين العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو الذي تفضل بالاجابة على عدد من الأسئلة حول العلاقة بين الحضارات والثقافات والتطرف وثورات الربيع العربي .وتعكس استضافة رشاد احمد فارح في المنتدى توجها للاستفادة والتواصل مع مختلف المقاربات والرؤى من مختلف دول العالم لتحقيق الاضافة المرجوة والمنشودة التي ترمي اليها صحيفتنا عندما أقرت انشاء هذا المنتدى الفكري والحواري.

وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من السادة حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي ونبيل خلدون قريسة وأحمد الطويلي ومحمّد ضيف الله وناجي جلول الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات في أعقاب ما بت يُعرف ب»«ربيع الثورات العربيّة».وبامكان السادة القراء العودة الى هذه الحوارات عبر الموقع الالكتروني لصحيفتنا www.alchourouk.com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.

انّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا الى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الاعلاميّة اليوم، انّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و»صراع النخب» و«جدل المفكرين» و»تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والانسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة – في حدود 400 كلمة ) وبامكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:[email protected].

لنبدأ بالتعرف على مسيرتكم المهنية التي قادتكم من جيبوتي الى اليابان الى أوروبا، ماذا يمكن ان يعرف عنكم القارئ التونسي ؟ اختصاصي في التاريخ والجغرافيا وفي العلاقات الدولية، طبع حياتي المهنية منذ استقلال جيبوتي، بطابع خاص هو الانفتاح على العالم وشعوبه وان أشارك شعبنا، حلمه في ان يندمج في مسارات المثاقفة الانسانية من موقع الاضافة والابداع والمساهمة في تنمية الرصيد البشري المشترك. كنت مثل كل أبناء جيلي احمل وأنا أتلمس خطواتي الأولى في وزارة الخارجية، هذا الحلم الذي قادني الى العمل في 3 قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا.

اكتشفت خلال هذه الرحلة أكثر من صورة للعالم، الفقر والتقدم التكنولوجي والنزاعات الدموية والعرقية ومحنة اللاجئين... جغرافيا متعددة بل متناقضة في عالم صغير، اصبح قرية كونية تفاعلية لا مجال فيها للعزلة أو التقوقع على الذات. أنا ابن قارة تختزل كل هذه الصور التي عشتها وساهمت في معالجة كثير من ملفاتها، وأتمنى ان تتاح لي في المستقبل الفرصة لمواصلة هذا العمل الذي اختزله عبر مسيرتي المهنية في محاور أساسية هي، نشر الثقافة باعتبارها أساس التنمية، و تدعيم التواصل بين الشعوب والحضارات، الايمان بقدرة الانسان على الابداع وتجسيم ذلك على ارض الواقع.

اعتقد بعد هذه المسيرة المهنية الطويلة أنني وصلت الى قناعات اهمها ان الفقر والحروب والتخلف ليست قدرا محتوما وانما هي نتيجة عوامل تزول بزوال مسبباتها، وان ذلك يقتضي اقتران القول بالفعل. لأننا نحتاج لعقول مفكرة ومنظرة ولكن أيضا لرجال يعملون على الميدان، ويعيشون آلام الناس وهمومهم، ويقدمون الحلول العملية.

التنمية في المحصلة جهد واقعي وليست بذخا فكريا لتقول تعيش في الصالونات الفاخرة.أنتم اذن مواطن عالمي؟أنا أولا مواطن اعتز بانتمائي لوطني جيبوتي، الذي علمني شعبه معاني السلم وحب الخير، وشجعتني ثقافته المنفتحة على المضي قدما في دروب المثاقفة ومساراتها بأهداف واضحة.

