قبل فترة زارتني صحفية عربية كانت تعدّ لمقالات عن المرأة التونسية وعن فردوس المرأة التونسية التي تحظى بمكانة رائدة في حين مازالت أخواتها في العالم العربي والاسلامي تحت عتبة الفقر الاجتماعي والقانوني والثقافي ويعانين من العنصرية الجنسية ويعاملن ككائن معوق. حتى وإن بلغن درجات عليا في العلم والنبوغ فهنّ في نظر الرجل قواصر. فالرجل الأمّي له الأسبقية على المرأة المتعلّمة.. هو رجل وهي امرأة إذن فهي ناقصة.. كانت الصحفية مشدوهة بالقوانين التي تهم المرأة والأسرة.. تحدثت بإطناب ثم استدركت لتقول : شيء واحد لم أفهمه.. في بلد متحضّر مثل تونس وفي شعب نهل ثقافة الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة كيف تفسّر هذا «الازعاج» الذي تتعرض له المرأة في الشارع.. سألتها من قال لك هذا؟.. قالت أنا..جئت الى مكتبك من ساحة إفريقيا وتعرّضت «لمعاكسات» عديدة وسافلة.. وسمعت كلاما غير لائق موجّه لفتيات اضطررن الى تغيير مسارهن على الرصيف تحاشيا للعنف اللّفظي. رويت هذه الحادثة من قبل وها أنذا أعيدها الآن وقد تم النظر في مشروع قانون هدفه زجر الاعتداء على الأخلاق الحميدة والتحرّش الجنسي.. والأكيد هو أن كل تونسي أصيل سيرتاح لهذا التوجّه لأنه يفيض في الشارع تجاوزات وله تأثير مضاعف.. أوله الاعتداء على كرامة المواطن وحرمته وثانيه تشويه كل الرّصيد القانوني الذي أحرزته المرأة التونسية.. ولا شكّ في أن هذا القانون سيحتاج إلى حملة تحسيسية من نوع آخر حتى يدرك من لا يدرك أن الكلام البذيء جناية وأن التحرّش الجنسي عواقبه وخيمة.. فالتونسي يغار على أخته وزوجته من نسمة الهواء.. ويطلق عنان لسانه النتن على بنات الناس.. صار الكلام البذيء وسيلة التعبير الوحيدة حتى في حالات الفرح والابتهاج.. ضاقت اللغة على كثرة مفرداتها لتنحصر في أماكن معينة.. الأمر لا يقتصر على الشباب.. هناك كهول شابت نواضرهم ومع ذلك لا يخجلون.. أمام المقاهي وتحت جدران البناءات يعسر على الفتاة أو السيدة أن تمرّ دون أن تسمع ما تكره.. ولا ترد الفعل لأنها تخشى تطور العنف اللفظي حتى وإن كان معها مرافق.. البعض يجد تبريرا لهذا بذكر السلوك الاستفزازي لبعضهن ولكنه تبرير لا يجدي في هذه القضية.. والحل في التحضر والاعتدال والتوزان.. هو يقصر «برشة» في اللسان وهي تطوّل «شوية» في الفستان..