انتهت مشاركة الحكم علي بوجسيم، ببطولة الأمم الافريقية تونس 2004 ولم تنته توابعها، فالبعض رأى أن بوجسيم انقذ البطولة عندما نجح في ادارة أهم ثلاث مباريات في أسبوع واحد، والبعض رأى أن بوجسيم ارتكب بعض الأخطاء التي أثارت بعض الجدل. بوجسيم نفسه من حقه ان يقول كلمته وان يوضح وجهة نظره في الوقائع التي شهدتها المباريات التي ادارها ويسعدنا ان ننفرد بهذا الحوار الخاص مع بوجسيم الذي تربطه ب الاتحاد الرياضي علاقة تاريخية. * وفي بداية الحوار الذي دار في ضيافة علي بوجسيم بعد ساعات من وصوله من تونس الى الامارات سألناه: الى أي مدى تشعر بالرضا والارتياح على ادائك في نهائيات بطولة الأمم الافريقية الاخيرة؟ بوجسيم: صدقني بأنني اشعر بكل الرضا ويكفي أنني ادرت أهم ثلاث مباريات بالبطولة خلال أسبوع واحد وبلغت ثقة رجال الاتحاد الافريقي بامكاناتي وقدراتي وخبرتي حد تكليفي بادارة مباراتين فيهما طرفان عربيان الاولى بين مصر والكاميرون والثانية بين تونس والسنغال وذلك بعد ساعات من ادارة مباراة نيجيريا وجنوب افريقيا في اطار المجموعة الرابعة_ وبصراحة لم اتردد في المشاركة في هذه البطولة، برغم قناعتي بأنها اقل قيمة من كأس العالم التي شاركت فيها 3 مرات وكان هدفي من الذهاب الى تونس هو تحقيق ارقام قياسية جديدة حيث حصلت بعد المشاركة الأخيرة على لقب الحكم الوحيد الذي شارك في نهائيات بطولة الامم الافريقية 4 مرات والحكم الوحيد الذي ادار 12 مباراة في تاريخ البطولة بمعدل 3 مباريات في كل مرة_ واعترف ان مباراة تونس والسنغال كانت الأصعب من بين المباريات التي توليت ادارتها في تونس 2004 لعدة أسباب: اولا: ان الفريقين يجيدان التحدث باللغة الفرنسية، مما يوجد مناخا لكثرة الاحتكاك والتحاور بينهما في كل لحظة. ثانيا: ان منتخب تونس هو صاحب الارض والجمهور ولديه رغبة جامحة في مواصلة مشواره الى عرش البطولة، بينما يسعى منتخب السنغال لتعويض ما فاته قبل عامين عندما حل وصيفا لمنتخب الكاميرون حامل اللقب وذلك في بطولة مالي 2002 . ومنذ اللحظة الأولى للمباراة شعرت ان اللقاء سيجري فوق صفيح ساخن، وكنت حريصا على أن أكون على مقربة من كل واقعة حتى أعطي كل ذي حق حقه وانتهت المباراة وأنا أشعر بالرضا الكامل على مستوى ادارتي لها. * دعنا نتوقف عند بعض الحالات التي رافقت المباراة وأثارت بعض الجدل... وبعضهم يسأل لماذا احتسبت هدف تونس برغم ان البعض رأى أن بداية اللعبة خطأ لصالح الحاج ضيوف؟ ولماذا تساهلت مع النجم السنغالي الحاج ضيوف، برغم انه كان يستحق الطرد بعد ان تجاوزت تصرفاته كل الحدود؟ ولماذا كل هذا الكم من الانذارات للاعبي منتخب تونس؟ ولماذا احتسبت عشر دقائق كاملة كوقت محتسب بدل الضائع؟ بوجسيم: بمشاهدة هدف تونس عبر الفيديو في الاجتماع التحليلي الذي عُقد في اليوم التالي تأكد الجميع من ان هدف تونس لا تشوبه شائبة، من منطلق أن لاعبي تونس لم يرتكبوا خطأ ضد الحاج ضيوف يستوجب احتساب خطأ لصالح السنغال، وأن لاعبي تونس مرروا الكرة اكثر من مرة قبل أن يتمكنوا من احراز هدف المباراة الوحيد، ولأنني أعلم ان هذه الواقعة اثارت كثيرا من الجدل فاسمح لي أن أوضح ان الحاج ضيوف كان متواجدا في وسط الملعب وحوله ثلاثة لاعبين توانسة وحاول ضيوف جاهدا الاستحواذ على الكرة ومحاولة الايحاء