تراوحت ردود أفعال التونسيين حول معرض الممتلكات المصادرة.. البعض اعتبر ان الحكومة حسنا فعلت عندما عرضت تلك الممتلكات للبيع ، في حين رأى آخرون أنه ما كان للمعرض أن يُقام أصلا أو على الاقل أن يقتصر على ممتلكات دون الأخرى لأسباب قانونية وأخلاقية.. رغم أن المعرض بما فيه من محتوياته نجح في شد الانتباه إليه طيلة الايام الماضية ولقي استحسانا لدى البعض، إلا انه أثار حفيظة البعض الآخر من التونسيين نظرا لعدة اعتبارات وتسبب في توجيه عدة تهم للحكومة.
اتهامات
رغم ان عديد التونسيين تابعوا بشغف وانتباه المعرض ومحتوياته «المثيرة»، إلا أن ذلك لم يمنع من توجيه انتقادات للحكومة بالقول إنها استعملت المعرض المذكور في هذا الوقت بالذات حتى ينشغل به الناس ولا يهتمون بمشاكلهم الحقيقية الكثيرة (السياسية والاجتماعية والاقتصادية). و اتهم آخرون الحكومة باستعمال المعرض لغايات سياسية، أولها مزيد التشهير بالنظام السابق و ثانيا كورقة انتخابية للانتخابات القادمة حتى تظهر بمظهر الحريص على اموال المجموعة الوطنية لا سيما تلك المتأتية من المصادرة التي ينتظر الشعب الاستفادة منها بشكل مباشر ويعتبرها ملكا له ، آلت إليه بمفعول الثورة.
غموض
حسب ما ذكره مسؤولون عن المعرض فان الممتلكات التي يجري عرضها الآن لا تمثل سوى 20 بالمائة من جملة المنقولات والادباش المصادرة ، وسيقع تنظيم معارض أخرى لبقية الممتلكات التي يجري الآن ترتيبها وتحديد قيمتها المالية.
لكن ما صرحت به الحكومة وهيئة تنظيم المعرض يتناقض مع ما صرح به امس الاول محامي بن علي اكرم عازوري عندما قال في بيان له إن المعرض بما فيه مزعوم « و يشكّل تحريفا متعمّدا للحقائق وتزويرا للوقائع وأن 90 % من الأغراض المعروضة لا تعود للرئيس بن علي ولا لزوجته !! وقد تمّ وضعها عمداً من قبل السلطات التونسيّة على غرار المبالغ النقديّة التي استعيرت عام 2011 من المصرف المركزي التونسي لوضعها في منزل الرئيس بن علي من أجل تصوريها ثمّ إعادتها إلى المصرف ...وان ذلك هو استمرار للحملة السياسية المساقة ضد الرئيس بن علي ..».
قانونية
تساءل كثيرون عن الجانب القانوني لبيع الأدباش الشخصية للرئيس السابق ولزوجته خاصة الملابس والأحذية و الهدايا والتحف المنزلية ولماذا لم يقتصر الامر على الأشياء الثمينة مثل المجوهرات والسيارات ؟
إجابة عن هذا السؤال يقول مختص في القانون ان المرسوم المنظم للتصرف في الممتلكات المصادرة لم يميز بين ملابس ومجوهرات وسيارات بل نص على أن لجنة التصرف في الاملاك المصادرة «تتولى اتخاذ جميع الإجراءات المتعلقة بالتصرف في محفظة الأوراق المالية والحقوق المرتبطة بها والحصص والسندات والممتلكات العقارية والمنقولة المعنية بالمصادرة والاسترجاع». وقد ارتأت اللجنة ان تتصرف في هذا الجزء من الممتلكات عبر البيع في معرض للعموم، وهو ما خوله لها القانون في إطار صلاحياتها.
..وأخلاقية
أما عن الجانب الاخلاقي في العملية، فيقول كثيرون انه ما كان على الحكومة أن تعرض ملابس وأحذية بن علي وزوجته وابنه وبناته للبيع أو الهدايا التي تلقوها، وكان بالامكان الاقتصار فقط على المجوهرات والسيارات والتحف الثمينة. وهذا الرأي ذهب له عديد التونسيين بالقول ان ما عُرض من أحذية وملابس، ورغم أنه شد الانتباه، إلا أنه غير مقبول أخلاقيا في نظر بعض المواطنين. فرغم القيمة المالية لتلك الملابس والاحذية والحقائب النسائية، إلا أنها تُعتبر في نهاية الامر عادية ولا تستحق كل ذلك «التشهير» في رأيهم. ويقول أحد الملاحظين إن الأمر يتعلق برئيس دولة و بعائلته ومن الطبيعي أن تكون ملابسهم من ماركات عالمية باهظة الثمن شأنهم في ذلك شان كل رؤساء الدول، فضلا عن أنه يوجد عديد التونسيين الميسورين ماديا ممن يقتنون عادة تلك النوعية من الملابس والاحذية والحقائب التي تبلغ أسعارها مئات أو حتى آلاف الدنانير من تونس أومن الخارج ويتوجهون خصيصا للخارج ولمهرجانات التسوق العالمية لهذا الغرض. وذهب البعض حد اتهام الحكومة بالتسرع عند تنظيم هذا المعرض وكان بامكانها حسب رأيهم التصرف في تلك الملابس والاحذية بطريقة أخرى تبعد عنها كل الاتهامات خاصة من الناحية الاخلاقية والقانونية . حيث اتهم محامي بن علي أكرم عازوري الحكومة قائلا ان ذلك «لا يليق بدولة تصوّر نفسها على أنّها ملتزمة بالمواثيق الدوليّة».