«مواطن عالمي» نعم ان كان المقصود هو التموقع الايجابي في الثقافة العالمية، واستيعاب صدمة الحداثة، والاستفادة من فرص الشراكة لتعزيز التعاون بين الشمال والجنوب، وليس التيه في زحمة التجاذبات الأيديولوجية وصراعات المدارس الفكرية والسياسية .هذا مثلا ما حرصت على تجسيمه ،بالتعاون مع منظمة اليونسكو، من خلال ابتكار «مختبر أفكار» في منطقة شرق افريقيا تحت عنوان «الأفاق الواسعة» وذلك بالتنسيق مع جامعات شرق افريقيا والمثقفين بالمنطقة في الجامعات الأجنبية سواء عربية أو أوروبية، واختيرت العاصمة جيبوتي مقرا له وعقد آخر منتدى ل«مختبر الأفكار» وهو الخامس من نوعه في جيبوتي عام 2010 وحضره وزراء شباب بلدان شرق افريقيا وجمعية شباب شرق افريقيا. فدور الشباب دور مهم لبناء مستقبل اجتماعي، لذلك كنت حريص على حضورهم ومشاركتهم مشاركة فعلية في المؤتمر.وكذلك جهودي في اطار المنظمة الدولية للفرانكوفونية «لترسيخ السلام في أذهان الرجال والنساء» عبر التربية والثقافة والحوار بين الشعوبوالحضارات. وهذا ما قمت به خلال اقامتي باليابان لمدة 15 سنة أثمرت عديد مشاريع التعاون مع أفريقيا وتقريبها من الوطن العربي والدول الأسيوية عن طريق تنظيم العديد من المنتديات.المجتمع الياباني مجتمع منغلق على الذات، وعلاقات اليابان بافريقيا لم تتطور بعد كيف استطعتم التأقلم مع هذا المعطى، خاصة وأنكم تجاوزتم حدود العمل الديبلوماسي، للاقتران بامرأة يابانية؟لا يوجد مجتمع منغلق وانما توجد عقول منغلقة أو طرق متقطعة للتواصل بين الشعوب.


اليابان مجموعة جزر تعيش ظرفا طبيعيا خاصا شجع أبناءها على العمل كسلاح لمواجهة جنون الجغرافيا، وتداعيات المغامرت العسكرية الفاشلة. تجربة الحرب العالمية الثانية بآلامها نزعت من العقل الحداثي الياباني فكرة الرهان على القوة العسكرية التي مازالت تثقل موارد دول عديدة تنفق للتسلح أكثر مما تنفق لتنمية العقول. طبعا اليابان لها ثقافة عريقة جدا والشعب الياباني متمسك بلغته وحتى بالبعد التقاليدي لثقافته وهو ما ساعده على تجاوز محنة الدمار بعد الحرب والحفاظ على تقاليده.

قوة اليابان انه عرف كيف يوحد جهوده في اتجاه واحد، استعادة القوة واثبات حضوره الاقتصادي والتكنولوجي في العالم. لم يكن من الصعب علي فهم الشفرة السرية لهذا المجتمع، الراغب في الانفتاح وخاصة على أفريقيا، ولكن نحن كأفارقة نحتاج بالفعل استراتيجية للانفتاح على اليابان.كيف ذلك ؟اليابان قوة اقتصادية وتكنولوجية جبارة، وعلاقتها بمحيطها الخارجي متنوعة ووطيدة. والبعد الانساني حاضر فيها بطريقة تبعث على الاعجاب.

اليابان متقدمة جدا في مجال الاغاثة والتنمية المتضامنة، وشعوب عديدة استفادت من هذا التوجه المحمود. التعاون مع الياباني يمكن ان يكون في مجالات عديدة مثل التعاون الانساني لمواجهة الأوبئة أو الأمية وحل مشاكل اللاجئين ... أيضا شراكة اقتصادية لان اليابان تتجه بقوة نحو السوق الأوروبية ويهمها بناء قواعد صناعية في أفريقيا للتقليص في الكلفة، وطبعا الجانب التكنولوجي مهم جدا وجامعاتنا ومعاهدنا محتاجة الى شراكة متينة مع طوكيو في هذا المجال.الارضية موجودة وقد شاركت بقرار من الحكومة اليابانية في التحضير ل«مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا» TICAD الذي انعقد اجتماعه الأول عام 1993 والثاني عام 1998 والثالث عام 2003. والمطلوب هو التجسيم والمبادرة وخاصة من دول الجنوب. نحن نحتاج لتنسيق الجهود والتقدم بمشاريع واضحة ومقنعة وايضا تحسين مناخ الاستثمار في البلدان الافريقية لان اليابان تولي اهمية خاصة للحوكمة الرشيدة والشفافية في تعاملاتها وعلاقاتها.

