يكرّم ملتقى «العلم والوعي 2012» الذي سيلتئم بولاية المهدية يومي 15 و16 ديسمبر الجاري عالم الذرة الراحل أصيل الجهة بشير التركي، وبهذه المناسبة ارتأينا أن نسلط الضوء على مسيرة هذا العالم الجليل الزاخرة بالعطاء. ملتقى «العلم والوعي 2012: خاص بالباحثين» تنظمه جمعية ميثاق الكفاءات التونسية (باكت) بالاشتراك مع الجمعية التونسية للباحثين الجامعيين، واتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين سيمثل حسب منظميه فرصة للباحثين لتقييم وضعية البحث العلمي في تونس، وتبادل الآراء والتجارب، وتقديم مقترحات عملية للنهوض بالقطاع، وقد تم اختيار مدينة المهدية لاحتضان الملتقى بهدف تكريم العالم التونسي أصيل الجهة بشير التركي من خلال إقامة معرض للصور، وتنظيم مسابقة لاختيار أفضل فيلم قصير حول البحث العلمي، ومسيرة الدكتور الراحل بين الاحتفاء به عالميا، والتنكيل به وطنيا من أجل التعريف بمسيرته العلمية الباهرة لدى الأجيال الجديدة، واستخلاص العبر. البشير التركي.. في سطور كتب الدكتور البشير التركي فصولا دقيقة من سيرته الذاتية انطلاقا من تحصيله الدراسي، مرورا بنشاطه العلمي، ووصولا إلى محاولات اغتياله في كتابه «الجهاد لتحرير البلاد، وتشريف العباد» الذي اطلعنا على نسخة منه.
البشير بن محمد بن مصطفى بن الحاج علي بن مصطفى التركي العجمي، ولد بالمهدية في 21 مارس 1931 وتوفي بها يوم 14 أوت 2009، عالم ذرة ومهندس تونسي، درس بالمدرسة الصادقية بتونس العاصمة وأحرز على شهادتها سنة 1949، وعلى شهادة الباكالوريا سنة 1950. انتقل بعد ذلك إلى فرنسا حيث أحرز على إجازتين في الرياضيات والفيزياء من جامعة «تولوز» سنة 1954 وعلى شهادة مهندس من المدرسة القومية للمهندسين بتولوز سنة 1956، وعلى الدكتوراه في العلوم (فيزياء نووية) بجامعة باريس عام 1959، عاد إثرها إلى تونس التي كانت تفتقد إلى مؤسسات بحثية باعتبار أن الجامعة التونسية لم تُبعث بعد.
أسس سنة 1960 رفقة ثلة من زملائه مجلة «التجديد» حيث تولى أمانة مالها، وشارك في تلك السنة في تأسيس الجامعة التونسية، وعمل كأول أستاذ بها غير أنه سرعان ما فُصل من عمله بايعاز من الأستاذ محمود المسعدي حسب ما ورد في كتاب الدكتور الراحل «الجهاد لتحرير البلاد وتشريف العباد»، فاتجه إلى النمسا حيث التحق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعد سنتين طلبت منه الرئاسة العودة إلى تونس فأسس مؤسسة الطاقة الذرية، ومركز تونسقرطاج للبحوث الذرية.
وفي سنة 1963 ترأس المركز العربي لتطبيق النظائر المشعة في القاهرة، وساهم في تأسيس مركز «تِرْياست» للفيزياء النظرية بإيطاليا، ثم عُيّن سنة 1966 نائبا لرئيس مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فرئيسا للمؤتمر العالمي بمدريد لإصلاح الماء بالطاقة الذرية، ليتوّج مساره سنة 1969 بانتخابه رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالنمسا بتقديم من قبل دول عدم الانحياز ورغم معارضة الحكومة التونسية آنذاك.
البُعد العربي في مسيرة التركي
مسار الدكتور بشير التركي العلمي اتجه في السبعينات والثمانينات إلى البعد العربي، حيث عُيّن رئيسا مديرا عاما للمؤسسة الليبية للطاقة الذرية ليؤسس مركز «تاجورة» للبحوث النووية، وفي سنة 1976 أسس مخبريْ الطاقة النووية والطاقة الشمسية في جامعة عنابة بالجزائر، كما شارك سنة 1981 في إنشاء الدكتوراه في الطاقة في جامعة قسنطينة بالجزائر، إضافة إلى تدخله لدى الخارجية الفرنسية لبيع العراق المفاعل النووي السلمي الفرنسي «أوزيريس».
في كتابه «الجهاد لتحرير البلاد وتشريف العباد» تحدث المدير الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والعضو المؤسس للجامعة التونسية عن أسرار هامة بخصوص مشاريع نووية تم إجهاضها في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، كما وجه الاتهام إلى مسؤولين سابقين بالقيام بأعمال إجرامية ضد الدولة وضد الإنسانية، فقد منعوا حسب قوله أن يُرفع علم تونس في المحافل الدولية، ونسفوا المؤسسات العلمية واعتدوا على العلماء والخبراء بفصلهم ظلما من عملهم، وأحرقوا الملفات والمعدات.
واتهم العالم التونسي الراحل من خلال كتابه عددا من الوزراء والمسؤولين السابقين على غرار أحمد بن صالح، ومحمود المسعدي، ومحمد مزالي، وأحمد عبد السلام، وغيرهم بالتورط في إجهاض تطلعات علمية وتقنية تونسية في مجال استخدام الطاقة الذرية لأغراض سلمية، ناشرا عددا من الوثائق التي تدينهم.
وذكر المهندس البشير التركي الحاصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء النووية بأن الذين حالوا دون تطلعات تونس العلمية وجهات مختلفة في الأمة العربية يمثلون على حد قوله «عملاء الصهاينة عمدا أو غفلة» على اعتبار أنهم «اشتركوا معهم ولفائدتهم» في ارتكاب ما أسماه ب«جرائم ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم».
ويقول الدكتور التركي في كتابه «الجهاد من أجل تحرير البلاد وتشريف العباد» بأنه «إذا حُجّر علينا استعمال هذه المعدات بتعلّة أنها صالحة أيضا للتطبيقات العسكرية فسنبقى في حالة إنسان العصور الحجرية، وهذا ما يُراد بنا نحن العرب، رغم أننا قادرون على أن نلتحق في أقل من عشر سنوات بركب الحضارة التي كان العرب سبب تأسيسها».
محاولات اغتياله
في جزء من كتابه «الجهاد من أجل تحرير البلاد وتشريف العباد» يسرد العالم التونسي والفيزيائي الراحل تفاصيل دقيقة عن مطاردات، ومحاولات اغتيال عديدة تعرض لها من قبل من وصفهم ب«الصهاينة»، وقد أشار إلى محاولات بالخارج منها واحدة بالمغرب سنة 1979، وثانية بفرنسا سنة 1981، وثالثة بالسنغال سنة 1991 ، إلى جانب اقتحام منزله في تونس أكثر من مرة، ورشه بغاز منوّم، وتخريبه ومحاولة إحراقه.
هذه فصول من مسيرة العالم التونسي وأول مدير عربي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الزاخرة بالنجاحات، وبالتقدير العالمي، والمضمّخة بالعراقيل والتحديات، والظلم والتعتيم الإعلامي في العهود السابقة أوردنا جزءا منها علّها تكون نبراسا تهدي به الأجيال الجديدة في تونسالجديدة، تونس ما بعد الثورة...