تلاميذ اليوم يعيشون وسط أحداث يتجاذبها العنف السياسي وعنف الشارع.. وشكل آخر من العنف الايديولوجي بمحاولات بعض الأساتذة فرض ميولاتهم اليمينية او اليسارية عليهم داخل الأقسام. «الشروق» حاولت فتح ملف تأثر التلاميذ بالعنف وتأثيره في الأجيال القادمة، كما حاولت تسليط الضوء على موضوع «دمغجة» العقول اليافعة من التلاميذ والمراهقين، وتحصين أفكارهم من الأفكار الهدّامة والباعثة على الانشقاقات وربما المغتصبة لطفولة الأفكار، وربما الحديث عن تحييد المعاهد والمدارس كما وقع الحديث عن تحييد المساجد. خط رفيع يفصل بين حرية التعبير والدفع بالقوة نحو العنف من خلال اسقاط أفكار «الكبار» من الأساتذة على عقول اليافعين من التلاميذ.
وتحدث بعض الأولياء عن سعي بعض الأساتذة الى توجيه أبنائهم بل ان بعضهم قال إن هناك بعض الأفكار «السامة» او غير المقبولة التي يتم دفع أبنائهم نحوها مطالبين بخطاب متعقل وغير «مجيّش» للأبناء.
ودعا عدد من الأولياء عبر صفحات التواصل الاجتماعي الى تحييد المدارس وعدم استغلال هشاشة المراهقين وعدم نضجهم فكريا.
غسيل الأدمغة
تحدّث الدكتور منذر جعفر (دكتور في علم النفس ومختص في علم النفس التربوي) عن تقديمه لدراسة حول العنف المدرسي بأشكاله الى الوزارة. وأشار الى دور الأستاذ والمربّي في علاقته بالتلميذ والتي تتجاوز الإطار التربوي والمواضيع التربوية لتمس السياسة. وقال إن القسم ليس فضاء لتلقي الايديولوجيات والسياسات. وتحدث عن ضرورة وضع مدرسة لائكية محايدة بعيدة عن الدفع الديني والدفع السياسي. ولاحظ الدكتور منذر جعفر وجود بعض الأساتذة الذين يحاولون القيام ب«غسل دماغ» للتلاميذ والمراهقين، والحال ان هؤلاء لم يتحصلوا بعد على النضج الذاتي والاجتماعي للحديث وتبنّي مواضيع اقتصادية واجتماعية وحتى لطرح نوعية مواضيع. وأضاف ان طرح بعض المواضيع يتطلب أسلوبا ومنهجا وبيداغوجيا خاصة حتى لا يتحول الحديث الى شكل من أشكال التحريض.
عنف غير مباشر
اعتبر الدكتور في علم النفس التربوي الدكتور منذر جعفر أن «حشو» أدمغة التلاميذ الخالية بأفكار مسبقة يؤدي بالضرورة الى ردود فعل والى ممارسات عنيفة تلوح في تصرفات التلاميذ وتعاملهم مع الاساتذة والمحيط المدرسي والكراسي والطاولات.
وأشار محدثنا الى أن من يقوم بالعنف والأعمال التخريبية هم من المراهقين الذين لم يجدوا من يؤطرهم وتم توجيههم. واستغرب من تقاعس الأولياء وعدم قيامهم بدورهم التربوي.
وتساءل من جهة ثانية حول غياب الحكومة وعدم تقديم النخب السياسية للمثال اللازم في طريقة الحوار ونبذ العنف. الدكتور منذر جعفر حذّر من تمرير العنف الى الأجيال القادمة وقال إن ما نشهده اليوم سيولّد أجيالا لا تؤمن بالحرية والحوار وأجيالا عنيفة تؤمن بالعنف المعنوي واللفظي وقانون الغاب ويسهل غسل أدمغتها. كما تحدث دكتور علم النفس عن التأثير السلبي لما يعيشه الكهول من إحباط مما يجعلهم متقاعسين عن تربية الجيل الجديد وغرس الأفكار الصحيحة والمعتدلة فيه.
تحييد المدارس
أكد السيد لسعد اليعقوبي (الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي)، ان هناك بعض التجاوزات التي تحدث في المؤسسات التربوية.. ولاحظ ان هناك عددا من الأساتذة يقومون بتجاوز البرامج التعليمية ويتحدثون عن محاور لها علاقة بالدين والسياسة.
وأضاف انه من المهم التركيز على المضمون والنقد البنّاء والتحليل وتسهيل فهم الظواهر. في المقابل انتقد محدثنا ما يروّج له بعض الأساتذة من فكر تحزبي وإيديولوجيا وأكد ان النقابة والأساتذة ضد هذه التجاوزات التي تقع في قاعات الدرس والتي لا يمكن الا ان تشرع للعنف وتفتح المؤسسة التربوية على التجاذبات، أما الضحية فهو التلميذ.
ودعا من جهة ثانية الى تحييد المدارس والفضاء التربوي حتى لا يتحوّل الى منبر للدعاية الحزبية وعدم استقطاب أبنائنا حزبيا. واعتبر انه من المخطير تصدير المشهد السياسي الحالي الى الاقسام خاصة مع وجود عدم نضج سياسي وتعصب.. كما ان الساحة السياسية لم تقدم ولم تعط النموذج والمثال لحوار ديمقراطي هادئ وبنّاء وهو ما ينعكس على نقاشات أبنائنا.
ومن جهة أخرى، قال السيد لسعد اليعقوبي إنه وعند وصول بلادنا الى مرحلة من النضج الديمقراطي سيسهل من خلال المؤسسات التربوية طرح القضايا دون الاضرار بالأبناء.
وكانت نقابة التعليم الثانوي قد طالبت باصلاح تربوي من خلال منظومة كاملة ومن خلال اصلاح الزمن المدرسي وخلق فضاءات رأي وإبداع في مجال الثقافة وغيرها وفي إطار شامل وعدم اختصارها في مادة.
وقال إن الأستاذ مطالب بتقديم المادة العلمية... وحماية الأبناء من المظاهر الخطيرة مثل العنف وتلقينهم أهمية الحوار ونبذ العنف لكن دون «أدلجة» ولا الزج في التحزّب في اتجاه أو آخر.