وحتى لا يبقى كلامنا نظريا اعطيك نموذجين عن التعاون الناجح مع اليابان. فقد شاركت مع عقيلتي في تاسيس منظمة «أطباء آسيا» التي بدأت عام 1993 بتوسيع نشاطها في اتجاه بلدان أفريقية وعربية كما نشطت في مناطق نزاع أو في مرحلة ما بعد انتهاء النزاعات كما في جيبوتي (تدفق اللاجئين)، كينيا، أوغندا، السودان، دارفور، رواندا، بوروندي ..).كما ساهمت في انشاء جامعة ASIAN PACIFIC التي تستقبل طلبة وأساتذة أجانب لا يقلون عددا عن الطلاب والأساتذة اليابانيين.

وبصفتي عضوا في المجلس الاداري لهذه الجامعة فقد شجعت السلك الدبلوماسي الأجنبي المعتمد في اليابان لدعم هذا المشروع وبذل جهودا من أجل أن تفتح هذه الجامعة أبوابها للطلبة من بلدان الجنوب.الشعب التونسي يحمل فكرة ايجابية عن جمهورية جيبوتي، وبرنامج التعاون الفني بين البلدين من أنجح البرامج، كيف تقدمون لنا أهم ملامح السياسة الخارجية لدولتكم وسبل تطوير العلاقات مع تونس؟جيبوتي منذ استقلالها سنة 1977 حرصت على ان تكون قاعدة للسلام والتعايش بين الشعوب، في قارة تنهشها النزاعات الدامية ومشاكل التنمية المستفحلة مثل الفقر والمجاعة و دولة جيبوتي تدعم بقوة كل المحاولات الجارية لتطويق الأزمات وحلها في منطقة القرن الأفريقي وفي مناطق التوتر الأخرى. علاقتنا بتونس علاقة ممتازة وتفضلت بذكر التعاون الفني، وهي بالفعل تجربة رائدة وناجحة وعرضت على الأخوة في الحكومة خلال زيارتي الأخيرة سبل تدعيمها للاستفادة من الخبرات التونسية وخاصة في مجال التعليم، اضافة الى عديد الميادين الأخرى.

اتمنى ان تتاح للمستثمرين التونسيين بالخصوص مجالات أرحب لاستكشاف فرص الاستثمار في دولة يرشحها الخبراء بان تكون في السنوات القادمة، قاعدة عالمية للمبادلات التجارية. جيبوتي بها احد أكبر الموانئ في أفريقيا وهي تقع في ملتقى بحرية استراتيجي واعتقد انه بالامكان الارتقاء بعلاقات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين الى الأفضل .ذكرتم القرن الأفريقي والذي يعج بالمشاكل والأزمات رغم ثرائه الطبيعي.

كيف تنظرون لمستقبله ؟انتم محقون في سؤالكم. القرن الافريقي الذي يضم جيبوتي والصومال واثيوبيا، مساحته حوالي 2 مليوني كم2، وهو منطقة استراتيجية تطل على مضيق باب المندب الذي يربط بين البحر الأحمر من جهة والمحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب. أهميته استراتيجية لانه منطقة ربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا ،للأسف المنطقة تتأثر بالنزاع الدائر في الصومال، وفي المناطق المجاورة، ولكن هذا لا يبرر بأي حال غياب استراتيجيات لتنمية المنطقة في اطار شراكة ثنائية أو ثلاثية.

