عادت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات اول أمس السبت 7 جانفي لاستضافة عميد المحامين السابق البشير الصيد في حلقة ثانية من شهادته على منبر الذاكرة الوطنية التي تنظمها المؤسسة أسبوعيا. انطلقت الندوة بتقديم رئيس المؤسسة الدكتور عبد الجليل التميمي الذي أوضح أن اختيار مواصلة الحديث مع الأستاذ البشير الصيد يأتي لاهمية شهادته في عدد من القضايا السياسية والجمعياتية والتي لم يتسع الوقت في الحلقة الاولى إلى التطرق اليها. فالبشير الصيد هو رئيس ومؤسس عديد اللجان التي دافعت عن الحقوقيين وهو كذلك مؤسس وعضو بمنظمة العدالة الدولية ومؤسس وعضو بمنظمة حقوق الإنسان العربية إلى جانب كونه مؤسس المنظمة العربية المناهضة للتطبيع مع اسرائيل. وقبل منح الكلمة للبشير الصيد نوه رئيس المؤسسة بدور الاعلام الذي يواكب نشاط المؤسسة ويساهم في الشهادات والتعريف بالمغيبين في تاريخ تونس من الحقوقيين والمناضلين على مختلف تياراتهم. انطلقت في نضالي في صفوف اليوسفيين معارضا لبورقيبة اكد البشير الصيد في مستهل شهادته على اهمية ما تقوم به المؤسسة التي توثق من خلال هذه الشهادات لحقبة هامة من تاريخ تونس واكد أن قبوله العودة في مناسبة ثانية لتقديم شهادته, يعود أساسا إلى ايمانه بضرورة تسجيل شهادته وتوثيقها في ظرف اشتد فيه التنكر لمؤسسي عدد من الحركات السياسية بعد الثورة وما تشهده الساحة من تنام غير مسبوق لعدد من الاحزاب التي تنكر بعضها للحزب "الأم". وذكر الصيد ببداياته السياسية فقد كان والده احد قادة المقاومة المسلحة, وذكر انه لا يزال يحتفظ بأثر الطلق الناري الذي وجهه نحوه أحد المخازنية اثناء مطاردتهم لوالده. ولعل انخراط والده في المقاومة المسلحة وتعدد المحاكمات الجائرة التي نظمت ضد اليوسفيين هي التي جعلته يختار الانضمام مبكرا إلى الحركة اليوسفية في معارضتها للتوجه البورقيبي . أسست "التجمع القومي العربي " و"بن علي" سرق منا تسمية "التجمع" يذكر البشير الصيد أن مطاردة صالح بن يوسف واهمية اذاعة صوت العرب في التعريف بالحركات التحريرية في شمال افريقيا جعلته يتبنى التوجه القومي (الناصري في ما بعد) . وذكر انه تتلمذ على كبار مناضلي الحركة اليوسفية من امثال عبد العزيز الشابي أول عميد للمحامين في عهد بورقيبة والطاهر لسود ... كما ذكر كذلك بقربه من الطاهر لسود حيث أكد قائلا " سلمني شهادة قبيل وفاته تؤكد اني ممثل الحركة الناصرية في تونس" ويذكر في المقابل أن شهادة شرعية ريادته للتيار القومي في تونس افتكتها منه وزارة الداخلية واستغل المناسبة ليوجه طلبا إلى وزير الداخلية باعادة ما افتكته منه مصالح الداخلية من وثائق مهمة. وأكد البشير الصيد بذلك انه القائد الشرعي للتيار القومي وانه تزعم عددا من اليوسفيين لتاسيس حزب التجمع القومي العربي. وقال انه يصرح في هذه الشهادة وللمرة الأولى أن "قسما هاما من اليوسفيين كانوا معنا في 11 ماي 1982 في تكوين الحزب الذي كان ثاني حزب قومي عربي بعد اليمن احتوى جناحا سريا وجناحا علنيا لم يعترف به بورقيبة بل امر بتتبعنا والحد من نشاطنا وتواصل القمع ضدي ومع ذلك اصدرنا عددا من البيانات طالبنا فيها بالحريات السياسية". واشار في هذا الإطار وبكل اسف الى عدم اعتراف عدد من القوميين بهذه المرحلة التأسيسية وتاسف خاصة لتنكر عبد الرحمان التليلي لهذه المرحلة وهو الذي أسس سنة 1988 حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي على انقاض حزب التجمع القومي العربي . كنت منظر وقائد أحداث الخبز