«استُنْزِفَ الخليج وأصبح دمارا وضاعت الثروة السمكية»، هكذا صاح بحارة قابس المختصون في الصيد الساحلي هذه الأيام وهو ما دفعهم إلى الاعتصام على مراكبهم وغلق مدخل ميناء قابس لعلهم ينجحون في تبليغ أصواتهم إلى من يهمه الأمر . وسط ضوضاء صاحبت الأجواء يوم الاعتصام على متن المراكب في مدخل الميناء تحدثنا إلى الحضور حول ما دفع البحارة إلى القيام بهذا التحرك فتعالت الأصوات تحتج وتعبر عن مواقفها، رضا أحد بحارة شط السلام قال لنا لقد مللنا الوعود الواهية والكاذبة نحن نعاني منذ مدة طويلة من التجاوزات التي تصدر عن مراكب «الكركارة» إنهم يتجاوزون القانون بالصيد في الأعماق القصيرة الممنوعة ولم يكفهم ذلك بل يعتدون على شباكنا العائمة ويتلفون مورد رزقنا أنا فقدت بالأمس شباكي بقيمة خمسة آلاف دينار ماذا أفعل ومن سيعوض لي.
ولما اتصلنا بمركز ولاية قابس طلبا للنجدة لم يسمعنا أحد فماذا سنفعل سنعتصم هنا وسنواصل النضال بنقل الاعتصام إلى الميناء التجاري حتى يأتي من يسمعنا. أما «بولبابة»وهو بحار من منطقة غنوش فقد قال إن الفوضى الحاصلة اليوم قد قضت على ما تبقى من ثروة سمكية في خليج قابس نحن نرى بأم أعيننا من هنا كيف تأتي الكركارة وتنطلق في الجر على بعد مئات الأمتار من اليابسة ولا أحد يقدر على منعها حتى سلطة الحرس البحري لم تعد لها لا هيبة ولا مقدرة مادية بما أن الخافرة الوحيدة الصالحة للعمل غير موجودة في قابس حاليا والخافرة الثانية معطبة ولا تعمل منذ أشهر إذن من سيحمينا من هؤلاء المتجاوزين مصاصي الدماء؟ نحن اليوم في أشد الحاجة لتفعيل مشروع تحجير المناطق الساحلية حتى نمنع عنها الكركارة. أما خميس عبد العظيم رئيس نقابة الصيد الساحلي بقابس فقد أطلق صيحة فزع قائلا إن ثروة خليج قابس هي ثروة الوطن كله، إنها تضيع أمام أعيننا فما تركه التلوث البحري قضى عليه الصيد العشوائي بكل أنواعه من الكيس إلى الكركارة إلى الشبكة الدائرة والمتضرر الأول هنا هو صغار البحار في اختصاص الصيد الساحلي فالمردودية أصبحت صفرا وكل البحارة الصغار مورطون بالديون لدى «القشارة» والوضع حقيقة ينذر بالخطر ونحن في النقابة هنا نناضل من أجل المحافظة على موارد الرزق لكن ما يحصل الآن من فوضى وتجاوز صارخ للقانون لا يجب أن يتواصل ولا بد للسلطة أن تتدخل بصورة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
اتحاد الفلاحة والصيد البحري يدعو الى الوفاق
السيد «عثمان الغول» رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بڤابس قال ل«الشروق» إن قطاع الصيد البحري عامة والصيد الساحلي بصفة خاصة يمر بظرف حساس وصعب والاتحاد يبقى دائما المظلة التي ترعى حقوق كل البحارة في إطار القانون ولقد كنا دائما حريصين على إبلاغ صوت البحار إلى السلطة المركزية والتنبيه إلى ما يتعرض له خليج قابس من استنزاف لثرواته منذ عقود سواء بسبب التلوث البحري الذي أفرزه المجمع الكيميائي أو بسبب الانتهاكات التي تنفذها مراكب الصيد بالكركارة التي تأتي من بعيد وتغير على أرزاق صغار البحارة وتتلف معداتهم، الوضع قد ازداد سوءا بعد الثورة وقد طالبنا مرارا بضرورة التدخل العاجل لتوفير الحماية للصيد الساحلي وأكدنا أن أسطول المراقبة المتوفر لدى الحرس البحري غير قادر على تأمين سواحلنا وطالبنا باعتماد المراقبة بالأقمار الصناعية. أما في ما يتعلق بتفعيل مشروع التحجير أي الحواجز الاصطناعية وتكثيف المناطق المستهدفة فقد أكدنا في أكثر من مرة أن هذا الموضوع في حاجة إلى الوفاق بين كل الأطراف وقال السيد «علي الحريزي» مكون بمركز التكوين المهني للصيد البحري بڤابس إن أسباب الأضرار التي لحقت بالثروة السمكية في خليج قابس وبصفة أخص بالصيد الساحلي عديدة ومتنوعة أولها التلوث الذي تسبب في دمار القاع البحري وأفقده كائناته الحية ثم يأتي في المرتبة الثانية الصيد العشوائي الذي تتنوع طرقه والانتهاكات الحاصلة فيه من اعتماد شباك الجر إلى اعتماد الصيد التقليدي بسعة عيون غير قانونية وثالثا الصيد خارج المواسم وهو انتهاك صارخ لمراحل تفريخ الأسماك وبلوغها أما ما يتم حاليا من اقتحام لمراكب الكركارة داخل أعماق قصيرة فهو يعتبر قانونا جريمة وجب مزيد تشديد عقوباتها وضروري اليوم اتخاذ خطوات جريئة وعاجلة للوقوف أمام ما يتهدد الصيد الساحلي من مخاطر.
الإدارة الجهوية تدعو الى احترام القوانين
حملنا كل ما جمعناه من مواقف وشكايات ومقترحات إلى دائرة الصيد البحري. وكان لنا لقاء مع رئيس الدائرة السيد فتحي السديري الذي قال إن الإدارة عارفة بكل جزئيات أزمة البحارة وأنا شخصيا متألم وأحس بما أصبح يعانيه صغار البحارة من مظالم وصعوبات والوضع هذا ازداد سوءا بعد الثورة إذ كبر الانفلات وأصبحت التجاوزات متهورة جدا إذ يكفي أن أذكر بما جرى يوم تم حجز إحدى مراكب الكركارة المخالفة وما انجر عنها من اختطاف لمراكب صغيرة وبحارة من غنوش، إن الوضع ليس سهلا والقوانين الحامية للخليج وللثروة موجودة لكن يبقى التطبيق هو المشكل والمراقبة التي يسهر عليها جهاز الحرس البحري تتطلب التفعيل والتدعيم بالتجهيزات . اليوم يكمن المشكل في عدم احترام تنظيم مواسم الصيد والصيد بالكركارة في أعماق قصيرة تصل أحيانا إلى أقل من 10 م وتجاوز ذلك إلى عمليات إتلاف شباك بحارة الصيد الساحلي والموضوع بكل فصوله يحتاج إلى معالجة دقيقة ومركزة والبحث عن الحلول المثلى .الإدارة قد أقرت بعض الإجراءات للدعم من خلال برنامج صندوق تنمية الفلاحة والصيد البحري والترفيع في منحة المحروقات من 20 الى 30 % . أما جهويا فالضرورة تستدعي إجراءات عاجلة لمساعدة المتضررين في انتظار إيجاد الحلول التي تنقذ الخليج والثروة والبحارة .