هذه في الحقيقة ليست مشكلة القرن الأفريقي فقط بل مشكلة أفريقيا لان التعامل الدولي معها بعد زوال حقبة الاستعمار مازال مرتبطا بالية فض النزاعات دون العمل على معالجة المشاكل بصورة جذرية. المسؤولية يتحملها الأفارقة أيضا نحن مطالبون برسم سياسات تعاون ناجعة، وتفعيل آليات تنموية تساعد على تحقيق التنمية. من غير المعقول ان تواجه منطقة مفتوحة على البحر، وتمر بها أو قريبا منها انهار عملاقة مشكلة الجفاف والمجاعة في أماكن شاسعة. هناك أيضا قنبلة موقوتة هي اللاجئون الذين مرت عليهم سنوات في المخيمات دون تعليم أو ثقافة أو اندماج. هؤلاء الخيارات أمامهم ضيقة أما الهجرة السرية أو وهذا هو الخطر الجديد الاندماج في شبكات العنف. اعتقد ان هموم أفريقيا باتت تثير قلق العالم ولم تعد مرتبطة بصور الفقر والمجاعة بل أصبحت تثقل كاهل السلم العالمي بتحديات جديدة. وما يحدث في شمال مالي أكبر دليل على ذلك. مع ذلك أنا متفائل بمستقبل المنطقة وبعزيمة أبنائها للخروج من الصعوبات.

من المنطقي ان تعرف اغلب الدول الأفريقية مخاضات صعبة وخاصة للدول حديثة العهد بالاستقلال، وتجاوزها ليس بالأمر الصعب وهو ما قد يستدعي العمل على ان يصل صوت أفريقيا للعالم بصورة ايجابية، وهذا احد دواعي ترشحي للادارة العامة لليونسكو.هل يعني ذلك أنكم تراهنون على الثقافة والتعليم لتنمية أفريقيا؟الثقافة والتعليم هما من الدعائم الأساسية للتنمية في المطلق. في أفريقيا نحن نحتاج موارد بشرية جبارة وخبرات في كل المجالات وخاصة التكنولوجيا. الفقر المعرفي والتكنولوجي عمق هموم أفريقيا، وضاعف الكلفة الباهظة للتفاوت التنموي بين الشمال والجنوب. أفريقيا تحتاج مساعدات واغاثة انسانية ولكن أيضا استراتيجيات تنمية شاملة سياسية وثقافية واقتصادية ناجعة ليس لمصلحة قارتنا فقط بل لمصلحة الاستقرار العالمي. التخلف المعرفي والفقر هما احد أبرز أسباب الارهاب والتطرف. وانتقال هذه الآفة لأفريقيا يؤكد هذه الحقيقة، ويستدعي نظرة أخرى لمشاكل القارة المكتظة بالسكان والمشاكل. العالم الان يواجه مشكلة الهجرة السرية، وقوارب الموت واوفواج الهاربين من الجوع والفقر، والمشكلة ستتعقد أكثر لو تم اختراق أفواج المهاجرين بارهابيين.

الحل الأمني لن يكون كافيا في غياب رؤية ثلاثية الأبعاد اي تنمية الموارد البشرية، والقيام بالاصلاحات الضرورية لتدعيم الحوكمة الرشيدة، والاستثمار الاقتصادي في اطار شراكة مربحة ومتكافئة. والعالم مدعو لمساعدة أفريقيا على تحقيق ذلك ونحن أيضا مدعوون لاعتماد استراتيجيات اتصالية أكثر نجاعة مع الآخر وطبعا مع الذات.أنتم تمثلون بلادكم في منظمة الفرانكوفونية. هل يمكن اعتبار هذه المنظمة امتدادا لحقبة الاستعمار ودليلا على احتكار فرنسا للقرار في أفريقيا ؟لا بكل تأكيد. على المستوى السياسي فرنسا استفادت من أخطائها في ادارة علاقتها بالكثير من مستعمراتها. وطوت نهائيا صفحة أفريقيا الفرنسية. أما على المستوى الثقافي، فالثقافة الفرنسية جزء معتبر في الشخصية الثقافية الأفريقية. نحن لا نخجل من ذلك بل نعتبره جزء من انفتاحنا على الثقافات الانسانية. أفريقيا قارة منفتحة ومتنوعة وتنوعها عامل ثراء وهو في نفس الوقت عامل ارباك وفرقة وتطاحن.