في جانفي 1984 وعن نشاطات الحزب قال البشير الصيد انه قام بدور اساسي في انطلاق شرارة أحداث الخبز في جانفي 1984 وانه انتقل إلى مدينة قفصة ونسق مع صالح قوادر لخروج أول مسيرة احتجاجية على غلاء اسعار الخبز وامر بأن ترفع فيها خبزة شعارا للمظاهرة التي عجلت بانتشار الاحداث في بقية مدن الجنوب. وعاد ليؤكد أن هذه التفاصيل يرويها للمرة الاولى. وعن تبعات هذه التحركات ذكر البشير الصيد انه حوكم بسنتين سجنا قضاهما ببرج الرومي لمجرد انه وصف احداث الخبز بكونها انتفاضة. وبعد انقلاب 7 نوفمبر منحت التأشيرة لحزب التجمع الوحدوي الديمقراطي برئاسة عبد الرحمان التليلي ويذكر البشير الصيد انه تأسف لقبول عدد من رفاقه المؤسسين الانضمام إلى حزب عبد الرحمان التليلي وأكد انه رفض رئاسة عبد الرحمان التليلي للتيار القومي وانه تمسك بمنهجه النضالي وواصل تحمل القمع بل تعرض لعملية اغتيال و"هددت بالقتل أن لم انخرط مع التليلي واكف عن العمل المستقل". قضاة محاكمات عهد "بن علي" توسلوا لي من اجل تسهيل مهامهم اكد البشير الصيد في معرض شهادته انه لا مجال للمقارنة بين المحاكمات التي جرت في عهد بورقيبة ومحاكمات عهد بن علي التي تعرض فيها إلى الضرب والاستنطاقات التاديبية داخل السجن لمجرد عدم تحيته للسجان واكد انه عوقب بالاقامة في "السيلون" على فراش قذر وكان يمنح نصف خبزة لمدة 24 ساعة و"كنت مسلسلا واقضي حاجتي البشرية في مكاني واحمد الله اني لم اصب بسقوط بدني". واكد في هذا الإطار أنه لم يقبل فكرة التغيير الايجابي الذي جاء به بن علي وانه تجرأ على وصف التغيير بأنه مجرد "تغيير سكت فيه الصياح ونطق البكوش ". ويذكر أيضا انه تأكد من اختلاف جوهري في الممارسة القضائية بين فترتي بن علي وبورقيبة واعطى مثالا على تدني السلطة القضائية أن قضاة محاكماته المتكررة في عهد بن علي, كانوا يطلبون منه وفي كل مرة بصفة سرية أن ييسر عليهم عملهم ويخرجهم من ورطة محاكمته. وفي نفس هذا الإطار اعطى البشير الصيد مثال منصور تقا, "كوميسار" الاستعلامات في عهد بن علي، والذي اعترف مؤخرا انه كان مكلفا في عهد بن علي بتلفيق التهم. توحد القوميين في تونس حلم مستحيل اضطرني إلى الاستقالة في ختام شهادته أكد البشير الصيد انه تمسك بمواصلة النضال بعد الثورة وعاد الى تأسيس الحركة الوحدوية التقدمية في اطار طفرة الأحزاب. ولكنه ابدى اسفه لتشتت القوميين الذين توجهوا إلى تكوين عدد من الأحزاب عوض اتحادهم, وذلك في اشارة منه إلى تكون حزب الشعب. وذكر بجهوده في توحيد التيار تحت مظلة " حركة الشعب الوحدوية التقدمية ", وعبر في الان نفسه عن استيائه من رغبة العناصر الجديدة في السيطرة على الحركة وأن ذلك اضطره إلى الاستقالة ولكنه مع ذلك متمسك بعدم اضاعة الجهود السابقة وان تزعمه رابطة الوحديون الاحرار يتنزل في اطار ايمانه بريادته للحركة القومية في تونس وايمانه بضرورة مواصلة جهود الدعوة للوحدة العربية. ومع ذلك لم يخف البشير الصيد فشله في خدمة التوجهات القومية والتي اوعزها إلى كثرة المتطفلين على النضال القومي. وتداول عدد من الحضور في نهاية الشهادة على طرح بعض الاستفسارات لعل اهمها موقفه من انتخاب شوقي الطبيب عميدا جديدا لهيئة المحامين وجاء جوابه مؤكدا على أن الانتخاب شرعي وان تعلة الاقدمية ليست مشروطة في انتخاب عميد لسد شغور حاصل في العمادة. بل أكد على جدارة شوقي الطبيب بتولي العمادة ودعا إلى توحيد كلمة بقية المحامين لدعم شوقي الطبيب وانجاح مهامه على راس العمادة في هذه الظرفية الحساسة.