الاستاذ ثابت قوادر ...لا نجازف ان قلنا انه فعلا احدى هامات قطاع المحاماة بتونس عامة وبجهة قفصة خاصة .انه الرجل الذي قضى اكثر من 35 سنة مناضلا ببدلته السوداء وعرفت قاعات المحاكم صولاته مما شد إليه الانتباه في سنوات خلت. لكن المؤسف ان الاستاذ الذي كان له ايضا باع في النضالات الاجتماعية والسياسية بالجهة ودافع عن مساجين الرأي بمختلف مشاربهم يجد نفسه اليوم وقد تجاوز السبعين مغمورا معزولا متألما من وطأة نكران الجميل في مجتمع يرى استاذنا ان ذاكرة قطاع كبير منه ضعيفة جدا .
«الشروق» زارت الاستاذ قوادر في مقر سكناه بضاحية سيدي احمد زروق بمدينة قفصة وقد بدت عليه علامات الانهاك والمرض لكن فصاحته لم تنل منها السنون وذاكرته مازالت وقادة مختزنة جانبا هاما من تاريخ البلاد وحراكها الاجتماعي والسياسي عبر عقود من الزمن . الاستاذ حدثنا عن الماضي البعيد وعن تأثره منذ طفولته بحركة التحرير الوطني ومعايشته لنضالات المقاومين الذين كانوا ملاحقين من قبل القوات الاستعمارية مشيرا إلى انه يذكر كل تلك بالتفاصيل وهوطفل. الاستاذ استرجع في الاثناء ذكرى زيارة الزعيم الحبيب بورقيبة إلى قفصة في جانفي 1956 وتحديدا الى منطقة برج العكارمة التي ألقى في اهاليها خطابا ويذكر الاستاذ انه كان قد ساهم في جانب من ترتيبات هذه الزيارة مع صديقه الاستاذ الفائز قوادر في إعداد لافتة ترحيبية .محدثنا اكد انه كان دوما منتصرا لكلمة الحق ومرهف الحساسية ازاء المظلومين ولم يخف انه كان محبا للزعامة والبروز وقد عبدت له مهنة المحاماة الطريق في هذا الاتجاه منذ بداية السبعينات خاصة من خلال انحيازه لضحايا المحاكمات السياسية وفي مقدمتهم مناضلوالتجمع القومي العربي والطلبة الماركسيين اللينينيين الذين كانوا في اغلبهم من جهة صفاقس ويذكر الاستاذ في هذا الاطار ان احد زملائهم (من الجامعيين الحقوقيين الان) قد وشى بهم.
الاستاذ قوادر حدثنا عن نيابته للمحكومين في قضايا اتحاد الشغل سنة 1978 من نقابيي قفصة والقصرين وتوزر وقابس وصفاقس مؤكدا ان مرافعاته التي كانت تتواصل احيانا من التاسعة صباحا إلى ما بعد منتصف الليل كانت مجانية وكان بسببها يبيت في غالب الاحيان بمكتبه بشارع الكيلاني المطوي ويقول الاستاذ ثابت انه دافع عن المرغني ومجموعة احداث قفصة سنة 1980 بمعية الاستاذ بشير الصيد مؤكدا على الدافع القومي الذي كان يجمعه بهؤلاء اذ عبر الاستاذ عن اعتزازه بقوميته وعروبته. اما عن الاسلاميين فقد اشار الاستاذ ثابت انه دافع عنهم في محاكمات عديدة ومتواترة منذ سنة 1981 إلى غاية 1987 التي عرفت جهة قفصة خلالها محاكمات بالجملة لنشطاء الاتجاه الاسلامي وفي سؤاله عن خلفية تصديه للدفاع عن محكومي القضايا السياسية اشار الاستاذ قوادر ان منطلق ذلك إيمانه بأن الدفاع عن كل مظلوم واجب ناهيك عن التقائه واياهم في نفس الخلفية السياسية التي لخصها الاستاذ في قوله « اننا جميعا ضد الحاكم».
بكل فخر يقول الاستاذ قوادر انه اول من اطلق شرارة احداث الخبز في 1جانفي 1984وتحديدا على الساعة الرابعة والنصف بعد الزوال عندما خرج في مسيرة رفقة كاتبه واثنين من حرفائه يؤكد الاستاذ انها استقطبت الالاف من المواطنين فيما بعد مضيفا انه كتب بنفسه لافتات المسيرة ومنها خاصة «الخبز غالي يا زوالي» و«الخبزة ب170 ابكي يا مسكين» الاستاذ قوادر الذي كان انذاك رئيس فرع رابطة حقوق الإنسان بقفصة اكد لنا ان رموزا في الهيئة الوطنية للرابطة وقتها لاموه لوما شديدا على قيادته المسيرة التي تسببت في تحركات ضخمة على المستوى الوطني وذلك على اعتبار ان الرابطة حسب رأيهم «منظمة نخبوية لا تخرج إلى الشارع»! الاستاذ حدثنا عن ايقافه عديد المرات خلال هذه الاحداث بالداخلية التي كانت ستنتهي حسب تقديره إلى اعدامه لولم يتراجع بورقيبة عن الترفيع في ثمن الخبزة.
صورة قاتمة بسبب كثرة التجاذبات
أما عن وجهة نظره حاليا في الاوضاع التي تعيشها البلاد فقد اشار الى ان الصورة قاتمة في غياب البرامج الواضحة وكثرة التجاذبات واللهث وراء الحكم فيما تحدث عن السياسيين منتقدا تشتت القوميين رغم مالهم من تجارب كبيرة في الحياة السياسية رابطا ذلك بفقدانهم للرموز المؤسسة وعن الباجي قايد السبسي قال الاستاذ انه شخصية وطنية لها تاريخ بإمكانها ان تكون على راس حزب لكنها لا تستطيع الآن تولي مقاليد الحكم ومع ذلك يرى ان تونس ليست في غنى عنه اما عن النهضة فقد اشار إلى ان الظروف الاستثنائية التي نعيشها تمنعنا من الحكم العادل لها اوعليها مستدركا بالقول ان المرحلة التاريخية الان على المستوى العالمي والاقليمي هي مرحلة الاسلاميين بدون منازع ولئن اعتبر محدثنا ان دور اليسار اليوم محدود فإنه لم ينف تأثيره في الساحة السياسية .
عن جهة قفصة تحدث الاستاذ قوادر بأسف كبير عما الت اليه الاوضاع فيها معتبرا ان هذه الجهة منبع للثروات والثورات لكنها بقيت دوما مهمشة منسية رغم انها ذات ريادة في الفكر وصاحبة مبادرة في الحراك الاجتماعي والنقابي والسياسي معبرا عن امله في ان ينهض اهلها عموما وشبابها خصوصا ويفتكوا حقوقهم في التنمية العادلة من اجل مستقبل افضل لأبنائهم.