ونحن مدعوون كافارقة لحماية خصوصياتنا الثقافية دون ان يعني ذلك الانغلاق أو التقوقع. تراثات أفريقيا هي من اعرق وأثرى التراثات الانسانية واكثرها تنوعا وتعددا. للأسف لم تتوفر للقارة استراتيجية موفقة لادارة هذا التنوع، وتقديمه للعالم بصورة جذابة.

للاسف هناك من ينظر للتراث الافريقي على انه جزء من مرحلة التوحش البدائي. هذا غير صحيح لان التراث الافريقي متفاعل مع التاريخ في اجزاء كبيرة منه والبقية، تراث اصيل مازال مرتهنا بمشاكل التخلف التنموي اوبالطبيعة القبلية المستحكمة في مناطق عديدة ويجب التعامل معه بكل احترام للتنوع الانساني بل للحق في حماية التنوع، وهي من اقدس واوكد حقوق الانسان .

والثقافة العربية، اي حضور لها في أفريقيا ؟الثقافة العربية ثقافة أصيلة وقد صمدت امام موجات التفسّخ خلال حقبة الاستعمار. دولة مثل جيبوتي متمسكة بعروبتها، واللغة العربية لها مكانة بارزة في التعليم، وهو شان دول افريقية عديدة. ولكن المشكلة هي مكانة الثقافة العربية في العولمة وحضورها في القرية الاتصالية ومدى جاذبيتها للشباب الممزق في الغالب بين ثقافة الاخر الغازي وثقافة الموت القادمة من الماضي. حضور الثقافة في افريقيا او اوروبا او في امريكا او اسيا واستراليا، لا يجب ان يقتصر على الحديث باللغة العربية وانما على قدرة ثقافتنا ولغتنا العربية على انتاج رموز وقيم واشكال حضارية، متفاعلة مع التاريخ.

المقياس الذي نقيس به حضورها يجب ان يكون ايضا مرتبطا بقدرتها على ان تكون لغة علوم وتكنولوجيا، ولغة حاضرة بابداعاتها الفنية والادبية بقوة في الثقافة الانسانية. الثقافة العربية في أفريقيا صمدت في وجه محاولات الغزو الثقافي الاستعماري، وهي قادرة اليوم على الحفاظ على وجودها ولكن ليس بمنطق الاحتماء أو التقوقع وانما الانخراط في المثاقفة بقوة ونجاعة.

اخوتنا العرب مدعوون أيضا الى الانفتاح على الثقافة الأفريقية في تنوعها. نحن نتحدث عن حوار الحضارات والثقافة، وهو أمر ضروري ولكن من البديهي، ان نولي مكانة أكبر للمثقفين الأفارقة والمبدعين والاعلاميين في الأنشطة الثقافية في الدول العربية. للأسف نجد اهتماما أكبر بالمثقف الأفريقي حين يكتب بالفرنسية أو بلغة أخرى غير العربية.

الطيب صالح كان محظوظا بانتشاره العربي ولا افهم لماذا لم تتكرر تجربة صالح مع مثقفين آخرين يكتبون بالعربية وحتى بلغات أخرى ان كانوا يفكرون بعقل عربي أفريقي أو حتى أفريقي فقط. هناك تجارب متقدمة مثل أيام قرطاج المسرحية والسينمائية، ولكن المطلوب ان تتحول الى خيار ثقافي استراتيجي وشامل. التعارف الثقافي يفتح المجال للتعاون في الاقتصاد والسياسة ... دون شككيف تنظرون كمفكر وديبلوماسي عربي أفريقي لثورات الربيع العربي ؟الربيع العربي كان حتمية تاريخية في ظل التحولات الداخلية والخارجية التي تشهدها المنطقة.

