حاوره: المنصف بن عمر هو رجل استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معان، فقد نجح في تحمل مسؤولية مدير مركزي في مؤسسة بنكية دون أن تكون له شهادة عالية في هذا المجال، ودرّس في مركز الفن المسرحي دون أن يكون خريج أحد المعاهد العليا للفن المسرحي.. تحمل مسؤولية مدير عام لأول قناة خاصة في تونس ونقصد قناة الأفق.. هذه الانجازات لا يقدر عليها إلا الرجل الاستثنائي خصوصا إذا لم يكن كضيفنا لا يملك لا «أكتاف» ولا شهائد عليا.. ضيفنا رجل مسرح، كتب وأخرج ومثل وهو من الأسماء المهمة في هذا المجال.. ضيفنا هو الفنان محمود الأرناؤوط.. لو نبدأ من البدايات سي محمود؟ أنا من مواليد عام 1945 بجهة باب سويقة، درست بالمعهد العلوي ثم بمعهد قرطاج، تخرجت عام 1964 وتحصلت على ديبلوم معلم وكنت الأول في دفعتي، بالتوازي مع الدراسة كان لي نشاط ضمن الشبيبة المدرسية. وما علاقة التعليم بعملك كمصرفي باعتبار أنك كنت اطارا بنكيا؟ عندما تخرجت اقترح علي أن ألتحق بالمعهد العالي للأساتذة المساعدين، لكنني كنت في حاجة الى العمل فأنا أنحدر من عائلة فقيرة وكان لزاما على أحد من الأبناء أن يخرج للعمل وتحملت أنا المسؤولية والتحقت بالبنك كموظف عادي أيام كان البنك تحت مسؤولية الفرنسيين وتدرّجت في الوظيفة الى أن صرت مديرا مركزيا.. وكيف كانت بدايتك المسرحية؟ بالتوازي مع دراستي وعملي كان لي نشاط ثقافي ومسرحي بالخصوص وذلك ضمن الشبيبة المدرسية.. هل تذكر أول عمل خارج اطار الشبيبة؟ طبعا، أول عمل كان بعنوان «لوحة الأعاجيب» وهي ترجمة عن نص لفريديريكو غارسيا لوركا، وقام بالترجمة الفنان محمد ادريس، وقدمنا هذا العمل في اطار فرقة بعثناها وقتها وتحمل اسم «المسرح الصغير»، وكانت تضم كلا من رؤوف بن عمر ومحمد ادريس وهشام رستم وفرحات يامون وجمال الدين بالرحّال. بعد هذه التجربة انضممت الى فرقةمسرحية محترفة وأقصد فرقة المسرح التجريبي التي أسسها عبد المطلب الزعزاع وهي الفرقة المحترفة الثانية بعد فرقة البلدية.. ومن كان معك في هذه الفرقة؟ الفرقة ضمت كلا من البشير الدريسي ومحمد كوكة وسليم محفوظ وفرحات يامون، وقدمنا في اطارها عملين الأول بعنوان «البهلواني ذو العصا الغليظة» و«القاعدة والاستثناء» لبرتولد براشت. بعد هذه التجربة انتقلت الى دار الثقافة ابن خلدون وكان ذلك عام 1968 وكوّنا مجموعة جديدة تضم سمير العيادي ورجاء فرحات وحسنية جنان ونايلة رحيم والفاضل الجزيري. وأنجزنا عملا انطلاقا من مجموعة قصصية لعزالدين المدني، وكانت المسرحية بعنوان «راس الغول» تأليف جماعي واخراجي صحبة الفاضل الجزيري. هذه المسرحية منعت من قبل لجنة الرقابة وقتها. وأذكر وقتها أننا أسسنا مجلة تحمل اسم «ثقافة» وناطقة باللغتين العربية والفرنسية وكان رئيس تحريرها المرحوم سمير العيادي وكنت ضمن أسرة التحرير وكانت تضم محمد عزيزة وصالح القرمادي والحبيب الزنّاد ومحمود التونسي. وقد عاشت ثلاث سنوات. بعد تجربة دار الثقافة ابن خلدون ابتعدت كليا عن المسرح، ما الأسباب؟ عام 1971، وبعد أن سافر جل زملائي للدراسة بالخارج ولم يبق معي إلا سمير العيادي كوّنت مجموعة جديدة انضمت إليها دلندة عبدو ومختار الشاوش وأنجزنا عملا جديدا بعنوان «الغول». وكما تلاحظ حذفنا الرأس وأبقينا على «الغول» وتم اختيار العمل ليقدم في مهرجان «نانسي» بفرنسا، لم يكن لدينا وقتها الامكانيات لشراء تذاكر السفر فطلبنا من وزارة الثقافة مساعدتنا، فأرسل لنا الوزير مستشاره المرحوم زبير التركي ومدير ديوانه لمشاهدة العمل والنظر في امكانية مساعدتنا من عدمها، لكن بعد هذه الزيارة منعت المسرحية من العرض أصلا.. فقررت ايقاف نشاطي المسرحي والتركيز على عملي في البنك، وكان ذلك عام 1970. وكم دامت القطيعة؟ من 1970 الى حدود عام 1988، وقتها كنت رفضت عديد المسؤوليات في البنك، لكن عندما قرّرت الابتعاد عن المسرح، قبلت منصب مدير فرع بصفاقس ومنها انطلق مشواري مع المسؤوليات في البنك وتدرّجت الى أن صرت مديرا مركزيا ولم أغادر البنك إلا عام 1992 عندما عينت مديرا عاما لقناة الأفق وغادرتها عام 1995. كيف كانت العودة الى المسرح؟ عام 1988 ذهبت لمشاهدة عرض مسرحية «مذكرات ديناصور» لتوفيق الجبالي، أعجبت بالعمل وأحسست بالرغبة للعودة الى المسرح، وهو ما كان، حيث عملت في مسرح التياترو في ثلاث مسرحيات هي «حاضر بالنيابة» و«ويل» و«فهمتلا» و10 حلقات من مسرحية «كلام الليل». لماذا افترقت تلك المجموعة وأقصد مجموعة «كلام الليل»؟ لأسباب معقولة وغير معقولة. هل تشعر أنك نجحت أكثر في عملك كإطار بنكي أم كفنان؟ لقد تدرّجت في الوظيفة وحققت نجاحا هاما توج بوسام الجمهورية (الصنف الثالث) عام 1979. أما في المسرح فإن نجاحي توّج بوسام الاستحقاق الثقافي الذي نلته منذ سنتين. هذا يعني أنني نجحت في الميدانين على الرغم من أنني لم أتحصل على شهادة عليا في المالية ولم أتحصل على شهادة عليا في المسرح أي عصامي التكوين. برأيك لماذا لم تنجح تجربة قناة الأفق في تونس؟ عندما دخلت قناة الأفق الى تونس كانت لدى المواطنين أجهزة الالتقاط البارابول وبامكانه مشاهدة أكثر من مائة قناة مجانا فمن الصعب ان يقبل على قناة مشفرة التركيبة الذهنية للتونسي لا تقبل مثل هذا المشروع زد على ذلك الدراسة التي أنجزت قبل بعث المشروع لم تكن واقعية وعندما انجزت البارابول لم يكن موجودا في تونس. أهم تجربة مسرحية بالنسبة لك وأقصد في رصيدك؟ من زاوية الجرأة وحرية التعبير أعتبر «راس الغول» و«الغول» أهم تجاربي أما من زاوية النص والحبكة والفذلكة «L'humour» فإن «كلام الليل» أهم تجاربي لكنني أعتبر كل أعمالي مهمة بالنسبة لي، لأنني ادفق في اختياراتي. ما سر نجاح «كلام الليل» برأيك؟ قوة توفيق الجبالي في التعامل مع اللهجة الدارجة، نصوص توفيق في كلام الليل مشحونة بالمعاني وتتضمن «فذلكة» من نوع خاص ونادرة جدا مست لاوعي المواطن التونسي «كلام الليل» قوتها في أنه بامكانك قراءتها على أكثر من مستوى. أنت مقل جدا في أعمالك التلفزية؟ لا أحب التلفزة كثيرا، التمثيل عندي ليس مهنة هو طريقة للتعبير وتحقيق الذات لذلك لم أتفرغ للمسرح حتى تكون لي حرية الاختيار لذلك أيضا لم تكن لي الحاجة للعمل في التلفزة ولم أعمل مع أناس اثق في كفاءتهم على غرار مديح بالعيد وهو مخرج وكذلك «دار الخلاعة» قبلت العمل لأنني أعرف حاتم بالحاج منذ فترة وصديقي كمال التواتي موجود في العمل أيضا. هل سبق وان رفضت أعمالا تلفزية؟ نعم رفضت أعمالا ولا فائدة في ذكرها. علاقتك بالسينما جيدة؟ جيدة جدا وعملت في الكثير من الأفلام القصيرة والطويلة كما كتبت حوارات العديد من الأفلام. هل تشاهد المسرحيات؟ لا، لا أحب مشاهدة المسرحيات نادرا ما يعجبني ما يقدم ونوعية المسرح التي أريدها نادرة اليوم في تونس وحتى خارج تونس في الحقيقة لست مولعا بمشاهدة المسرحيات من يضحك محمود الأرناؤوط؟ توفيق الجبالي، وكمال التواتي أحيانا هل يمكن ان نراك في «وان مان شو»؟ أبدا، أنا أؤمن بأن المسرح جماعي مجموعة عمل متكاملة أما ان أكتب وأخرج وأمثل فهذا صعب المسرح نظرة جماعية. لمن يدين بالفضل محمود الأرناؤوط؟ والدي في المقام الأول، ثم كل الناس الذين عملت معهم وعايشتهم صالح القرمادي وتوفيق بكار وعز الدين المدني وغيرهم كثير...