انطلق المخرج السينمائي حبيب المستيري منذ حادثة اغتيال الناشط السياسي والحقوقي شكري بلعيد في تصوير شريط وثائقي عن الفقيد سيعرض بعد ثلاثة أشهر من الآن كما أكد ذلك مخرج الفيلم. هذا الخبر الذي خصّنا به حبيب المستيري كان موضوع حوار أجريناه معه وفيه تحدث عن تفاصيل فيلمه الأخير عن الشهيد شكري بلعيد فيلم وثائقي اختار له عنوان «الشهيد السعيد» هذا الفيلم كما تحدث عنه مخرجه، جاء في فترة كان حبيب المستيري قد بدأ فيها مشروعا سينمائيا آخر عن السياسي أحمد بن صالح عنوانه «حلم الإشتراكية» وأكد المخرج حبيب المستيري أنه بدأ مشروع فيلمه عن شخصية شكري بلعيد، بعد الاتفاق مع عائلة الفقيد وأصدقائه ورفاقه بالجبهة الشعبية موضحا، أنه سيشتغل على ثلاثة جوانب تهم هذه الشخصية.
3 جوانب في شخصية الفقيد
الجانب الأول سيعمل فيه على إبراز شخصية شكري بلعيد الانسان وذلك مرورا بأغلب المراحل أي منذ طفولته مرورا بمرحل الدراسة والتجنيد وصولا إلى التدريس والمحاماة بغاية اكتشاف الجوانب الحفية لهذه الشخصية من خلال المواقع التي زارها ومن خلال الشهادات الحية.
أما الجانب الثاني الذي تحدث عنه «المستيري» فسيهتم بشخصية شكري بلعيد المناضل السياسي والحقوقي بداية من مسيرته في الحركة التلمذية مروا بالحركة الطلابية وصولا إلى العمل السياسي والحقوقي على غرار الاحتجاجات في عمادة المحامين والدفاع عن المناضلين وخاصة ضحايا الحوض المنجمي، كما سيكشف الفيلم، على حدّ تعبير محدثنا دفاع بطل فيلمه كمحامي عن خصومه السياسيين ومنهم بعض السلفيين فضلا عن أحداث سليمان وحالات أخرى بعد الثورة.
الجانب الثالث كما تحدث عنه مخرج فيلم «الشهيد السعيد» يعنى بشكري بلعيد البطل الأسطوري وقال محدثنا في هذا السياق : «بموته بات شكري بلعيد أسطورة لكونه انسانا يحلم بتغيير موازين القوى لصالح الفئات الضعيفة وهو كفرد لم يحقق حلمه، لكن بموته حقق معجزة حين جمع التونسيين حوله بقطع النظر عن المليون ونصف من الذين حضروا جنازته».
وأضاف المخرج حبيب المستيري بأن اغتيال شكري بلعيد مثل فارقا في حياة التونسيين حين قال : أحسست بعد إغتياله أنه ثمة شيء غير عادي في نفسية التونسي وسأشتغل على هذا الشيء في الجزء الثاني من الفيلم».
كما شدد «المستيري» على أن فيلمه عن الفقيد شكري بلعيد سيتضمن ثلاثة أنواع من المواد الأول توثيقي ويحتوي صورا شمسية أو فوتغرافية ومقاطع فيديو قديمة وحديثة وقال في هذا الصدد لذا سنلجأ إلى كل الوثائق المتوفرة لدى العائلة والأصدقاء وسنستغل كل الوثائق في تونس وخارجها».
أما النوع الثاني فسيكون في شكل شهادات واستجوابات مع أفراد عائلته المصغرة وعائلته الحقوقية والسياسية وأصدقاء الدراسة وزملائه المحامين في تونس وخارجها. بالاضافة إلى شهادات شخصيات سياسية من اتجاهات مختلفة قد تختلف مع شكري بلعيد، وبخصوص النوع الثالث فسيشمل تصوير المناطق التي عاش فيها شكري بلعيد داخل تونس وخارجها على غرار فرنسا والعراق.
