الربيع العربي وظّف الاسلاميين لمشروع «الشرق الأوسط الكبير». المنتدى
«المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء الشروق بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر ، تبتعد عن ذلك إلى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة إثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011. اليوم يستضيف «المنتدى» أعلية العلاني المؤرخ والباحث في التاريخ السياسي المغاربي والحركات الإسلامية بالمغرب العربي صاحب العديد من البحوث والدراسات حول التيارات الاحتجاجية بالمغرب العربي سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية وحول السلفية في تونس والمغرب العربي.
وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من السادة حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي ونبيل خلدون قريسة وأحمد الطويلي ومحمد ضيف الله و المفكر العربي الافريقي رشاد أحمد فارح الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات.
وبإمكان السادة القراء العودة إلى هذه الحوارات عبر الموقع الإلكتروني لصحيفتنا www.alchourouk.com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.
إنّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا إلى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الإعلاميّة اليوم، إنّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و«تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والإنسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.
وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها ، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة في حدود 400 كلمة) وبإمكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:[email protected].
كيف تقرؤون ما حدث يوم 14 جانفي 2011 في تونس وارتباطات ذلك على مستوى المنطقة العربيّة؟
ما حدث يوم 14 جانفي 2011 هو ثورة ولكن على الطريقة التونسية أي بأقل ما يمكن من الدماء وبشعارات سياسية مغرية غابت عنها رؤية ثقافية للمجتمع المنشود.
لماذا هي على الطريقة التونسية أيضا؟ لأنها أسقطت الحزب الحاكم ولم تسقط الدولة. فالثائرون التونسيون اكتشفوا أثناء المظاهرات التي سبقت هروب الرئيس بن علي أن التوحّد حول مطلب التغيير الجذري هو أفضل الحلول. والتغيير الجذري يعني إسقاط الاستبداد وإقامة منظومة ديمقراطية حقيقية ولو على مراحل.
ولهذا كانت مطالب الثائرين التونسيين واضحة وبسيطة ومعبرة. كانت الشعارات التي رُفعت تتمحور حول حق الشغل وحرية التعبير. ومما زاد في تغذية الثورة ما حصل من مظالم من طرف عائلة الرئيس السابق بن علي وبعض حاشيته في حق التونسيين. وكل التونسيين كانوا يتناقلون قبل سقوط السلطة أخبار الفساد والإثراء غير المشروع المصحوب بالقمع. لذلك وعندما طرحت مسألة حل حزب التجمع الحاكم بعد الثورة لم تجد معارضة حتى من داخل التجمعيين أنفسهم. وخاصية الثورة التونسية أنها سمحت بدغدغة مشاعر شعوب عربية أخرى لم تتردد في الخروج إلى الشارع وترديد الكلمة السحرية «ارحل» غير عابئة برصاص أعوان الأمن آنذاك.
لكن لماذا كانت تونس ومصر هما اللتان بدأتا بالتحرك ؟ والجواب أن كلا البلدين شهدا حركة إصلاحية متجذرة منذ القرن 19، كانت تنادي بتقييد سلطة الحاكم وتفريق السلط والأخذ بأسباب العلم لبناء دولة عصرية، لكن ما حصل في دولة الاستقلال هو تغليب المسألة الوطنية على المسألة الديمقراطية التي غُيبت بشكل كبير، فأصبح الحزب الحاكم يضم أصحاب المصالح أكثر مما يضم أصحاب المبادئ. ومن هنا حصل المنعرج وكثرت التجاوزات التي بلغت حد حصر الثروة في دائرة ضيقة ومنْع الطبقة الوسطى التي تشكل الطبقة الأوسع في المجتمع التونسي وعديد المجتمعات العربية من أن تكون مستفيدة ومؤثرة في سلطة القرار. ولهذا عندما اتسعت الهوة بين الطبقات الاجتماعية، وهو أمر غير مألوف في تونس، أصبح سقوطه مسألة توقيت فحسب، وهنا يمكن أن نضيف المؤثرات الخارجية كعامل مساعد لا كعامل رئيسي في اندلاع الثورة.
