يوم الخميس 17 ديسمبر 2010 تاريخ سيظل محفورا في اذهان كل التونسيين والعالم ككل ففي حدود الساعة الحادية عشر من هذا التاريخ أقدم الشاب محمد البوعزيزي على حرق نفسه أمام مقرّ مركز ولاية سيدي بوزيد البعزيزي احرق نفسه احتجاجا على منعه من الانتصاب بعربته المتجولة وبالتالي حرمانه من حقه في الشغل وفي لقمة العيش عندها قام عدد من النشطاء وأهالي المدينة بالاحتجاج أمام مركز الولاية على الحادثة وعلى الوضع المتردي للجهة وما تعانيه من اقصاء وتهميش وغياب كلي للتنمية.
«الشروق» التقت عددا من مواطني سيدي بوزيد ممّن كانوا شهود عيان على الحادثة وتصفحت معهم ما بقي من ذاكرتهم خلال يوم 17 ديسمبر 2010 واليوم تمر سنتان على هذا الحدث الذي غيّر المشهد في تونس والعالم العربي من خلال اتساع رقعة الاحتجاجات والتحرّكات الاجتماعية المطالبة بالتنمية والتشغيل والعدالة الاجتماعية فكان النقل التالي:
السيد ابراهيم الفتيتي عادت به الذاكرة للمشهد الاول حيث قال: «مازلت اتذكّر ذلك اليوم المشهود الذي أضرم فيه محمد البوعزيزي النار في جسده مطالبا بحقه في العيش الكريم وضمان كرامته سيما وأن الجهة تعاني التهميش وتعيش عديد المشاغل والمشاكل خاصة في ما يتعلق بالتنمية والبطالة وغياب المرافق الضرورية مما دفع بالمرحوم البوعزيزي الى الاحتجاج مستغلا خلافا بسيطا بينه وبين أعوان التراتيب وكانت هذه الحادث القطرة التي أفاضت الكأس وجعلت أهالي سيدي بوزيد يحتجون علّها الأوضاع المتردية للجهة ساعين لتبليغ رسالتهم للسلط العليا علّهم تراجع سياستها الاقصائية تجاه الجهة منذ 53 سنة وكان في مقدّمة المحتجين وجوه سياسية ونقابية وحقوقية آلفت وجوهها منذ الثمانينات بالاضافة الى حضور بعض الشباب الذين تحوّلوا في ما بعد الى جنود الظلام مواجهين جحافل الأمن المدججين بالسلاح والعتاد حيث كانوا كواسر وأذكر جيدا المعركة أو بالأحرى المواجهات الدامية بين شباب الأحياء والأمن في شارع أولاد حفوز حيث كانوا يواجهون قمع الأمن بالحجارة والزجاجات الحارقة رافعين شعارات مناهضة للسلطة وأخرى مستفزّة لأعوان البوليس لجرّهم الى معارك الأحياء وتوالت هذه المواجهات الى غاية 14 جانفي وبعد هذا التاريخ غاب أبطال الثورة ليحلّ محلهم الانتهازيون الذين يطالبون بتفكيك منظومة الفساد وهم منظومة الفساد بعينها.
من جانبه السيد يوسف الصالحي أفاد أنه في 17 ديسمبر 2010 لما أقدم محمد البوعزيزي على حرق نفسه أمام مركز ولاية سيدي بوزيد دفاعا على كرامته وحريته وقد أوقد النار في الهشيم حيث هبّ مواطنو سيدي بوزيد دفاعا عن كرامتهم وحريتهم في العيش وتفجّر الغضب الكامن في النفوس جرّاء التهميش والفقر والبطالة بين جميع الفئات الشعبية فبادر النظام النوفمبري المافيوزي بعسكرة المدينة على غرار ما حصل في الحوض المنجمي 2008 فاحتل المدينة قوات الأمن وحاصرها ومنع مناضليها من التعبير عن احتجاجهم فشتّت التجمعات والمسيرات وفتح باب المواجهة مع المتساكنين فأعلن الأهالي العصيان المدني وارتأى المناضلون من شباب ونقابيين وحقوقيين وسياسيين وعاطلين ومزارعين أن يفكّوا الحصار المضروب على المدينة، فانتشرت المسيرات الاحتجاجية والمواجهات مع قوات القمع في المعتمديات واشتد الصراع وتأجج الغضب بعد الاعتقالات الهمجية وبعد سقوط الشهداء والجرحى إلى أن توسع حقل المواجهة فشمل كل الولايات وارتقى الصراع مع النظام إلى درجة عالية في الميدان وفي الشعارات المرفوعة ومنها على سبيل الذكر : «التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق»..
أما السيد لزهر الغربي فقد أورد أنه يوم 17 ديسمبر 2010 أشرقت شمسه كيوم عادي لكن الفتى الكادح «محمد البوعزيزي» أراد غير ذلك إذ أقدم على احراق نفسه في الساحة العامة وأمام مقر السيادة نعم يوم 17 ديسمبر 2010 كان يوما عظيما صنع الحدث التاريخي الذي يوشك على أن يغير تاريخ المنطقة أوجد الفعل الثوري الذي عانقته الجماهير الشعبية في كامل أرجاء الوطن حرر الشباب والنساء والرجال وأرجع إلى الوطن المحكوم بالحديد والنار نكهة العيش فيه وفتح لأهالي سيدي بوزيد صفحات سجل فيها التاريخ ما كان يجول بخاطرهم من خلال كتابة شعارات على جدران المدينة تطالب بالتشغيل والحرية والكرامة .
من جهته السيد عطية عثموني أشار إلى أن يوم 17 ديسمبر 2010 كان يوما عاديا رغم تفكيرنا في الوضع السياسي الراهن وكنا ندرس في الفصل حوالي الساعة 11 و 45 دق اتصل بي شخص أعلمني بأن هناك بائع فواكه متجول أقدم على احراق نفسه أمام مقر مركز الولاية فاتجهت مباشرة الى هذه الأخيرة فوجدت عربة فارغة وبجانبها بعض الفواكه وبقايا رماد وبتحوّلي رفقة بعض النشطاء والنقابيين الى المستشفى الجهوي وجدنا الشهيد في حالة خطيرة. وبانتشار الخبر بدأ عدد من المواطنين يتوافدون على مركز الولاية رافعين العديد من الشعارات المنادية بالكرامة والتشغيل والتنمية لتتحول في ما بعد الى مواجهات بين المحتجين والأمن داخل أحياء المدينة لتنتشر بعد ذلك في الولايات المجاورة ثم بقية الجهات لتنتهي بفرار المخلوع.
من جهته الاستاذ خالد عواينية أفاد أن ما بقي من الذاكرة يوم 17 ديسمبر 2010 هو التداعي التلقائي بين المناضلين والنقابيين والحقوقيين بدون حسابات لقضية مسّت حياة المواطن. اذ صنع هذا التاريخ حدثا هز أركان الكون حيث أحدث «تسونامي» على مستوى العلوم السياسية والايديولوجيات. وقد أشار الاستاذ عواينية في شهادته ان بن علي لم يهرب بل كان سيناريو من خلال تأمين مكان آمن له في صفقة مشبوهة وهي عبارة عن مسرحية. وأكد أيضا أن التحركات يوم 17 ديسمبر كانت تلقائية خارج السياقات الحزبية.