رحلة «الشهيد السعيد»
عنوان الفيلم كان محور سؤال طرحناه على محدثنا فأجاب بأن فيلمه الوثائقي عن الفقيد شكري بلعيد سيكون بمثابة رحلة عبر المكان والزمان في مراوحة فنية بين الماضي والحاضر، رحلة ، قال عنها مخرجها ستنتهي بنهاية سعيدة فشكري بلعيد والكلام لمحدثنا «انتهى شهيدا سعيدا لأنه جمع التونسيين بموته وبذلك حقق حلمه بموته وجمع التونسيين في أصعب الأوقات مذكرا الجميع بالأيام الأولى للثورة لما كان التونسيون يدا واحدة».
غياب الدعاية السياسية
وعلى صعيد آخر أوضح المخرج حبيب المستيري أن فيلمه لن تكون فيه دعاية سياسية أو بروبقندا سياسية كما جاء على لسانه ولن يكون فيه دعوة إلى الثأر بل سيكون تثمينا لمشروعية أفكار شكري بلعيد ولمسيرته النضالية بالاضافة والكلام لمحدثات إلى محاولة إيصال رسالة مفادها أنه في القرن الواحد والعشرين ثمة أشخاص يحملون أفكارا، وكما هو معلوم الأفكار هي محرك الشعوب ومن هذا المنطلق يقول المستيري : «يجب أن تستخلص الأجيال المقبلة البطولة الحديثة من خلال شخصية شكري بلعيد البطل المعاصر الذي عاش وضحى وناضل وأغتيل فكان موته بداية منعرج جديد في حياة تونس، وفي حياة اليساريين في تونس». وشدد محدثنا على إن فيلمه هو رفض لثقافة الموت وإنشاء لثقافة حب الحياة.
الدين حاضر
وبخصوص الجانب الديني في حياة شكري بلعيد أكد حبيب المستيري تواجده في فيلمه عن الفقيد مشيرا إلى أن بطل فيلمه كان مستوعبا لأسس الكتب المهمة في الثقافة العربية الاسلامية وكان من حفظة القرآن الكريم بالاضافة إلى أنه كان مدافعا بشراسة عن العروبة وعن الجذور التاريخية للشعوب العربية. وواصل قائلا : «الفقيد كان لديه إضطلاع واهتمام كبيران بالثقافة العربية الاسلامية وهذا انعكس في بعض حواراته وخاصة مع الشيخ عبد الفتاح مورو ومسألة تكفيره هي نوع من الغباء أو رفض لإستعمال العقل وهذا نتاج جهل وغسل للعقول في حين أن الاسلام هو إعمال العقل»
الفقيد شاعر ومسرحي
وأكد المخرج حبيب المستيري أنه في بحثه في الوثائق اطلع على قصائد كتبها شكري بلعيد لكنه أوضح أن الفقيد قد انقطع عن كتابه الشعر عندما تعرّف على زوجته.
وأبرز محدثنا في ذات السياق بأن ما لا يعرفه البعض عن شكري بلعيد أنه كان ممثلا مسرحيا عندما كان ينشط بنادي المسرح بدار الثقافة جبل الجلود. وعرّج في هذا الصدد على أرملة الفقيد حين أبرز أن جزءا من أفكار شكري بلعيد موجود في زوجته مشيرا إلى كونها مثالا للمرأة القوية والإيجابية.
موسيقى خاصة وإنتاج ذاتي
ومن جهة أخرى خصنا المخرج حبيب المستيري بأن الموسيقى التصويرية لفيلمه عن شكري بلعيد ستكون موسيقى خاصة بالفيلم هي من إبداع فنان قريب من شكري بلعيد وأحد أصدقائه لكن محدثنا رفض الافصاح عن إسم هذا الفنان.
وشدّد مخرج وثائقي «الشهيد السعيد» على أن فيلمه ينجز بإمكانيات ذاتية لبعض شركات الانتاج وأصدقاء الفقيد وهو فيلم من أفلامه التي توثق لمراحل من تاريخ البلاد التونسية.
وأكد في سياق تعليقه على سؤالنا بخصوص ثلاثية الأبعاد في فيلمه أن «الشهيد السعيد» سيكون ثلاثي الأبعاد على مستوى المضمون وعلى مستوى تناول الشخصية لكنه لن يكون ثلاثي الأبعاد تقنيا لأن ذلك شبه مستحيل على حدّ تعبيره.
لكن يبقى التساؤل الأكبر قائما عن قاتل شكري بلعيد فذلك قد يفتح زوايا جديدة على تركيبة الفيلم كما أكد مخرجه.