أي موقع للنخب والمثقفين في هذا الحراك العربي الجديد؟
موقع المثقفين والنخب في الحراك العربي الجديد هام لأنه يقوم على التأسيس وهو تأسيس للآليات التي تحمي الديمقراطية الناشئة. وهذه النخب تشتغل في ظروف صعبة لأن الطاغي الآن على الساحة هو الخطاب الشعبوي، فقد أصبحنا نعيش فقرا في المفاهيم ؟ فماذا تعني مدنية الدولة بالنسبة للإخواني والسلفي والعلماني ؟ فهل طُرح حوار معمق لتأصيل هذه المفاهيم ؟ وهل أن حالة التجاذب القوية الآن بين الأحزاب تساعد على الاتفاق حول نمط المجتمع الذي نريده لمجتمعنا العربي؟
إن موقع المثقفين والنخب حاليا بدأ يتقلص لصالح موقع محترفي السياسة وهي أولى أسباب تعثر المشروع الديمقراطي الذي ثار من أجله المواطن العربي، لأن السياسة دون مضمون ثقافي ستعيدنا من جديد إلى مربع الاستبداد. وأهم ما في المضمون الثقافي هو نمط المجتمع المدني الذي نريده، أي الحداثة التي نهدف الى إقامتها، والعقلانية التي نريد أن تسود خياراتنا ومعاملاتنا، والمواطنة التي يجب أن تؤدي إلى مساواة حقيقية. هذا النمط المجتمعي أصبح مهددا الآن مع الأسف مع بداية انتشار التيارات الدينية المتشددة وحتى من طرف جزء من تيار الإسلام السياسي في بلدان الربيع العربي والذي لا تتطابق أرضيته الإيديولوجية مع خطابه السياسي (أرضية اديولوجية محافظة جدا وخطاب سياسي ديمقراطي).
بحسب رأيكم ما طبيعة الصراع الدائر اليوم في بلدان الربيع العربي؟
الصراع الدائر اليوم في بلدان الربيع العربي صراع مغلوط لأنه يقوم إما على تقسيم المجتمع إلى إسلاميين وعلمانيين (حسب تيار الإسلام السياسي) أو على تكفير تيار لتيار آخر (حسب العديد من التيارات السلفية). أما داخل التيارات الليبرالية واليسارية و القومية فهناك تباين بين من يُقسّم المجتمع إلى مؤيد للثورة ومعاد لها وبين من يصنف الأشخاص إلى رجعيين وتقدميين، وبين من يطالب بالمواطنة الحقيقية أو بالمواطنة المشروطة، وكذلك بين من يدّعى الدفاع عن القضايا القومية و من يُتّهم بالتفريط فيها.
هل لذلك علاقة بمشروع الشرق الأوسط الكبير الّذي نظرت له طويلا الإدارة الأمريكيّة؟
مشروع الشرق الأوسط الكبير يعود لعدة سنوات لكنه مشروع متمطط. فبعد الربيع العربي أصبح الإسلاميون وأحزابُهم جزءا من هذا المشروع. وهذا المشروع لا يُسيّره الإسلاميون بل هم مطالبون بالانخراط فيه، لكن يمكن إعطاؤهم هامشا محدودا للمناورة . وهناك احتمال لحصول بعض التعديلات على المشروع من بينها: دعم تجربة الإسلام السياسي في الحكم بشكل منفرد أو بشكل تشاركي مقابل الانخراط بجدية في مقاومة الإرهاب، والقبول على المدى المتوسط بدولة فلسطينية لا منزوعة السلاح وإنما ضعيفة التسليح.
أوروبا وأمريكا تريدان شرقا أوسطا كبيرا، مستقرا أمنيا حتى تزدهر الحركة الاقتصادية، ومستهلكا بامتياز للسلع والأفكار. وهنا يأتي دور النخبة ودور المجتمع المدني. في تعديل هذه المقاربات.
هل من تغيّر في الموقف الأمريكي والغربي عموما من تيارات الإسلام السياسي ؟
موقف الغرب لحد الآن غير مناهض للتيارات الإسلامية الحاكمة في بلدان الربيع العربي، لأنه ملّ عملية اللجوء السياسي والهجرة السرية أولا. ولأنه يحاول دمقرطة الإسلام السياسي وتحييد الإسلام الراديكالي ثانيا. ولأنه يريد أن يكتشف حصيلة التجربة لهذه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ومدى توفقها أو عدم توفقها في نحت نموذج تنموي يتصالح مع الديمقراطية والحداثة ثالثا. وأنه يرغب، ربما في جرها إلى المساهمة في عملية تقريب الشقة بين حماس ذات التوجه الإخواني وإسرائيل من أجل عودة المفاوضات رابعا.
الاستقطاب الإيديولوجي الإسلامي العلماني شدّ كثيرا الأنظار على امتداد الفترة الماضية، إلى ماذا يعود ذلك وما هي أوجه تطوره مستقبلا؟
الاستقطاب الإسلامي العلماني كامن في ثقافة الإسلاميين وأدبياتهم منذ عقود. وموجود كذلك لدى بعض التيارات العلمانية. لكن بعد الربيع العربي ارتفع منسوب الاستقطاب الإيديولوجي بشكل فات الحد المقبول. ولم يعد الانقسام مقتصرا على المجتمع في صورته الموسعة بل شمل كذلك العائلات التي تشهد في داخلها أجنحة متصارعة تصل أحيانا إلى صراعات وعداوات داخل الأسرة الواحدة نتيجة هذا التقسيم الإيديولوجي. وهي ظاهرة اجتماعية جديدة لم تكن مألوفة داخل العائلات، فالرابط العائلي والقرابة الدموية لم تصمد أمام التناقضات الإيديولوجية. وهذا الاستقطاب مرده غياب الحوار وصراع الأجندات.
