لم تنته سنة 2012 حتى أخذت معها فارسا آخر من فرسان المسرح التونسي الكبار انه محمود الارناؤوط الذي غيبه الموت صباح امس الثلاثاء وسيوارىً الثرى ظهر اليوم الأربعاء في مقبرة الجلاز. ولد محمود الارناؤوط في حي باب سويقة سنة 1945 ودرس تعليمه الابتدائي في الحلفاوين والثانوي بين المعهد العلوي ومعهد قرطاج، التحق مبكرا بالوظيفة لمساعدة عائلته الفقيرة في القطاع البنكي بالتوازي مع ممارسة المسرح كهواية مع جيله في دار الثقافة ابن رشيق ودار الثقافة ابن خلدون وكان اول اتصال له بالمسرح في الشبيبة المدرسية مع محمد ادريس ورؤوف بن عمر وفرج شوشان وفرحات يامون وفاضل الجزيري وغيرهم وأسس الارناؤوط مبكرا مع محمد ادريس فرقة «المسرح الصغير» وقدموا عملا عن نص لماركيز ثم التحق بدار الثقافة ابن رشيق وأسس مع مجموعة من المسرحيين فرقة المسرح التجريبي مع عبد المطلب الزعزاع والبشير الدريسي ومحمد كوكة وغيرهم ومن بين الاعمال التي ساهم فيها في هذه الفترة مسرحية «القاعدة والاستثناء» لبريشت لكن التجربة الأهم تبقى مع سمير العيادي في دار الثقافة ابن خلدون عندما قدم «رأس الغول» في أواخر الستينات وقد تم منعها مما خلق شعورا بالإحباط لدى أولئك الشبان الحالمين آنذاك.
القطيعة والعودة
في مطلع السبعينات بل منذ اواخر الستينات سافر رفاق الارناؤوط الى اوروبا مثل الجعايبي والجزيري وسمير العيادي وهشام رستم ومحمد كوكة فاختار الارناؤوط الابتعاد عن المسرح والاهتمام بحياته المهنية البنكية والأسرية وتواصلت القطيعة بينه وبين المسرح من 1970 الى 1988 إذ عاد الى المسرح من خلال سلسلة كلام الليل لتوفيق الجبالي التي شارك في عشر حلقات منها تعد حلقاتها الأشهر وقد حققت هذه السلسلة نجاحا منقطع النظير كما شارك في مسرحيتي «فهمتلا» و«ويل» و«حاضر بالنيابة» وعرضت عليه في هذه الفترة قناة الأفق بتونس مسؤولية إدارة القناة التي اشرف على افتتاحها من 1992 الى 1993 عاد بعدها الى البنك الذي غادره سنة 2005 بوصوله سن التقاعد .
وقد سعى محمود الارناؤوط في الثلاث سنوات الاخيرة الى العودة الى المسرح بعمل جديد مع صديقه كمال التواتي الا انه لم يتمكن من ذلك نتيجة الظروف العامة التي تعيشها البلاد ثم نتيجة الأزمة الصحية التي المت بكمال التواتي وبه أيضاً وقد كان آخر لقاء لهما في عمل تلفزي رمضاني العام الماضي لم يحز على الكثير من الرضا. جيل
رحيل محمود الارناؤوط موجع ومؤلم فهذا الفنان على الرغم من ندرة اعماله قياسا بجيله له حضور خاص في المسرح التونسي فهو شخصية مرحة قل ان تتكرر، دائم الابتسامة حاضر البديهة والنكتة عاش حزينا عميقا صامتا في الأشهر الأخيرة وهو يرى البلاد تفقد تدريجيا الكثير من مكاسبها الثقافية بسبب عنف المجموعات المتسترة بالدين وكان ينزف في صمت وكثيرا ما يحمل سماعة الهاتف ليعبر عن آلامه لأصدقائه وهو يرى السواد يخيم على المسرح التونسي وعلى كل شيء جميل حلم به الارناؤوط وحلم به جيله وأجيال من الفنانين التونسيين اعتقدوا ان الثورة جاءت لتكريس الحرية قبل ان يجدوا انفسهم في مواجهة سلطة اخرى جديدة متلحفة بالدين هذه المرة ! رحم الله محمود الارناؤوط .
وزارة الثقافة تنعى الممثل المسرحي محمود الأرناؤوط
تنعى وزارة الثقافة الممثل المسرحي محمود الأرناؤوط الذي وافاه الأجل المحتوم صباح يوم الثلاثاء 25 ديسمبر 2012. الفقيد من مواليد 1945 بجهة باب سويقة ويعتبر من أكبر الممثلين الذين كانت لهم بصمة خاصة في كل الأعمال التي قدمها بدءا بالمسرح المدرسي والمسرح الجامعي. انضم الفقيد الى فرقة المسرح التجريبي وتوّج نجاحه بوسام الاستحقاق الثقافي منذ سنتين. كانت له مساهمات في عدة أعمال مسرحية منها «حاضر بالنيابة»، مسرحية «كلام الليل»، مسرحية «لوحة الأعاجيب» مسرحية «الغول» مسرحية «ويل» ومسرحية «فهمتلا» الى جانب مساهمته في عدد من الأفلام القصيرة والطويلة وعدد من الأعمال التلفزية نذكر منها «دار الخلاعة». تعامل الأرناؤوط مع كبار الممثلين والمسرحيين التونسيين مثل الفاضل الجزيري، وتوفيق الجبالي وسمير العيادي.. رحم الله الفقيد ورزق أهله وذويه جميل الصبر والسلوان. {إنّا لله وإنّا إليه راجعون}