وأضاف «إنّ هذه الأعمال الإجرميّة وغير الشرعيّة من السلطات التونسيّة ستبلّغ حتماً إلى مجلس حقوق الإنسان في جينيف كمخالفة فادحة جديدة للسلطات التونسيّة لإلتزاماتها الدولية».
خاصة
في الإطار ذاته يقول محامي بن علي اكرم عازوري إنّ الممتلكات المعروضة للبيع التي تعود فعلا لبن علي ولزوجته (10 بالمائة فقط من المعروض) «تحصل عليها الرئيس الأسبق بشكل قانوني وشرعي خلال فترة تولّيه الحكم لربع قرن وتمّ الاستيلاء عليها من قبل السلطات التونسيّة بموجب قرار سياسي غير قانوني». وأضاف ان ذلك يُعدّ « خرقاً فادحاً جديداً لحقوق الملكيّة الخاصة وانتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة». واتهم عازوري السلطات التونسيّة بانها تتباهى بذلك أمام الرأي العام .
عبرة وشفافية
تقول الحكومة انه بقطع النظر عن القيمة المالية للأدباش المعروضة فان المعرض له بعد رمزي باعتباره سيمكن الشعب وهو يحتفل بالذكرى الثانية للثورة من الاطلاع على ما نهبته العائلة الحاكمة سابقا من أموال المجموعة الوطنية ولما أنفقته في ملذاتها الخاصة دون موجب لذلك وحتى يكون عبرة لمن سيحكم البلاد حاليا او في المستقبل. وقد ذكر رئيس الحكومة حمادي الجبالي لدى زيارته المعرض أنه من الافضل لكل من ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة ان يزور هذا المعرض أولا.
كما ترى الحكومة أن المعرض جاء ليبعد كل الشبهات عنها فيما يتعلق بالتصرف في تلك الممتلكات الشخصية حتى لا يقال انه وقع الاستحواذ عليها أو بيعها في ظروف مشبوهة، ولم يكن هناك من حل غير عرضها للبيع للعموم بمثل هذه الطريقة. فضلا عن ان الاموال المتأتية من البيع ستؤول وفق اجراءات واضحة وشفافة إلى خزينة الدولة على حد قول المسؤولين عن المعرض.
خبير اقتصادي : 20 مليارا لا تكفي لسدّ «رمق الاقتصاد».. والشعب ينتظر أكثر
قال الخبير الاقتصادي محمد الهدار إن المعرض لا يستحق كل تلك «الهالة المالية» التي احيط بها . فمبلغ 20 مليون دينار الذي تنوي الحكومة جنيه من بيع محتويات المعرض يعتبر مبلغا ضئيلا في ميزانية الدولة ولا يكفي لسد «الرمق الشعبي العام» الذي ينتظر من الحكومة أن تأتيه بأكثر من 20 مليارا من المليمات ..فهو ينتظر أن تأتيه بمئات آلاف المليارات المنهوبة والمجمدة في الخارج .. وينتظر أن تمنحه نصيبه من مئات المليارات الاخرى التي ستجنيها من بيع الشركات والعقارات والقصور المصادرة .. فهذه وحدها كفيلة بسد الرمق الشعبي العام وبانعاش الاقتصاد ومن ورائه انعاش الشعب ، ان كانت هناك رغبة سياسية فعلية لإنعاشه ، وفق ما ذهب إليه محدثنا .
أما أن يقع تقديم ملابس وأحذية وسيارات و مجوهرات وحقائب نسائية وأقلام وتحف على أنها المنقذ من حالة الفقر والتهميش والحرمان ببعض المناطق ولجانب من الشعب فهذا ما لا يستقيم من الناحية الاعتبارية. وكان من الأفضل حسب محمد الهدار أن لا تورط الحكومة نفسها في مثل هذه المتاهات وأن تكتفي بوضع هذه الممتلكات في معرض دائم ( بلا بيع وشراء ) يزوره الناس طيلة عشرات السنين القادمة بمقابل رمزي فيوفر مداخيل دائمة أكثر من التي قد يوفرها عند بيعها ، ويقع في الآن نفسه المحافظة على الذاكرة الوطنية حتى تكون باستمرار عبرة لمن يعتبر على مر الزمان وليس لهذه الفترة فحسب.
ممنوع ..إلا على سهام بادي !!
سبق لوزير المالية الأسبق سليم بسباس التصريح بأنه من الأفضل لأعضاء الحكومة الحالية أن لا يقتنوا من المعرض المذكور درءا لكل الشبهات، رغم أنه من حقهم قانونيا الشراء. ويبدو ان أعضاء الحكومة الحالية سيلتزمون بذلك لكن البعض يرى أن ذلك غير مضمون خاصة بعد أن لاحظوا صورا لوزيرة المرأة سهام بادي وهي بصدد مسك أحد احذية ليلى بن علي لأخذ مقاسه وتتعمد الوقوف امام عدسات المصورين في مشهد أثار حفيظة الناشطات في الاوساط النسائية من المجتمع المدني وأثار كذلك حفيظة بعض العاملين والمسؤولين بوزارة المرأة وفق ما بلغنا من معلومات .وكانت سهام بادي قد ذكرت في تصريح صحفي بالمعرض أن أكثر ما تألمت لأجله هي الأحذية خيالية الأسعار التي داست بها صاحبتها ( ليلى بن علي ) على كرامة شعب كامل .