هل من الممكن أن يُجيب الإسلام السياسي عن معضلة السلطة والحكم في البلدان العربية التي عرفت أنماطا عديدة من الحكم الاشتراكي والقومي والعلماني لكن دون حصول سلطة ديمقراطيّة مدنيّة؟
تجربة الإسلام السياسي ونقصد بذلك التيار الإخواني لم تبدأ مع بلدان الربيع العربي، بل بدأت مع السودان ومع حسن الترابي صديق الغنوشي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين، وكانت الحصيلة هزيلة جدا. وأذكر أن أفكار هذا التيار وخاصة تلك المتعلقة بتطبيق الشريعة في مجتمع متعدد الأعراق والديانات قادت في النهاية إلى حرب أهلية انتهت بتقسيم السودان إلى دولتين.
وبعد الربيع العربي أعاد تيار الإسلام السياسي نفس الأخطاء، فكل بلدان الربيع العربي، ما عدا تونس، تلح على ضرورة أن تكون الشريعة مصدرا أساسيا أو مصدرا وحيدا للتشريع، وهي في رأيي عملية مغلوطة لأن التشريعات الحالية على المستوى الإنساني متداخلة، فأجدادنا المسلمون في القرنين السابقين أخذوا الكثير عن قوانين بونابرت (انظر المدونة القانونية القديمة المصرية والتونسية بالخصوص)، والغربيون استوحوا في بعض تشريعاتهم منذ القديم من بعض القوانين الإسلامية.
وبالتالي فالحديث عن قانون للشريعة وقانون وضعي في بلداننا العربية أمر في غير محله، لأنه لو نظرنا مثلا للمدونة القانونية في تونس حاليا نجد أن معظمها مستمد من روح الشريعة وجزء صغير منها وضْعي فرضتْه مقتضيات التطور والتغيير. أما حصر الصراع في من ينادون بالشريعة أو يعارضونها فهذا لا يعدو أن يكون لغايات دعائية انتخابية لا غير. مع الإشارة أن التيارات السلفية عندما تنادي باعتماد الشريعة مصدرا وحيدا للتشريع لم تقدّم تصورا مفصلا لأن المسألة متشعبة من الناحية القانونية والإجرائية.
في تونس أعلنت حركة النهضة أن الفصل الأول من الدستور يكفي لوحده لتطويع القوانين التي لا تراها متلائمة مع الإسلام، ومازالت المعركة قائمة حول مسألة إدراج ثوابت الإسلام أو عدم إدراجها في الدستور، مع ما يتبع ذلك من جدل كبير حول ماهية هذه الثوابت التي يراها كل تيار حسب قناعاته الإيديولوجية. وقد سبق لبعض رموز تيار الإسلام السياسي الممثل في حركة النهضة أن لمّحوا لإمكانية تنقيح مجلة الأحوال الشخصية بعد أن عبّروا عن تمسكهم بها قبل الانتخابات، لكنهم وأمام ضغط المجتمع المدني أرجؤوا النظر في بعض فصول المجلة لفترة لاحقة، ربما تكون بعد الانتخابات. إن تيار الإسلام السياسي لم تكن له نظرة مفصلة لمسالة مدنية الدولة وطبيعة المجتمع مما خلق نوعا من الريبة المجتمعية تجاه هذا التيار وهو تخوُّف لم يكن مطروحا قبل الانتخابات الأخيرة. إن ما يعيبه منتقدو حركة النهضة على الإسلاميين محاولتهم إغراق البلد بأحزاب وجمعيات تعادي صراحة النظام الديمقراطي والجمهوري للدولة وتحمل مشروعا يتعارض جذريا مع الحداثة.
