الشعب وحده من قام بالثورة، هو دون غيره، هو من قدّم التضحيات وقدّم القرابين وبذل من دمه ليروي بها هذه الارض الطيبة حتى تنمو سنابل الحرية وتتحطّم أغلال القهر والقمع والتعسّف، شعب الأعماق، شعب المغاور والكهوف والبيوت القصديرية، الشعب الذي كان ولا زال يئن تحت وطأة الحرمان والبؤس والتهميش، هو دون غيره من انتفض على الطغيان وصاح صيحته الشهيرة والمدوية «الشعب يريد إسقاط النظام» وكان له ما أراد، وأسقطه بالضربة القاضية وكان الثمن الذي قدّمه باهضا لكنه يهون في سبيل التحرر والانعتاق، فهل كان المقابل في مستوى ما بذله وقدّمه من تضحيات؟ هل كان الحصاد في مستوى البذر؟ ما يقع الآن ينبئ بأنه لم يكن كذلك، بل أثبتتْ الأحداث ان المستفيد من الثورة هو من لم يقم بها ولم يشارك فيها بأي شكل من الأشكال، وظل الشعب يئن تحت وطأة الخصاصة والبطالة وإذا الجماعة إياهم بجميع أطيافهم ومللهم ونحلهم يتصارعون، من يفوز بغنيمة السلطة وإذا بجماعة حزب الأغلبية الذين كانوا في السابق يعانون ويشتكون من الإقصاء، ما إن انقضّوا على السلطة حتى انخرطوا في ممارسة سياسة الاقصاء على غيرهم ممن كانوا في سلطة ما قبل الثورة من خلال تقديم مشروع قانون تحصين الثورة، وصنّفوهم على هواهم ولولا شيء من «تخديم المخ» لأقصوا كل من له بطاقة انخراط في التجمع المتحلل غير المأسوف على زواله والذين يعدّون بالملايين لحاجتهم اليهم في الاستحقاقات المقبلة. وإذا بأعضاء المجلس التأسيسي يمارسون لعبة صراع الديكة فيما بينهم، عراك وصياح وهرج ومرج وجعجعة بدون طحين، ومناقشات حول الزيادة في أجورهم او منحهم وإذا بالمعارضة تعارض من أجل المعارضة بدون تقديم بدائل بل كل ما تعرضه شعارات فضفاضة تُلهب بواسطتها حماس الشعب الفاقد لكل حماس، وتمارس الدعارة السياسية، فكم قرعتْ أذان الشعب بتهاون الأمن في كبح جماح السلفيين وعدم التصدي لهم «بكل حزم، بكل حزم» ولما توفي سلفييْن جرّاء قيامهما باضراب جوع أقامت هذه المعارضة الدنيا ولم تقعدها «أسفا وحسرة» مكيلين للسلطة شتى أنواع التهم من تقصير وتهاون وإهمال، ألا يدخل ذلك في إطار البغاء السياسي؟ وفي خضم كل هذه الصراعات والهرطقات السياسية والتجاذبات والمزايدات تتواصل المأساة والمعاناة، ويزداد وضع الشعب سوءا بعدما وهبوه وعودا وسحابا خلّبا ووهما وريحا صرْصر، وإذا بالحصاد يد فارغة والأخرى لا شيء فيها.
الثورة يا... أنتم كلكم، حصان جامح لن يهنأ راكبوه من الآتين جحافل من الخارج وزرافات ووحدانا من الداخل، وسوف ينتهي بهم الأمر الى السقوط مهما حاولوا كبح جماحه وترويضه، فاركبوا لن تركبوا الا بسلطان، سلطان الشعب «واللعب بكلّو لعبْ، إلا اللعبْ بالشعبْ مُش لعبْ».