ثمة ضغط ديمغرافي لفئة الشباب، وارتفاع قياسي لنسبة التعليم، وحضور قوي في الفضاء الاتصالي المعولم. الأرضية مهيأة لدفع الأمور في اتجاه الاصلاح الداخلي الذي رفضته بعض الأنظمة لانها لم تحسن قراءات مسارات التحول في الذهنيات الجديدة. الربيع العربي يعيش الان مخاضين عسيرين. هما مخاض الهوية بفعل الاستقطاب الحاد بين القوى الاسلامية والقوى العلمانية من جهة وداخل القوى الاسلامية بين المعتدلين والمتشددين. ومخاض الانتقال الديمقراطي في ضوء حداثة التجربة والصراعات داخل القوى التي حملتها الثورة للسلطة والقوى المناهضة لها سواء من التي شاركت في الثورة أو الاطراف المتضررة منها.

في هذا الوضع ،المعول على الحوار، وعلى عامل الوقت، لانه من العسير ان يتحقق الانتقال الديمقراطي في وقت، قصير. الثورات في كل مكان تحتاج فترة تطول وتقصر لتستقر الأمور وتتضح موازين القوى وتحسم الخيارات السياسية والتنموية.

والعامل الخارجي قد يلعب دورا حاسما في توجيه الأمور في هذه الجهة أو في تلك. وقناعتي أكيدة بان شعوب الربيع العربي، ستحمي انتقالها الديمقراطي من الانتكاس، وستنتصر للقوى الوسطية المعتدلة التي ترفض التطرف سواء كان علمانيا أو اسلاميا .لكن هناك من يرى ان الربيع العربي تحول الى شتاء اسلامي ويضع لذلك مخاوف لعودة الهيمنة او الأنظمة الدكتاتورية ؟ من المبكر الحديث عن وجهة معينة لثورات الربيع العربي. والحديث عن «شتاء اسلامي» عبارة تحتاج الى تدقيق. هل تعني الخوف من تغول الاسلاميين المتطرفين، ام من وصول الاسلاميين المعتدلين للسلطة.

في تركيا هناك نموذج ناجح جدا برهن على انه لا تعارض بين الاسلام والديمقراطية. وتركيا قد تكون غيرت نظرة الكثيرين للاسلام السياسي، وعززت الثقة في الالتزام الديمقراطي للاسلاميين، وصدق نواياهم ورفضهم المساس بالمكاسب الحداثية للمجتمعات. التجربة في تونس ومصرتبدو مطمئنة الى حد الان، في ضوء تمسك الاسلاميين بتنفيذ كثير من تعهداتهم ومنها عدم احتكار السلطة، وكتابة دستور توافقي، طبعا وجود تيار مدني حداثي قوي، يراقب هذه التجربة ويدفع الاسلاميين المعتدلين الى اخذ مسافة من المتشددين، يعزز الثقة في هذه التجربة .ومع ذلك المخاوف مشروعة في بداية تجربة تتلمس طريقها بين الاندفاع والانتكاس، بين الحزم والتردد، ولكن التعميم والنظرة العدمية للاسلاميين لدى بعض الاطراف اقرب الى «التراث المتخيل» الذي سطره الاستشراق منه الى الواقع.هذا يجرنا الى سؤالكم عن صراع الحضارات كيف تنظرون اليه مع تصاعد المخاوف من العنف ومظاهر التطرف خاصة في دول الجنوب ؟لا شيء يبرر صراع الحضارات والصدام مع الغرب.

الانسانية تشترك في قيم عديدة لا خلاف حولها وتضخيم الاختلافات الحضارية تقف وراءه قوى في الشمال واخرى في الجنوب، ومشاكل التنمية توفر لها بؤرة لتستقطب الشباب وتدفعه نحو التطرف. وهي ليست ظاهرة «جنوبية» فقط في الشمال هناك تيارات يمينية متطرفة، هناك عودة للنازية، وهناك عنف منظم او عفوي. في مرحلة من التاريخ كان للصراع الحضاري مبرراته لانه كان جزءا من الصراع العسكري للسيطرة على مساحات اوسع. وكانت الابادة الثقافية شرطا من شروط الهيمنة.