ويعتقد بعض المحللين أن تجربة الإسلام السياسي بتونس في مأزق اليوم ودليلهم في ذلك أن حركة النهضة بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 نجحت في توسيع رقعة المناهضين لها، وأن ما حصل من انفلاتات أمنية واعتداءات للتيارات المتشددة على رموز الفكر والسياسة بهذا البلد، وهي في معظمها اعتداءات مفلتة من العقاب، جعل عددا هاما من الرأي العام يُغيّر رأيه في أهلية تيار الإسلام السياسي لقيادة البلاد في المرحلة القادمة، خاصة وأن هذا الرأي العام بدأ يتوجس خيفة من اعتماد حركة النهضة على ما يسمى ب «رابطات حماية الثورة «المحسوبة عليها والتي يكاد يُجمع حولها المحللون أنها يمكن أن تمثل الذراع الأمنية للحركة. وإذا تأملنا فشل مساعي النهضة مؤخرا في حوارها مع حوالي عشرين تنظيما سياسيا لتشكيل حكومة موسعة أدركنا أن هامش المناورة لدى تيار الإسلام السياسي آخذ في التقلص يوما بعد يوم. إن الدرس الأساسي الذي نستنتجه من تجربة الإسلام السياسي بتونس، هو أن الإسلام يتطابق مع الديمقراطية، لكن الإسلام السياسي لحد الآن، والذي تمثله حركة النهضة، مازال بعيدا عن أن يكون متطابقا ومتلائما مع الديمقراطية. والحديث عن تطابق الإسلام مع الديمقراطية يظهر في إرث حركة الإصلاح في القرن 19 و20 عندما أكد كل من رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وخير الدين التونسي وأحمد ابن أبي الضياف أن الإسلام لا يتعارض مع الحكم المقيد بقانون ولا يتعارض مع الحريات، وأنه يحُثّ على اقتباس العلوم من الغرب لبناء دولة عصرية، وبالتالي فالإسلام عند مُصلحينا مرادف للحرية والبحث العلمي وتفريق السلط ومراقبة الحاكم، أي مع توجهات ما نسميه اليوم بالنظام الديمقراطي، وهي مقولات مُثبتة في كتب هؤلاء المصلحين. في حين أن الإسلاموية أو الإسلام السياسي الذي أتى به حسن البنا وانتشر في العالم العربي، يؤسس لنموذج لا يتصالح مع الديمقراطية إلا شكليا لأنه يقوم على فكر شمولي وتداخل غير مبرر بين الفضاء الديني والفضاء السياسي ويقوم كذلك على علاقة خضوع وانضباط بين الشيخ وأتباعه مما يعوق تكوين معارضة حقيقية ومدارس وأجنحة سياسية وفكرية متعددة الروافد داخل الحزب الواحد.
لقد أضاعت حركة النهضة فرصة تاريخية عندما رفضت في مؤتمرها التاسع الأخير في جويلية 2012 فصل الدعوي عن السياسي وهمّشت جناحها المعتدل. إن عمر الإسلام السياسي بتونس في رأيي لن يكون طويلا لأن الإسلام المحلي المعتدل هو الذي سيفوز في النهاية، ولا أخال تونسيا ينكر دور الإسلام كدين وكحضارة في هذا البلد، ودور رموزه المحليين وخاصة منذ القرن الماضي في الدفاع عن رؤية تنويرية للإسلام لكن الإسلام السياسي لم يستطع لحد الآن أن يكون مجمِّعًا للتونسيين وضامنا للحريات ورائدا في نشر الديمقراطية التعددية، بدليل تواصل هذا الاحتقان. لكن ربما مازال لدى تيار الإسلام السياسي فرصة أخيرة ليقطع مع جذوره الإخوانية ويتتونس بالفعل لا بالقول، ويتخلص من الفكر الشمولي الذي تربّى عليه منذ عقود، ويعلن بصراحة إيمانه بالفصل بين الفضاء الديني والفضاء السياسي والابتعاد عن كل توظيف للدين في السياسة، ويمنع استعمال المساجد في غير وظائفها التعبدية. إن الوقت يمر بسرعة وحصيلة الإسلام السياسي لحد الآن غير مقنعة، فلا بد أن يقوم بإصلاح جذري داخل منظومته مثلما فعل الأتراك وغيرهم.
درستم سابقا الحركات الإسلاميّة ، هل يمكن الحديث عن اطمئنان لهذه الحركات ؟ بمعنى هل هي متطورة نحو الأفق المدني والديمقراطي ؟
الحركات الاسلامية يصعب أن تتطور نحو الأفق المدني الديمقراطي بنفس المقاربات والأدبيات التي تتمسك بها حاليا، فالمشكل الرئيسي هو عندما نتحدث عن حزب ذي مرجعية إسلامية في مجتمع مسلم. (مع العلم أنه لا يوجد وجه شبه بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وأحزاب الديمقراطية المسيحية المتبنية لعلمانية الدولة)أي وكأن الاسلاميين يستحوذون على فكرة مركزية يشترك فيها كل التونسيين، فلو كانت النهضة تعتبر نفسها جمعية دينية غير معنية بالعمل السياسي لكان هذا الطرح مقبولا أي «تنظيم جمعياتي ذو مرجعية إسلامية». أما أن تكون حزبا سياسيا يهتم بالاقتصاد والتعليم والصحة والصناعة والتقنية وغيرها وتدّعي أن مرجعيتها إسلامية، فهذا خروج عن قواعد المنافسة السياسية وابتزاز لعواطف الناس الدينية. المعضلة الكبيرة لحركات الإسلام السياسي بالعالم العربي هي أنها تظن خطأ أن انتخاب الناس لها يمنحها صكا على بياض، وعندما مارست الحكم عن قرب، مثلما تفعله الآن، اكتشفت أنها كانت تُسوّق لأفكار مثالية مجردة لا صلة لها بالواقع. وكانت النتيجة التصادم أحيانا مع باقي الأطياف السياسية.