بارتكاب خطأ ضده، وهو معروف بالتمثيل، وسبق ان أدرت مباراة السنغال وفرنسا في افتتاح مونديال 2002 واعرف تصرفاته جيدا، ولم يكن لدي أدنى شك في أن الدفاع التونسي لم يرتكب أي خطأ ضد ضيوف، لذا لم أتردد في احتساب هدف تونس الذي تم على ثلاث مراحل قبل ان تتحول الكرة داخل المرمى. وفيما يتعلق بالتساهل مع الحاج ضيوف وعدم طرده فإن الاخطاء التي ارتكبها ضيوف داخل الملعب لم تكن من بين أخطاء سوء السلوك التي يستحق عليها الطرد حتى عندما احتضن راية الركنية فإن هذا التصرف يعني الاحتجاج ولكن باسلوب مقبول لا يستوجب العقوبة، وما حدث من ضيوف خارج الملعب تم في اللحظة التي سعيت فيها لاعادة الهدوء والانضباط داخل الملعب، وبحق فإنني توقعت دورا أكبر خارج الملعب خاصة في التعامل مع اللاعبين البدلاء لمنتخب السنغال الذين اندفعوا الى داخل الملعب للاحتجاج على احتساب الهدف التونسي، ويكفي ان الاتحاد الافريقي قرر ايقاف ثلاثة مسؤولين سنغاليين وحرمانهم من الجلوس على مقاعد البدلاء لمدة عام وذلك لدخولهم أرض الملعب خلال المباراة، ومشكلة المنتخب السنغالي انه كان مشدودا ومتوترا منذ بداية المباراة وحتى نهايتها. وعن كم الانذارات التي منحها للفريق التونسي أكد أنه على قناعة كاملة بمنطقية كل انذار وجهه خلال المباراة، بغض النظر عن مدى تأثير أي انذار على موقف اللاعب المخطئ في المباراة التالية. وأوضح ان احتساب عشر دقائق كوقت بدل الضائع جاء نتيجة اضاعة الوقت بشكل مبالغ فيه خلال الشوط الثاني «لم أتردد في الاشارة إلى الحكم الرابع بكل أصابع اليدين لإحتساب عشر دقائق كاملة بعد أن تفنن لاعبو تونس والسنغال في اضاعة الوقت، وبرغم أن أحد الحكام التوانسة قال بعد المباراة ان الوقت المحتسب بدل الضائع كان غير منطقي لأنه كان يمكن أن يخدم الفريق المخطئ أي الذي أضاع الوقت، ويقصد منتخب السنغال، فإن هذا الكلام، مردود عليه، فهو لم يرد في أي نص قانوني، بينما يؤكد قانون اللعبة أن الحكم هو الميقاتي الوحيد، وعليه أن يحتسب الوقت بدل الضائع بغض النظر عن امكانية استفادة الفريق المخطئ من ذلك». وما يؤكد أن احتجاجات بعض الأخوة التوانسة على احتساب 10 دقائق وقتاً بدل الضائع لم تكن سوى آراء عاطفية، تلك الروح الطيبة التي قابلني بها التوانسة خلال تجولي في شوارع المدينة حيث مازحني بعضهم قائلا: لقد وضعتنا تحت ضغط هائل في آخر عشر دقائق من المباراة، بينما قال بعض المراقبين انني بذلت خلال الوقت المحتسب بدل الضائع ثلاثةأضعاف الجهد الذي بذلته اثناء المباراة لادراكي بأن هذه اللحظات الحاسمة لا تحتمل ارتكاب أي خطأ، وبالمناسبة فإنني لست أول حكم في العالم يحتسب 10 دقائق كوقت بدل الضائع، فقد سبقني إلى ذلك الحكم الاسكتلندي لوترام في نهائيات مونديال أميركا 1994 . الود المفقود يضيف علي بوجسيم بالقول: شعرت طوال المباراة أن الود مفقود تماماً بين لاعبي الفريقين، واعترفوا بعد ذلك بأن كلاً منهم دخل المباراة تحت ضغوط نفسية هائلة انعكست على تصرفاتهم أثناء المباراة. وأضاف إن إقامة المباراة تحت الضباب الكثيف انعكس سلبياً على المشاهد، ولم أتأثر به على الإطلاق حيث كانت الرؤية واضحة بالنسبة لي لمسافة كبيرة، برغم أنها المرة الأولى التي أدير فيها مباراة في هذه الأجواء، بينما تعودنا على إدارة مباريات تحت الأمطار. * بصراحة ألم يشكل كونك حكما عربيا ضغطا عليك في ادارة مباراة تونس والسنغال التي تضم طرفا عربيا، وهل حاولت أن تقسو على المنتخب التونسي لاثبات حيادك الكامل؟ بوجسيم: عندما أدخل أرض الملعب أتجرد من أي انتماء وهو ما يشجع المسؤولين على اسناد مثل هذه المباريات لي دون أن يخشوا من وقوعي في فخ الانحياز لطرف على حساب آخر ويكفي أن لجنة حكام مونديال 1998 اسندت لي ادارة مباراة المغرب مع اسكتلندا، كما سبق أن استعانت لجنة الحكام الافريقية بي في ادارة مباراة نيجيريا والمغرب في بطولة افريقيا 2000 وكنت متواجدا في ذلك الوقت في غانا ومع ذلك كلفوني بالسفر فورا إلى نيجيريا لادارة مباراة ساخنة بين نيجيريا والمغرب وعدت بعد المباراة إلى غانا على متن طائرة عيسى حياتو رئيس الاتحاد الافريقي الذي أشاد بأدائي، مثلما أشاد بنجاحي في ادارة مباراة تونس والسنغال في بطولة 2004 وأكد المسؤولون بالاتحاد الافريقي انني أنقذت البطولة من مشكلة حقيقية، لو لم تكتمل تلك المباراة. * احتسبت ركلة جزاء لصالح منتخب نيجيريا في مباراته مع جنوب افريقيا واختلفت الآراء أيضا حول منطقية احتساب هذه الركلة... ما تعليقك؟ بوجسيم: بالفعل أثارت هذه الواقعة جدلا واسعا اعتقد البعض انني ظلمت منتخب جنوب افريقيا باحتساب ركلة الجزاء ولكن تحليل الفيديو أنصفني تماما، حيث أكدت الاعادة أن مدافع جنوب افريقيا اراد أن يحول بين كانو وبين الوصول إلى الكرة فأبعد الكرة بيده، وكانت زاوية الرؤية واضحة تماما بالنسبة لي، وبعد المباراة سأل مراقب الحكام المساعد الصيني فأكد له أن المدافع سحب الكرة بيده حتى لا يصل إليها كانو، وعند تحليل الواقعة في اليوم التالي تأكد الحكام من صحة قراري، برغم أن بعض الحكام يؤثرون السلامة في مثل هذه الحالات ويحتسبون الخطأ على المهاجم، ولكن كنت على قناعة كاملة بصحة قراري فلم أتردد لحظة واحدة في إحتساب ركلة الجزاء. * وماذا عن مباراة مصر والكاميرون؟ بوجسيم: كنت أدرك قبل بداية المباراة مدى حساسية الموقف، فاللقاء أشبه بمباريات خروج المغلوب، فضلا عن منتخب مصر يدخل المباراة وهو يشعر بأنه تعرض لظلم تحكيمي من حكم لوكمسبورج الذي تغاضى عن احتساب ركلتي جزاء صحيحتين لصالح منتخب مصر في مباراة الجزائر، بدليل استبعاده بعد ذلك من إدارة أي مباراة أخرى بالبطولة، كما أن منتخب الكاميرون هو حامل اللقب ولا يقبل أن يودع البطولة من الدور الأول، وبرغم كل هذه الملابسات إلا أن الأمور مرت على ما يرام دون ارتكاب أية أخطاء، وحرص الفريقان على مصافحتي في نهايتها. * بصراحة ماذا أضافت لك المشاركة في بطولة الأمم الافريقية بتونس؟ بوجسيم: عودة للساحة الافريقية، بعد غياب عن بطولة مالي 2002 لإيقاف التعاون بين الاتحادين الآسيوي والافريقي. ثانيا: رغبة الاتحاد الآسيوي في العودة القوية للتعاون مع الاتحاد الافريقي، بترشيح أفضل حكام في آسيا للمشاركة في إدارة مباراة افريقيا. ثالثاً: تأكيد الاستمرارية بعد الابتعاد عدة شهور بسبب الإصابة، وبالمناسبة فإنني لم أدخل بطولة وخرجت منها قبل الأدوار النهائية، علما بأن العديد من الحكام يغادرون البطولة بعد الدور الأول، ولحسن الحظ فإنني أحظى دائماً بترشيح الاتحاد الآسيوي، وبمباركة الاتحاد الافريقي، وهي شهادة رائعة للتحكيم الإماراتي.