أكّدت دراسة أصدرها مؤخرا مركز الدراسات الاجتماعية في مصر، ان نسبة 35 من الفتيات في كل من الكويت وقطر والبحرين والامارات بلغن مرحلة العنوسة، مقابل 30 في كل من السعودية واليمن وليبيا وبلغت هذه النسبة 20 في كل من السودان والصومال. 10 في سلطة عمان والمغرب، في حين لم تتجاوز في كل من سوريا ولبنان والاردن 5، وبلغت العنوسة ادني مستوياتها في فلسطينالمحتلة حيث تمثل نسبة الفتيات اللاتي فاتهن قطار الزواج 1 فقط. وكانت اعلى نسبة في العراق اذ وصلت الى 85. والمثير للانتباه في هذه الدراسة، هو انخفاض نسبة العنوسة في منطقة بلاد الشام وارتفاعها في منطقة الخليج العربي. وتوضح هذه الدراسات أن السبب الرئيسي في عنوسة هؤلاء الفنيات هم الاهل بشروطهم التعجيزية. وإذا كان الوضع يختلف لدينا في تونس خاصة من حيث الاسباب في ظل انفتاح العقليات وبلوغ الفتاة مراتب عليا من التعليم، فإن هناك البعض من اولياء الامر مازال يفرض الشروط التعجيزية على من يتقدم لطلب يد ابنته او يفرض اختياره عليها دون مبررات. «الشروق» استمعت الى قصص من فتيات فاتهن قطار الزواج بسبب الاهل. الوضع الاسري البداية كانت مع «زهرة» انسة تجاوزت الاربعين بسنوات تقول بكل مرارة انها لم تتزوج بسبب اهلها وتضحياتها لأجلهم. فهي كبرى اخوتها لم تنل الحظ الكافي من التعليم بعد انقطاعها عن التعليم بسبب مرض والدتها بعد انجابها لتوأمين، فجلست في البيت لتجد نفسها تقوم بدور الام في كل شيء من العناية باخوتها الى القيام بشؤون البيت، ومع ذلك كانت تمنّي نفسها بأن يأتي اليوم الذي تنفرج فيه الأوضاع ويتقدّم لها من ينتشلها من اليأس. تواصل زهرة قولها: «عندما بلغت العشرين تقدم كثيرون لخطبتي لكن والدتي كانت ترفض بحجة أنني كنت لا أزال صغيرة على الزواج، لكنها في الحقيقة كانت قد تعودت على خدماتي ومساعدتي لاخوتي، وكبرت مصيبتي. تقول زهرة بعدما اصيب والدي في حادث افقده بصره، وفي غياب اخوتي وانشغالهم بدراستهم اضيفت الى كاهلي مهمة أخرى وهي مرافقة والدي في كل تحركاته اضافة الى العناية به في البيت، وهكذا مرّت السنوات ولم أشعر بنفسي الا وقد غزا الشيب رأسي واكتشفت انني قد تجاوزت الاربعين وان قطار الزواج قد فات دون رجعة، والآن بعد زواج جميع اخوتي ووفاة والدي ها أنذا أعيش وحيدة أقوم برعاية أمي الطاعنة في السن واتحسّر على سنوات عمري التي ضاعت هباء، واكثر ما يحز في نفسي اليوم هو انني لم أتمكن من تحقيق حلم الامومة، كما يعذبني شيء واحد وهو الخوف من الاتي، فأنا دائمة التساؤل عما سيكون عليه مصيري بعد وفاة والدتي خاصة وان اخوتي لهم حياتهم الخاصة». شروط الوالد واذا كان الفقر والوضع الاسري السيء قد ساهم في صنع مأساة «زهرة» فإن قصة «ريم» تختلف تماما، لأنها تنتمي الى عائلة ثرية جدّا، وهو ما جعل والدها يرفض كل من يتقدم لخطبتها بحجة الطمع في اموالها. تقول «ريم» عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري تقدّم لخطبتي شاب تعرّفت عليه في احدى المناسبات الاجتماعية، بعدما تبادلنا الاعجاب وكانت صدمتي كبيرة عندما رفضه والدي بطريقة مهينة دون سبب واضح، رغم انه شاب مهذّب ويعمل موظّفا باحدى المؤسسات، وكل ما قاله والدي هو أن الشاب لن يستطيع ان يوفّر لي حياة مثل التي اعيشها بين اهلي. وخطبني بعد ذلك كثيرون وكان والدي يرفضهم للطريقة نفسها، وعندما كانت أمّي تناقشه في الأمر وتحاول معرفة الاسباب كان يجيبها بأنه يحبّي ولا يريد تزويجي من رجل طمّاع يحب ثروتي وليس محبّة فيّ. وهكذا ضاعت سنوات عمري وأصبحت الان آنسة في الخامسة والاربعين. وقد تعاظم شعوري بالتعاسة والوحدة واصبحت منطوية على نفسي ولا اريد مخالطة الناس بعدما فقدت طعم الحياة». بسبب زوجة الأب اما «هندة» فإن مأساتها كانت من صنع زوجة والدها حيث كانت تحرّضه على رفض كل من تقدّم لطلب يدها حتى هجرها الجميع ولم يعد احد يطرق بابها بعدما اصبحت على عتبة الاربعين. لكن هندة تشعر بالندم على شيء واحد فقط وهي عدم قدرتها على مواجهة والدها واعلان التحدّي، خاصة عندما تقدّم لخطبتها شاب ارتبطت به عاطفيا لكن والدها رفضه بايعاز من زوجته ومع ذلك سكتت ولم تتمسّك بحبّها، حيث انتظرها لسنوات ثم سافر مخذولا الى خارج الوطن. تقول «هندة» لن ألوم أحدا على وضعي لأنني كنت السبب في ما حدث بسبب ضعف شخصيتي ورضوخي، وها أنذا ادفع الثمن. فقد اكتشفت بعد فوات الاوان ان زوجة أبي كانت تحرّض ابي الذي لا يردّ لها طلبا على عدم تزويجي حتى تظل مستأثرة بمرّتبي لأن ابي كان يأخذ اكثر من نصفه منّي ويسلّمه اياها. في الختام تقول «هندة» اما الان وبعد ان بلغت الثامنة والثلاثين فاني مستعدة لقبول اول من يطرق بابي حتى وان كان مستواه التعليمي اقل من مستواي، المهم بالنسبة لي هو تحقيق حلمي في الامومة وفي ان تكون لي حياة خاصة بي بعيدا عن تدخل زوجة والدي، وقد اصبحت جاهزة لرفع التحدّي لو رفض والدي هذه المرّة. والملاحظ من هذه القصص ان عنوسة هؤلاء الفتيات كانت بسبب الاهل وإن تعددت الحيثيات بين الواحدة والأخرى رغم أن السائد في معظم الحالات لدينا هو عدم تدخل الأهل في اختبار الفتاة الا في حالات نادرة.