وإجمالا فإن حركات الإسلام السياسي حاليا مازال يفصلها بون شاسع عن الوصول إلى الأفق الديمقراطي المدني. لذا لا يجب أن لا تُترك لوحدها في الحكم لأن النتائج ستكون كارثية عندما تنفرد بالسلطة. وأعتقد أن الناخب التونسي في الانتخابات القادمة سيحسب ألف حساب للصوت الذي سيمنحه للمترشحين. لكن من الضروري أن تبقى الحساسية الإسلامية في السلطة دون تغوُّل لأن بقاءها يمنع تغوُّل الآخرين ويحول دون عودة الاستبداد والفساد.
البعض يتحدّث عن إمكانية تكرار السيناريو الجزائري الصداميّ مع التيارات الإسلاميّة في تونس، هل من الواقعي والمنطقي والممكن أن تنحدر تجربتنا إلى مثل ذلك المصير ؟
لا أعتقد أن تونس ستمر بتجربة الصدام الدامي مثلما حصل في الجزائر في التسعينات لأن النهضة ليست هي الجبهة الإسلامية للإنقاذ. فهذه الجبهة هي أقرب للسلفية الجهادية منها إلى النهضة. وبالتالي فان سيناريو الصدام مستبعد خاصة وقد اتضح للتونسيين أن السلفيين الجهاديين لا يٌشكلون رقما أساسيا على الساحة الإسلامية التونسية، وأن هنالك عديد القوى نفخت فيهم لغايات محددة. وأعتقد أن السلفيين في تونس لا يرفضون تعديل مقولاتهم لو فُتح حوار جدي وحقيقي معهم، فما يحصل الآن هو توظيف للورقة السلفية من بعض الأطراف الحاكمة وغير الحاكمة، وليس هناك مسعى جدي لحد الآن لفتح حوار معمق مع هذه الشريحة.
هل هناك تمايز فعلي بين حركات الإسلام السياسي والفكر السلفي؟
هنالك بالفعل تمايز فعلي بين حركات الإسلام السياسي والفكر السلفي. لكن هنالك أوجه التقاء وأوجه اختلاف بين التيارين وتنحصر في المسائل التالية :
إسلاميو النهضة يريدون دولة إسلامية في المدى المتوسط السلفيون يريدون دولة إسلامية في الإبان. النهضويون يؤمنون بتطبيق الشريعة وهي مؤجلة في نظرهم إلى أن تستتب لهم الأوضاع ويحصلون على الأغلبية. السلفيون يعتبرون تطبيق الشريعة أمرا لا يمكن إرجاؤه. تيار الإسلام السياسي يؤمن بالديمقراطية كمنهج للحكم ولكن على طريقته. السلفيون في الغالب يعتبرون الديمقراطية مناهضة للإسلام لأنها تقول بحاكمية الشعب لا حاكمية الله. تيار الإسلام السياسي يُقسّم المجتمع إلى إسلامي وعلماني. السلفيون يٌقسّمون المجتمع إلى مسلمين وكفار. النهضويون لا يؤمنون بفريضة الجهاد. السلفيون وخاصة الجهاديون يعتبرون الجهاد هو الفريضة الغائبة.
هل من الممكن استنساخ التجربة التركية في البلدان العربيّة؟
استنساخ التجربة التركية في البلاد العربية صعب لأسباب هيكلية تخص ثقافة وإيديولوجية تنظيمات الإسلام السياسي، فالفكر الإخواني يعادي العلمانية التي تُعتبر حجر الزاوية في النظام السياسي التركي الحالي. كما أن رؤية الإخوان للعلمانية ما تزال عدائية رغم تطمينات الغنوشي في محاضرته يوم 01 مارس 2012 بمركز الإسلام والديمقراطية من أن العلمانية وخاصة الأنقلوسكسونية ليست معادية للدين بل هي تحييد للدين عن الشأن السياسي، لكن الذي حصل هو أن معظم قواعد النهضة لم تتبنى هذا الطرح. وحتى عندما زار أردوغان تونس مؤخرا في أكتوبر 2012 للمشاركة في ندوة علمية أعاد على مسامع رجال النهضة بأن أفضل نموذج لبلدان الربيع العربي هو أن يكون النظام جمهوريا علمانيا، بل وتحامل أردوغان على المرجعية الإخوانية، لكن قيادات بارزة في حركة النهضة ردت عليه وأكدت أنها لا تقبل هذا الطرح، وتعتقد أن النموذج التركي غير قابل للاستنساخ.
