أثارت استقالة أبو يعرب المرزوقي من خطته كنائب بالمجلس الوطني التأسيسي ردود أفعال المبدعين والمثقفين التونسيين بين مستغرب ومستنكر لهذه الاستقالة وبين رافض لدخوله الحياة السياسية. وقد أعلن النائب في التأسيسي عن حركة النهضة أبو يعرب المرزوقي في الأيام الماضية عن إستقالته من المجلس الوطني التأسيسي لأسباب عديدة أهمها وحسب تصريحه «أن ما يحصل لا يبشر بخير» وقال «صابرت سنة كاملة لأني كنت أظن التردد في تحقيق ما جئت من أجله علته لزاحم الأولويات في حكومة لازال أغلب أعضائها دون الخبرة المطلوبة ولازال رئيسها نهبة لإرادات متعارضة تمثلها أحزاب الترويكا التي تفجرت لكونها في الحقيقة ليست أحزابا بل نواد لأشخاص كل منها يعتبر نفسه زعيما.»
ولعل إبقاء بعض الأسماء على رأس بعض الوزارات في الحكومة الجديدة يؤكد أيضا كلام أبو يعرب المرزوقي الذي جاء قبل تشكيل الحكومة الجديدة حين قال «تأكدت أن الأهداف التي سعيت إليها وهي خمسة لا غير لم تكن من أولويات أهل الحلّ والعقد بل لم يكن من أولوياتهم إلا تأبيد بقائهم وأهليهم في الحكم بدليل الإبقاء على نفس الأسماء في الوزارات والإدارات..» أبو يعرب المرزوقي المثقف والفيلسوف والكاتب التونسي المعروف كان نقطة إضاءة في المجلس الوطني التأسيسي بما يتمتع به الرجل من دراية في مجالات المعرفة والعلم والثقافة رغم بعض المؤاخذات عليه.
استغراب وتساؤل واستنكار
وحول استقالته يتفاعل المثقفون والمبدعون التونسيون وتقول في هذا الصدد الكاتبة جميلة الماجري أنها لم تستغرب إستقالة المرزوقي بقدر ما استغربت انتماءه إلى حركة النهضة فهي ترى أن المبدع يجب أن يكون مستقلا أو لا يكون. نفس الشيء أكده الكاتب منصف الوهايبي الذي استنكر انضمام «أبو يعرب المرزوقي » إلى أعضاء المجلس التأسيسي ويتساءل الوهايبي «ما الذي دفع بالمرزوقي إلى الاستقالة»؟ مضيفا أن ما يجب أن يحصل اليوم هو إستقالة كل أعضاء التأسيسي وأعاب على المعارضة إنشدادها إلى مقاعد التأسيسي في الوقت الذي كان بإمكانهم إصلاح ما خربته حكومة الجبالي. وقد قال عنها أبو يعرب المرزوقي في نصّ إستقالته «الأمر الذي سيفشل المشروع الإصلاحي أن الحركات الاسلامية ليست ساعية إلى الاصلاح بقدر ماهي ساعية إلى التحكم ومن ثمة فلا يحق لها الكلام عن الاصلاح فضلا عن قيم الاسلام وبهذا المعنى فإن الإكثار من الكلام بمبتذلات الخطاب الديني حتى كادت الاجتماعات السياسية تتحول إلى خطب جمعة يصبح مجرد استغفال للشعب لأن الأقوال المخالفة للأقوال ليس أدل منها على النفاق..» وقد أراد أبو يعرب المرزوقي من خلال كلامه أن يؤكد على نفاق الحكومة واستهزائها واستغفالها للشعب.
وقد جاءت إستقالته من المجلس التأسيسي على خلفية ما اكتشفه من تجاوزات للحزب الحاكم. وفي تدخله المقتضب قال آدم فتحي أن خلاصة رأيه أنه لا يستغرب إستقالة أبو يعرب المرزوقي من التأسيسي بقدر ما استغرب دخوله حركة النهضة.
المثقف لا يمكن أن يمتهن السياسة
وللدكتور عبد القادر الجديدي تحليل آخر لاستقالة أبو يعرب المرزوقي ويقول «إن الدكتور قد ترشح في قائمة حرة غير منتمية وعندما وقع تعامله مع حركة النهضة رأى فيها أغلب من يعرفه ومن لا يعرفه أنه أصبح إنتهازيا ولكن في الحقيقة ليس الأمر كذلك مطلقا لأن الرجل والصديق أسمى من ذلك بكثير وإنني أعتقد أنه عندما مدّ يده إلى حركة النهضة كان يعتقد ككل مثقف حقيقي أنه يستطيع تغيير تصرفات النهضة بطريقة عقلانية وذات مرجعية ولكن الأمر لم يكن كذلك وإن دلّ هذا على شيء فإنه يدلّ بالخصوص على أن المثقف والمفكر لا يمكن له بأية حال أن يمتهن السياسة وهذا أمر معروف إنطلاقا من بداية الثورة الفرنسية وبالتالي فإنني فرحت كثيرا وليس ذلك بمجرد خروجه من النهضة بل لنزاهة فكره ونقاوة نفسه ولم يرض بمواصلة التعامل مه حركة كان يعرف منذ البداية أنها تحتوي على متناقضات كثيرة...»يضيف عبد القادر الجديدي إن الدكتور «أبو يعرب المرزوقي» جرّب التغيير من الداخل وفشل كما جرّب وفشل الأستاذ حمادي الجبالي وليس في ذلك عيبا بل العيب كل العيب أن يواصلا داخل الحركة راضخين إلى العديد من المتناقضات...إني أرجو أن لا يتسرع المثقفون في بلادنا في أحكامهم التي قد تكون جائرة لأن معدن الرجل سليم وصحيح وإنني أعتقد جازما أن هذا القرار المهم سيؤثر إيجابيا في حركة النهضة الحاكمة لأن فقدان رجل من هذا الحجم ليس أمرا سهلا. حتى عندما كان «أبو يعرب المرزوقي» داخل التأسيسي فإنه لم يفقد خطّ المثقف التونسي والوطني...أنا سررت كثيرا بهذه الاستقالة لأني سأتمتع بجلساته خارج الحركة».
أبو يعرب المرزوقي في أسطر
أبو يعرب المرزوقي فيلسوف تونسي من مواليد 1947 من ولاية بنزرت حائز على إجازة في الفلسفة من جامعة السّوربون سنة 1972، أستاذ للفلسفة في كلية الاداب في الفترة الممتدّة بين 1980و2006 عضو في المجلس الوطني التأسيسي ممثلا عن حركة النهضة الاسلامية بعد أن ترشح للانتخابات في 23 أكتوبر 2011 وفاز بمقعد في التأسيسي وعيّن مستشارا لرئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي لكنه قدّم استقالته من المجلس في 6 مارس 2013 واعتزل السياسة. ومن مؤلفاته «الاجتماع النظري الخلدوني والتاريخ العربي المعاصر» و«الثورة القرآنية وأزمة التعليم الديني».