وجد الشاب «شاهين بالريش» نفسه في وضع محرج بعد أن أطلق العنان لخياله ولفنّه هو وأحد أصدقائه. اذ قام هذا الشاب بكتابة جمل معبّرة أراد من خلالها أن يرسم ما يشعر به،وما يعتمل بداخله إزاء ما تعيشه البلاد عموما وقابس خصوصا من أوضاع في الأيام الأخيرة. ولم يدر بخلده أن التعبير الفنّيّ الحرّ سيحوّله إلى متهم بخرق قانون الطوارئ ،ونشر أخبار زائفة من شأنها بث البلبلة. لا أحد يمكن أن يبرّر أحداث العنف التي عاشتها قابس لكنّ الشاب «شاهين» الطالب العاشق للسينما وللصّورة التي حملها وشما في اسمه، لم يرم حجرا ولم يستهدف إنسانا بعينه أو مقرّا أمنيّا فقط أراد أن يعبّر عن موقفه مما يجري بطريقته الخاصّة. ومثل الشعارات والكلمات التي أحيل بسببها على القضاء ليست معادية لأحد بل فيها من لمسات الفنّان وفيها من حرارة الشباب وغليانه ما يمكن أن حوّل الغضب الكامن بين الضلوع إلى عمل فنّيّ.لقد عرف الغرب العاشق لجماليات المرئيّ حيثما كان ، فنون الشارع وأولاها من الأهميّة ما جعل كلّ الجدران تتحوّل إلى محامل فنّيّة تعكس نظرة الفرد إلى الحياة والكون في تقلّبهما. ونحتاج رغم ركام القبح المحيط بنا إلى جرعات فنيّة تحوّل الكتابة إلى مشهد جمالي تقرّبه العين وتسرّ.وإذا كانت بعض الشعارات المكتوبة بالفحم وبخطّ رديء قد ساهمت في نشر القذارة المتراكمة هنا وهناك فإنّ ما قام به شاهين يمكن أن يكون ماحيا للقبح ناشرا للجمال لأنّه في النهاية كتابة فنية ورؤية حالمة لجمالية قبح الفقر وخيباته. لقد أطلّ «حنظلة» من خلال هذه الرسوم وهو ما عكس وعيا متوثبا باللحظة ومسكا لجمر السؤال. وقد لا يكون لائقا بتونس اليوم الخارجة من صمت السنين أن تمنع فتى من الكلام المباح.