صعود التيارات السلفية كان لافتا في بلادنا . ما أسباب ذلك وهل هناك فعلا خطر سلفي على المجتمع التونسي ؟
التيار السلفي الموجود حاليا بتونس والعالم العربي يمكن نعت أتباعه بالسلفيين الجدد. وأنصار هذا التيار لهم تكوين محدود في المسائل الشرعية وهو ما يمكن أن نعبر عنه بثقافة «إسلام لايت»، هؤلاء السلفيون الجدد هم غير أجدادنا السلفيين القدامى الذين قاوموا الاستعمار وقاوموا الأفكار المتطرفة. فلا ننسى أن علماء تونس الذين رفضوا الفكر الوهابي في 1803 ومنهم الشيخ التميمي والشيخ المحجوب حسبما ذكره المؤرخ ابن أبي الضياف عللوا في ردودهم المسوغات والأسباب التي أسسوا عليها رفضهم لرسالة محمد ابن عبد الوهاب، فقد كان هؤلاء العلماء متأثرين بإسلام محلي يجمع بين التصوف ومقولات السلف الصالح والتراث الفقهي للمدرسة الدينية القيروانية، هذه المدرسة التي اشتهرت برؤية تنويرية للإسلام بدأ بإبطال عادة تعدد الزوجات فيما أصبح يُعرف في كتب الفقه ب «الزواج القيرواني»، وانتهى بنشر فقه المقاصد الذي يتجنب القراءة الحرفية للنص الديني.
التيار السلفي وُجد قبل الثورة لكنه لم يكن فاعلا رغم اعتقال ومحاكمة العديد من رموزه. كما أن هذا التيار لم يلعب دورا في الثورة، وبالتالي فإن ظهوره المفاجئ بهذا الشكل المتضخم يعود إلى عدة أسباب :
أولا : إلى الهشاشة الأمنية وضعف وجود الدولة خاصة في الأحياء الشعبية التي جعلت بعض الأطياف السلفية، خاصة الجهادية تُعوّض الدولة وتُقيم «سلطتها» المحدودة على مناطق تعتبرها شبه محررة، وقد تحدث رئيس الحكومة والأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي في حواره الأخير على قناة «العربية» في نوفمبر 2012 عن مساعي بعض السلفيين الجهاديين لإقامة إمارة إسلامية في بعض الأحياء الشعبية على غرار دُوار هيشر وغيرها. وقبله بأشهر اتّهم علي العريض وزير الداخلية النهضاوي بعض السلفيين بالإعداد لإمارة إسلامية عقب أحداث بئر علي بن خليفة في فيفري 2012.
ثانيا : إلى تواصل التهميش الاقتصادي والاجتماعي للطبقة الوسطى وخاصة الشعبية الفقيرة بعد الثورة في العاصمة وفي الدواخل مما سمح بانتشار التيارات التكفيرية الداعية إلى إسلام جهادي ثائر يقاتل، ما يسميه أنصاره، الكفار ويسعى إلى إعادة توزيع الثروة، وأصبحت هذه المقولات تجد رواجا لدى الفئات المهمشة في ظل عدم قيام الدولة الجديدة بواجبها في الإسراع بالنهوض الاقتصادي بالمناطق الداخلية الفقيرة (وزير الاستثمار صرح منذ أيام أن المشاريع المبرمجة بالجهات وخاصة الفقيرة والتي تم إنجازها بشكل كامل لم تتعد نسبتها 19 % من مجموع المشاريع المبرمجة منذ سنة).
ثالثا : تقاسُمُ الفضاء المسجدي بعد الثورة بين كل من النهضة والقريبين منها وكذلك السلفية العلمانية والسلفية الجهادية. وقد استغل الجهاديون بالخصوص هذه الفضاءات والتي توجد غالبا في الأحياء الشعبية لتجنيد أنصارها وتعبئتهم عند الحاجة. وعندما حصلت حادثة الاعتداء على السفارة الأمريكية وجدت حركة النهضة نفسها أمام امتحان عسير، هل ستقطع الجسور مع هذا التيار، أم تُواصل مهمة ما تدعي أنه ترويض له ؟ وكان الغنوشي حاسما في مسألة الإبقاء على الترويض واضطرت الحكومة تحت الضغط الدولي إلى عقد محاكمات لبعض رموز التيار الجهادي، وهو ما زاد في منسوب الاحتقان بين الحكومة والسلفيين عندما اندلعت أحداث دوار هيشر التي مات فيها سلفيون وتضرر فيها رجال أمن وانتهت بوفاة أحد السلفيين المضربين عن الطعام في السجن يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 . والمعلوم أن أحد السلفيين أطلّ بكفنه على المباشر في أحد البرامج التلفزية منذ أيام ليُبلّغ رسالة تهديد بإمكانية المرور إلى مرحلة التصادم. وقد سارعت حركة النهضة بإرسال الوسطاء واحتواء خلافها مع السلفية الجهادية ونجحت في ذلك ورضي السلفيون بالتهدئة.
رابعا : إن غياب رموز الإسلام المحلي سمح بتواجد جمعيات سلفية تلعب دور شرطة الأخلاق على غرار جمعيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن بينها ما يسمى ب «جمعية الاسلام الوسطي»، وكل التونسيين يتذكرون مواقفها وتدخلاتها العنيفة سواء في رمضان أو في حادثة قصر العبدلية عندما تم الاعتداء على رواق للوحات الفنية بتعلة أن بعض اللوحات المعروضة تمس من المقدسات.
