هذه ليست تونس التي نعرفها، هذه ليست تونس عروس البلدان ورمز الفرح الدائم ومهد التاخي والتضامن والتكافل والتسامح، هذه ليست تونس التي كانت تتبوّا صداره البلدان في المحبة والمودة والوسطية والاعتدال ، هذه ليست تونس التي كانت تسع الجميع الإسلامي والعلماني واليهودي والمسيحي ، مرسّخة بذلك المبادئ الانسانية في أجل مظاهرها، هذه ليست تونس التي نعرفها والتي عشنا فيها إخوانا آمنين مطمئنين قانعين رغم شح الموارد وقلة ذات اليد، هذه ليست تونس التي نعرفها، الحضن الدافئ ونبع الحنان الذي لا ينضب معينه أين هي تونسنا؟ لقد سرقوها منّا، وغيّروها وشوّهوها ودنسوها وزرعوا الفتنة بين أبنائها وضللوا شبابها ، وقطفوا زهراتها قبل أن تتفتح على ربيع جعلوه ربيعا قاتما كله عواصف وأعاصير وأنواء بعد أن كان ربيعها بهيجا يتفتح في الأقحوان وشقائق النعمان وتعمّ أجواءها روائح الفلّ والياسمين والإكليل والزعتر وتنتشر في تلالها وسهولها العائلات وفلذات الأكباء لاستقبال ربيع تونس مفعمين بالفرح والأمل أينك يا ربيع تونس الذي كان؟ حتى البسمة اغتصبوها من ثغور الأطفال وحل محلها الحزن والخوف من الحاضر المهول والمستقبل المجهول وسيف الجهل المسلول هذه ليست تونس التي نعرفها تونس التي نشاهدها اليوم لا نعرفها ولا تشبهنا في شيء، تونس اليوم ليست تونس الأمس، تونس التي ناضل لتحريرها الأحرار وعذب وسجن من أجلها الثوار ومات في سبيلها الشهداء الأبرار أصبحت قلبة للصراع المرير على السلطة وساحة حرب يستباح فيها دم الشقيق والصديق ورفيق الطريق، وتداس فيها القيم وتذبح فيها الفضيلة وتمارس في جنباتها الرذيلة وتغتال فيها الطفولة ويستعمل فيها المتصارعون والمتكالبون على السلطة كل الأساليب اللا أخلاقية وغير المشروعة للانقضاض على الحكم لأنه هو الغاية والوسيلة...هذه ليست تونس التي نعرفها ، تونس المسلمة إسلام الاعتدال والتوازن أصبحت تنعت بالكفر والضلال تونس الجامع الأعظم ، تونس الطاهر والفاضل بن عاشور والحدّاد وعبد الفتاح مورو تستورد الوعّاظ وفيها من العلماء ومن المثقفين ما يكفي لتقديم الدروس في الوعظ والإرشاد الواعي والمسؤول لكافة البلدان الاسلامية... ألا أيها الساسة، يا من ركبتم صهوة ثورة الشعب البائس المكلوم، المهمش المظلوم، الجائع المحروم، اتركوا الثورة لأصحابها الشرعيين الذين انتفضوا في وجه الطغيان ضد الجوع والحرمان والبطالة والاقصاء والتهميش والترهيب والهرسلة ممنّين النفس بأن يحصلوا على نصيبهم من الحياة لكنكم أيها الساسة الذين لا تفهون في السياسة خذ لتموهم وخيّبتم ظنهم، فماذا كانت المحصلة؟ المحصلة في أعلى الهرم صراع على السلطة وتكالب شرس على المناصب وسباب وشتائم وقذف واتهامات ومجلس تأسيسي لم يؤسس لأي شيء والذي تحوّل إلى ميدان لصراع الديكة وتأجيج الصراعات وتعميق الخلافات ونشر الفرقة بين الفرقاء، أيها الساسة أو المتسيّسون أعيدوا لنا تونسنا، خذوا كراسيكم، خذوا ميليشياتكم ، خذوا مجلسكم التأسيسي وارحلوا، واتركوا لنا تونسنا، تونس الحب والود، تونس المجد، تونس السلم والسلام، تونس الأمن والأمان، اتركوا لنا تونسنا عذراء خضراء كما عهدناها، ولادة وسادة كما ألفناها...ارحلوا وإلا سوف يرحّلكم من رحل من هو أقوى منكم عدة وعتادا.