لم تكد تظهر بوادر انتفاضة فلسطينية ثالثة بعد استشهاد الأسير الفلسطينيعرفات جرادات بسبب التعذيب الذي تعرّض له في سجون الاحتلال، حتى هبّت السلطة الفلسطينية إلى منع الانتفاضة قبل انتشارها وبذلت الجهود السياسية والأمنية اللازمة لامتصاص الغضب الشعبي وإجهاض مفاعيله الثورية، ساندتها في هذا الهدف مُنظمة التحرير الفلسطينية التي أصدرت بَياناً «تاريخيا» يحذّر الفلسطينيين من مغبّة الانجرار إلى مثل هذا الردّ الذي لا يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية في هذا الوقت ويعتبر الانتفاضة فخّاً نصبته لهم «إسرائيل»...!!!. قالتها سلطة أوسلو بالفم الملآن: لن نسمح بانتفاضة ثالثة. ولم تسمع كلمة واحدة من سلطة غزّة. والسكوت علامة الرضا كما يقال!. لكن إذا كانت سلطة رام الله مكبّلة بقيود اتفاقية أوسلو، ولا تستطيع الخروج عن وظيفة حماية أمن إسرائيل التي ألقيت على عاتقها بموجب الاتفاقية سيئة الذكر، فلماذا غاب صوت من يفترض أنهم أهل المقاومة والتحرير؟!. والجواب أنّ هؤلاء قد اتجهوا، في إطار التوجّه السياسي العام للأخوان المسلمين، إلى التصالح مع العدوّ الصهيوني. فقد أصبحت أولوية الاخوان اليوم الوصول إلى السلطة واحتكارها في الأقطار العربية بأية وسيلة، وحتى لو كان ذلك على حساب الثوابت الوطنية والقوميّة وفي مقدمتها قضيّة فلسطين. ومن هُنا نفهم لماذا أصبح الفلسطينيون ممنوعين من إشعال الانتفاضة الثالثة ضدّ الاحتلال، ولماذا أصبحت إسرائيل صديقاً عزيزاً على حدّ ما أتحفنا به الرئيس الاخواني مرسي في مخاطبة الرئيس الإسرائيلي، وأمريكا والغرب حليفاً استراتيجياً في محاولة القضاء على محور المقاومة في المنطقة ممثلا بسورية وحزب الله وإيران... وتلك هي خيانة فلسطين قضيّة الأمّة المركزية وعمود مشروعها القومي، تلك هي خيانة سورية التي ارتكبت خطيئة احتضان المقاومة والإصرار على التصدّي للمشروع الامبريالي الصهيوني في الوطن العربي والمنطقة، فاستحقت هذه الحرب الإرهابية الكونية الشرسة.
ولعل أكثر ما يؤلم في هذه الخيانة أنّها تتغطى بالإسلام وتتخذ منه ذريعة ومبرّرا والإسلام الحق براء من القتل والإرهاب والتكفير مثلما هو براء من الانهزام والاستسلام للعدو... وما يجري للأسف أنّ قوى الظلام والاستسلام يخطفون الإسلام ويشوّهونه، وهم يستخدمونه لتمرير مخططاتهم ومصالحهم التي تلتقي وتخدم مصالح أمريكا وإسرائيل، بل يسيئون إليه الإساءة الأكبر في تاريخه، الإساءة التي لن تغفرها جماهير الأمّة على امتداد الوطن الكبير، مثلما لن تغفر لهم أبداً وقوفهم ضدّ العروبة وقلبها النابض: سورية.