كمتخصص في الحركات الإسلاميّة والسلفيّة، ما هي أنجع السبل لمكافحة العنف باسم الدين ؟
أنجع السبل لمكافحة العنف باسم الدين هو نشر العلم والثقافة التنويرية والنهوض بالتنمية في المناطق الفقيرة. فالجهاديون في معظمهم ينحدرون من أوساط فقيرة محدودة التعليم، وعندما يتم احتواء مشاكلهم الاجتماعية وتتم محاورتهم بشكل مرن، فإن جرعة العنف عندهم تتقلص إلى حد كبير. بقي أن نقول أن الحوار يكون ملازما لتطبيق القانون فلا يمكن التسامح مع من يعتدي على أمن التونسيين وعلى الأملاك العمومية والخاصة لأن أمن المواطن ليس رهينة بيد أي تيار. كما أن حدة العنف السلفي ستتوقف أيضا عندما لا يتم توظيف السلفيين من أي تيار كان. ولا أعتقد أن الجهاديين الذين يعدون بالمئات سيشكلون خطرا مباشرا على جهاز الدولة وأمن المواطنين، فهم ضحية التهميش ولا بد أن تتم الإحاطة بهم وإبعادهم عن القوى التي تريد استعمالهم لأجنداتها الخاصة، إن الخطر في رأيي لا يأتي من السلفيين حاليا بقدر ما يأتي مما يسمى «رابطات حماية الثورة» التي تشكل أكبر تهديد لسلامة العملية الديمقراطية والعملية الانتخابية في المستقبل.
أعني إلى أيّ درجة وإلى أيّ مدى زمني يمكن أن يتواصل هذا المد السلفي خاصة منه العنيف ؟
المد السلفي سيتواصل طالما بقي هناك تهميش اجتماعي وتعليم غير عصري، ومظالم دولية كالتي تسلط على الشعب الفلسطيني. وأعتقد أن تصريح الغنوشي الأخير لجريدة لوموند الفرنسية من أن السلفيين سيصلون إلى الحكم خلال 15 عاما إذا تم التضييق عليهم، ربما فيها نوع من المبالغة، لأن السلفيين: أولا ليسوا كتلة واحدة، وثانيا عددُهُم ليس كبيرا، وثالثا إدماجُهم في الدورة الاقتصادية وتأهيلهم فكريا كفيل بأن يجعل منهم مواطنين غير عنيفين، لكن هذا لا يتنافى مع قيام الدولة بتطبيق القانون على المتجاوزين للقانون سواء كانوا من السلفيين أو من تيارات أخرى. مع التأكيد أنه لا أحد ينادي باستعمال المقاربة الأمنية مع السلفيين بل هناك دعوة لتأهيلهم دينيا واجتماعيا وإشعارهم بأن الالتزام بقوانين البلاد هو الضامن لاستتباب الأمن وكل خروج عن القانون يستوجب المحاسبة. أعتقد أن الحكومة القادمة لما بعد الانتخابات سيكون عليها حمل كبير، فبقدر ما تكون حكومة وحدة وطنية حقيقية تضم إسلاميين معتدلين وقوى وسطية مثل «نداء تونس» و»الجمهوري» و»المسار» وقوى أخرى ليبرالية ويسارية وقومية، ولا نستبعد أن يكون أحد أعضاء هذه الحكومة من حزب سلفي يؤمن بالديمقراطية ومدنية الدولة، بقدر ما تكون أقرب إلى النجاح في احتواء كل مظاهر التطرف سواء كانت دينية أو علمانية.
أهم خطر على مكاسب المجتمع التونسي هو أن يقع الترويج لنمط مجتمعي محافظ ومتخلف. والخطر الثاني أن يقع تصنيف التونسيين إلى إسلاميين وعلمانيين. والخطر الثالث والأخير أن يبقى التداخل بين الفضاء الديني والفضاء السياسي. وأعتقد أن حركة النهضة ستستخلص الدروس جيدا من التعثرات الكبيرة التي تشهدها حاليا وتعجل بإبراز الوجه المدني الديمقراطي لتوجهاتها والذي كان طاغيا قبل الانتخابات وأصبح باهتا بعدها، أي أنها ستضطر إلى أن تتعلمن دون أن تعلن ذلك. كما أنه على باقي القوى الديمقراطية الأخرى تحديث أطروحاتها بما يتلاءم مع القيم الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان و مع الهوية الحضارية لشعبنا العربي المسلم.
