الرايات والأعلام قديمة قدم القبائل والشعوب، فقد كان لكل قبيلة رايتها وشعارها الذي يميزها عن غيرها من القبائل ولما أنشئت الأمصار وقامت الدول أصبح لكل منها شعارها وعلمها ونشيدها المتميز لها، والراية التونسية الحالية أصبحت رمزا وطنيا مقدسا منذ عقود طويلة، لا تعظيما لمن وضعها واختارها وإنما لما تشير إليه من دلالات رمزية وتاريخية، وبالتالي فالرايات ليست مقدسة في حد ذاتها وإنما اكتسبت قدسيتها مما اصطلح عليه المجتمع واقره عليها من رموز ودلالات ، ومن هنا فلا داعي لتبني رايات لا قديمة ولا حديثة ليس لها علاقة بتاريخنا ومجتمعنا المعاصر. ومما اطلعت عليه أن الدولة الفاطمية في بلادنا كانت لها رايات عديدة، منها راية بيضاء مكتوب عليها «لا اله إلا اللّه» ترفع عند الفرح والرضا ، وراية سوداء مكتوب عليها أيضا «لا الله إلا الله» ولا ترفع هذه الراية إلا عند الغضب والحزن، وأعتقد أنها نفس الراية التي ترفعها جماعة القاعدة أو دعاة الشريعة في المغرب الاسلامي، وإن تاريخ العلم التونسي الذي استهان به البعض وأساء إليه بل وحاول استبداله بالراية السوداء السابقة الذكر فهو تاريخ مجيد يذكرنا بماض عريق يزيد عن ثلاث مئة سنة بحيث ظلل سماء معاركنا ورفعناه في ميادين انتصاراتنا وزينا به ساحات احتفالاتنا، كما يذكرنا بدماء شهدائنا الأبرار الذين تصدوا للاستعمار وحرروا الأوطان، كما يشير هذا العلم إلى عقيدتنا وطموحنا ورغبتنا في التقدم والرقي.
ظهر هذا العلم ورفع كراية تونسية خالصة سنة 1705 في عهد الباي حسين بن علي اثر ثورته التحريرية ضد الحكم العثماني الذي حكم بلادنا ما بين 1547 و 1705 والذي كان تابعا تبعية مباشرة للأتراك في اسطنبول ، ورغم أن حسين باي وضع حدا للحكم العثماني التركي المباشر إلا أنه استنبط من راية هؤلاء علما تونسيا جعله رمزا للاستقلال عنهم ولقائل أن يقول لماذا اختار محرر تونس راية من ثار عليهم ليقلدها تقليدا شبه كامل؟؟ في الحقيقة إن هذه الحركة التحريرية ليس حركة انفصالية وإنما هي حركة تصحيحية إن صح التعبير فلم تقطع مع الماضي، تماما، ولم تتنكر للرموز التي تشير إليها راية الأتراك، وإن رفض حكمهم المباشر إن المجتمع التونسي الذي اقر معاني هذه الراية هو مجتمع مسلم وفي لدماء شهدائه وينشد التقدم والرقي، هذا في اعتقادي ما حمل التونسيين في عهد حسين باي على استنباط الراية التونسية من الراية التركية وهذه أبرز المعاني التي تجمع بينهما :
1 اللون الأحمر يرمز للنضال والمقاومة ويذكرنا بدماء الشهداء
2 الهلال يرمز للإسلام دين هذا الوطن ويؤكد انتماءه الشرقي بما يقارب خمسة عشر قرنا
3 النجمة ترمز للعلو والسمو والتقدم الذي تنشده الشعوب الحرة الحية، وقد جعلها بعض التونسيين رمزا لقواعد الاسلام الخمس
4 اللون الأبيض الذي يتمثل في الهلال والنجمة في العلم التركي، وفي الهالة التي يتوسطها الهلال والنجمة في العلم التونسي إنما يرمز لصفاء القلوب والتعاطف بين أفراد المجتمع .
5 الرمز الخامس الذي يجمع بين الرايتين هو وجهة الهلال، فمن المعلوم إن للعلم التونسي والتركي وجهان أيمن وأيسر والهلال في كليهما مسند ظهره للرافعة التي تحمل العلم، أما فتحته فهي متجهة نحو الفضاء وذلك إشارة إلى أمرين : حريته وتوجهه نحو الشرق مصدر النور ومطلع الشمس ومبعث الانبياء والرسل ومهد الحضارات بل قل مهبط آدم ومحط سفينة نوح وقد علل أهمية التوجه من اليمين إلى اليسار بعض العلماء فقال : أن قلب الانسان في الجهة اليسرى فنحن عندما نطوف عكس عقارب الساعة يكون القلب أقرب ما يكون ناحية الكعبة وأثبت العلم الحديث أشياء تؤكد أهمية الطواف عكس عقارب الساعة فالدم داخل جسم الإنسان يبدأ دورته عكس عقارب الساعة والالكترونات والنوى تدور عكس عقارب الساعة، فإذا خرجنا عن نطاق الأرض وجدنا القمر يدور حول الأرض عكس عقارب الساعة والأرض تدور حول الشمس عكس عقارب الساعة والكواكب تدور حول الشمس عكس عقارب الساعة، والمجرات بأكملها تدور عكس عقارب الساعة، أي عندما نطوف مع الكون كله نسبح الله في اتجاه واحد، فسبحان الحي القيوم الذي يسبح له كل من في السماوات والأرض.
كيفية وضع العلم
كانت رغبتي في اصلاح هذه الوضعية تخامرني من شهور عديدة وهي التي كانت وراء كتابتي هذه الأسطر من تاريخ العلم التونسي، فقد سبق أن قلنا أن للعلم المرفرف في الفضاء وجهان ولا فضل لأحدهما على الآخر في هذه الحالة، ولكن عندما يكون العلم ساكنا سواء أكان منكسا أو ملفوفا أو موضوعا قرب طاولة أو مشدودا إلى حائط أو نحوه يجب أن نظهر الوجه الأيمن الذي يكون فيه الهلال متجها من اليمين إلى اليسار أي أن يكون اتجاهه كاتجاه الكتابة العربية التي وقع تحديدها من عهد الفينيقيين الذين اخترعوا هذه الأبجدية ،وقد التزمت بهذه الوضعية للعلم حركة الشباب التونسي على رأسها المناضل الكبير والزعيم علي باش حامبة، كما التزم بذلك الحزب القديم من 1920 كما سار على هذا المنوال الحزب الجديد 1934 ولكن عهد الاستقلال وعلى رأسه الزعيم بورقيبة هو الذي غير هذا التوجه في البطاقات الحزبية لسنة 1956 ثم أصلح الحزب هذا الخطأ ولكنه بقي متداولا على المستوى الحكومي في مجالات عديدة في شعار الدولة ووضع العلم بجانب المسؤولين ونحو ذلك، نرجو ممن يهمه الأمر إن يصلح هذا الخطأ.