الان العقل البشري تطور، والمعرفة تطورت ووسائل الاتصال ازالت الحدود والحواجز والمفترض ان تنشا معها وبفضلها جغرافيا جديدة للتسامح والتعارف.لكن هناك من يصر على اشعال الحرائق مثل موضوع الرسوم والفيلم المسيئين للرسول الكريم ؟الاستفزازات يجب ان تبقى هامشية لان تضخيمها هو هدف أصحابها.

حرية التعبير شيء مقدس ولكن التحريض على الكراهية والعنف جريمة. ادعو المسلمين الى تفهم خصوصية القوانين الديمقراطية في الغرب،وما تتيحه أحيانا من امكانيات لا حدود لها للابداع.

ولكن على الغرب ايضا ان يدرك حساسية المساس بمقدسات الآخرين والمسالة هنا ثقافية قبل ان تكون قانونية او سياسية. على العرب والمسلمين مخاطبة العالم بلغة يفهمها، وعلى المرجعيات الروحية والفكرية أن تعمل في اتجاه تشجيع ثقافة الاحترام المتبادل للخصوصيات الحضارية والثقافية. وفي جميع الاحوال يجب ان نعمل حتى لا تسقط الثقافة الانسانية في فخ المتطرفين من الشمال والجنوب.ختاما سعادة السفير، ماذا يعني لكم الترشح لمنصب المدير العام لليونسكو ؟اليونسكو من اهم المنظمات الأممية التي تحمل رمزية التعاون من اجل السلام والتعايش بين الثقافات والحضارات. واعتقد ان التداول على راس ادارتها العامة بين مسؤولين من مختلف القارات والثقافات، يحمل أبعادا عديدة تقوي هذه الرمزية.

اعتقد ان وجود عربي مسلم أفريقي على راس اليونسكو سيساعد المنظمة على لعب دور أكبر في المصالحة بين الشعوب والثقافات، وسيبعث برسالة قوية للشباب العربي الأفريقي بانه ليس على هامش العالم أو في حالة عداء مع الآخر. طبعا الى جانب البعد الرمزي هناك رؤية المدير العام لتطوير عمل المنظمة، وأؤكد ان رؤيتي التي سأطرحها في المدة القادمة تنبني على قراءة نقدية عميقة لعمل المنظمة وتصورات واضحة لتطوير آليات عملها. ليس ترشحا من اجل الترشح وانما هو ترشح من اجل تنفيذ رؤية تحتاجها المنظمة ويحتاجها العالم في هذه المرحلة الدقيقة


من هو رشاد احمد فارح ؟

ولد رشاد أحمد فارح عام 1950 في جيبوتي حاز على شهادة ليسانس « تاريخ وجغرافيا « من جامعة السوربون في باريس وكذلك على دبلوم من المعهد الدولي للادارة العامة قسم العلاقات الدولية فرع الدبلوماسية في باريس. يشغل حاليا خطة سفير فوق العادة ومطلق الصلاحية لجمهورية جيبوتي لدى فرنسا وسفير غير مقيم لبلاده في ايطاليا، المملكة المتحدة، تونس، الجزائر، البرتغال، اسبانيا، روسيا وامارة موناكو وأيسلندا. وهو ممثل دائم لجمهورية جيبوتي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ممثل شخصي لرئيس الجمهورية لدى منظمة الدول الناطقة باللغة الفرنسية (الفرنكوفونية )حاز على وسام الشرف (Ordre du Soleil levant) من اليابان ووسام (Rio Branco) من البرازيل لدوره في إجلاء البرازيليين الهاربين من حرب اليمن كما أنه حاز على وسام 27 يونيو جيبوتي. كتب بحثين الأول « جيبوتي والمحيط السياسي « عام1977 والثاني « افريقيا تخطو عام 1998» بمناسبة انعقاد TICAD 2. وهو حاليا المرشح العربي والافريقي لمنصب الأمين العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.