هل تعتقدون أن ما يحصل من اضطرابات في الأردن هو مقدمة لربيع عربي جديد يشمل الممالك بعد الجمهوريات، وكيف تفسّرون موقف الولاياتالمتحدة المؤيد ضمنيا لمطالب المحتجين؟
أولا: الاضطرابات في الأردن ليست جديدة، كما أن تيار الإسلام السياسي فيها قديم ومهيكل وهو يشكل اليوم أحد أطراف المعارضة الاحتجاجية. ثانيا: المظاهرات وراءها مطالب اجتماعية بالأساس تتعلق بغلاء الأسعار لكنها تستبطن مطالب الإصلاح السياسي. ثالثا: الغرب وأمريكا بالخصوص – بموقفها المتضامن ضمنيا مع المحتجين – لم تأت بموقف جديد، فقد فعلت نفس الشيء مع تونس ومصر وليبيا واليمن، لكن هذه المرة تريد إعطاء إشارات واضحة للقصر بأن وتيرة الإصلاح لم تكن بالقدر الكافي. ولا يخفى أن الشرق الأوسط الجديد الذي أصبح الإسلاميون جزءا منه لا يمكن أن يستثني بلدا كالأردن لأنه في قلب معادلة الصراع العربي الإسرائيلي. والملك عبد الله ليس مهددا لحد الآن في عرشه رغم بعض الشعارات القليلة التي نادت برحيله في مظاهرة يوم الجمعة 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، لكن يمكن أن يصبح مهددا إذا تصاعد الاحتقان ولم تُلب مطالب المتظاهرين، وقد حاولت القيادة الأردنية عبر محاكمة بعض رموز الفساد مؤخرا الإفصاح عن رغبتها في الإصلاح لكن هذه المحاولة لم تقنع كل المتظاهرين. ويعتقد بعض المحللين أن الأردن ربما ينتظر مساعدة مالية خليجية تمتص أسباب هذه الاحتجاجات وتمنع تحوّلها إلى مطالب سياسية ربما تنتقل عدواها إلى البلدان المجاورة. لكن لا أعتقد أن ما يحصل في الأردن سيفتح باب الثورات الخليجية بل المُرجّح أن بلدان الخليج ستكون على موعد مع إصلاحات هامة في المدى المتوسط. كما أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يشكو منها الأردن لا توجد في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي فإن أمام البلدان الخليجية فسحة من الوقت للقيام بإصلاحات عميقة تعزز جبهتها الداخلية وتجعل منها كتلة إقليمية هامة على الصعيد السياسي والاقتصادي.
كيف تقرؤون الأحداث الأخيرة في غزة، وهل ستجد حماس في الأحزاب الإسلامية الحاكمة في بلدان الربيع العربي سندا فعليا أم سندا معنويا ؟
ما يحصل في غزة جريمة أخرى ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين لكن قراءة هذا الحدث تحمل عدة دلالات:
أولا: نتنياهو يريد الدخول إلى الانتخابات القادمة بانتصار وعد به الناخبين يتمثل في القضاء على المقاومة في غزة. وهو يظن خطأ أن الحرب في سوريا وانغماس إيران في مفاوضات الأسلحة النووية والخلافات الحادة التي تطورت مؤخرا بين حزب الله وأنصار الحريري سيسمح له بتحقيق انتصارات نوعية على حماس والفصائل الجهادية. ثانيا: إن الاصطفاف الأمريكي الأوروبي إلى جانب إسرائيل رغم عدوانها على غزة يبعث برسالة إلى تيار الإسلام السياسي الحاكم في بلدان الربيع العربي وخاصة مصر بأن موقف الغرب، المساند لثورات الربيع العربي، لا يقبل بتغيير جوهري في ملف القضية الفلسطينية من دون جلوس كل الأطراف إلى مائدة التفاوض. ويريد أن يُبلّغ هذه الأحزاب الإسلامية الحاكمة أن دورها بعد أن وصلت إلى الحكم هو أن تساعد في تهيئة الأجواء لإجراء مفاوضات جديدة بشروط جديدة، وربما يعود الحديث مرة أخرى عن تقديم التنازلات المؤلمة من الطرفين.
ثالثا: يمكن القول أننا على مشارف أوسلو جديدة تؤسس لأسلوب جديد في التعاطي مع الصراع العربي الإسرائيلي، إذ لا يُستبعد أن يتم جر حركتي حماس والجهاد إلى التفاوض بدفع من بعض البلدان العربية ومن أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة في بلدان الربيع العربي. وربما يقع تقديم بعض التنازلات المحدودة لإعطاء مصداقية لهذه المفاوضات.
من هو أعلية علاني ؟ من مواليد 1956 بالقيروان مؤرخ وباحث في التاريخ السياسي المغاربي والحركات الإسلامية بالمغرب العربي يدرّس حاليا التاريخ المعاصر والعلاقات الدولية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة بتونس أطروحته حول الحركة الإسلامية بتونس وقد نشرت في 2009 له عديد البحوث والدراسات حول التيارات الاحتجاجية بالمغرب العربي سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية. له عدة بحوث حول السلفية في تونس والمغرب العربي. حاليا بصدد إنهاء كتاب حول تيار الإسلام السياسي بالمغرب العربي يشمل البلدان المغاربية الخمسة. أعلية العلاني المؤرخ والباحث في التاريخ السياسي المغاربي والحركات الإسلامية بالمغرب العربي، له العديد من البحوث والدراسات حول التيارات الاحتجاجية بالمغرب العربي سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية وحول السلفية في تونس والمغرب العربي.