عاجل/ العثور على مقبرة جماعية في ليبيا..    كرة سلة: تونس تحتضن البطولة العربية لمنتخبات الأكابر من 25 جويلية الى 2 اوت القادمين    استقالة الهيئة التسيرية للنادي الافريقي..#خبر_عاجل    اليوم: سواق التاكسي الفردي في إضراب عن العمل    ترامب يعرب عن "حزنه" إزاء إصابة بايدن بالسرطان    عاجل/ العثور على ثلاثة أطفال مختطفين ومحتجزين في منزل بهذه الجهة.. وهذه التفاصيل..    رابطة ابطال اسيا 2: التونسي فراس بلعربي يقود الشارقة الاماراتي للقب    مبابي وبلينغهام يقودان ريال للفوز 2-صفر على تسعة لاعبين من إشبيلية    صفاقس إقلاع أولى رحلات الحجيج من مطار طينة.    اليوم : انطلاق امتحانات الثلاثي الثالث للمرحلة الابتدائية    أشغال بالطريق السيارة أ1 جنوبية ودعوة السائقين إلى الحذر    صحيفة: الأرز يتسبب بفضيحة تعصف بالحكومة اليابانية    مركض سباق الخيل بقصر السعيد: تتويج الفائزين بالجائزة الكبرى لكأس تونس للخيول العربية الأصيلة    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: أنس جابر تتقدم مرتبة واحدة    إسرائيل تقرر استئناف إدخال المساعدات إلى غزة    استشهاد 17 فلسطينيا في قصف العدو الصهيوني مناطق متفرقة من قطاع غزة    طقس الاثنين: ارتفاع في درجات الحرارة    أمينة الصرارفي: "اللباس التقليدي للمهدية والجبة التونسية مرشحان لتصنيف اليونسكو كتراث عالمي غير مادي"    تونس تدعو إلى تعاون مسؤول للحدّ من هجرة الكفاءات الصحية    رئيس الحكومة الليبية المكلفة: خطاب الدبيبة إدانة لنفسه وتنكر لمسؤولياته    تونس تدعو إلى تعاون مسؤول للحدّ من هجرة الكفاءات الصحية    صفاقس... الصالون المتوسطي للبناء «ميديبات»    هكذا هنّأت النجمة يسرا الزعيم عادل إمام بيوم ميلاده    لماذا تستعر نار التشكيك في ثوابت الأمّة العربية الآن وبكل حدة؟ حلقة 4    صناعة ابراهيمية ابستيمولوجية لتشكيل ذات صهيونية عالمية ونظام صهيوني عالمي    تونس تشارك في المنتدى الدولي «نحو الجنوب» بمدينة سورينتو الإيطالية    منزل عبد الرحمان: حقيقة العثور على عدد من الأطفال محتجزين في منزل    عاجل/ الرصد الجوي يحذر من درجات الحرارة خلال ماي وجوان وجويلية..    القصرين: تصنيف بلدية حيدرة بلدية سياحية    الاختتام الجهوي لشهر التراث بولاية توزر    النادي الافريقي: استقالة جماعية للهيئة المديرة    فرنسا: تقليص الرحلات الجوية بنسبة 40% في مطار باريس-أورلي    'كعكة الرئيس'.. فيلم عراقي يحاكي حكم صدام بمهرجان 'كان'    تونس تعزز شراكتها مع منظمة الصحة العالمية لتطوير اللقاحات والتكوين والبحث في الصناعات الدوائية المتقدمة    طقس الليلة: الحرارة تتراوح بين 16 و27 درجة    النادي الإفريقي يشرع في إجراءات فسخ عقد بيتوني    الاتحاد المنستيري والترجي الرياضي يرافقان اتحاد بن قردان لنصف نهائي الكأس    المندوبية الجهوية للتربية بسليانة تنظم المهرجان الاقليمي لنوادي "أفلاطون" في دورته الأولى    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    إتيكيت استخدام الهاتف في الأماكن العامة    تحذير من ارتفاع نسبة التدخين بين الأطفال: مشروع جديد للوقاية في المدارس    زيارة تاريخية لوزير الخارجية التونسي إلى قطر    سمير عبد الحفيظ من طبرقة.. الإقليم الأول مُؤهّل ليكون قطبا جذّابا للتنمية والمشاريع    ارتفاع صابة الغلال الصيفية ذات النوى في 2025    القيروان : حافلة تصطدم بمقهى    النسخة 29 من "الكومار الذهبي للجوائز الأدبية"/ بالأسماء..الاعلان عن قائمة المتوجين في المسابقة..    تونس: انخفاض عدد الحجيج المتقدّمين في السن    شجرة نخيل تهوي على ضيف بمهرجان كان السينمائي نقل إثرها إلى المستشفى    السخيري هدّاف مع آينتراخت فرانكفورت ويضمن المشاركة في رابطة الأبطال    المعهد الفلكي المصري يكشف موعد عيد الأضحى    بعد طغيان المادة على كل المبادئ .. الربح السريع يسقط القيم    مجموعات غنائيّة هاوية بصفاقس ابدعت في آدائها ….الازهر التونسي    صفاقس : الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 18" …دورة واعدة لأكبر معارض البناء في تونس    عاجل/ العدوان على غزّة: مفاوضات جديدة في قطر دون شروط مسبقة أو مقترحات    عاجل/ حياد مترو عن السكّة وهذه حصيلة الأضرار    جندوبة: يوم مفتوح لتحسيس وتقصي أمراض الكلى    وفد صيني يزور القيروان    القمة العربية في بغداد: حضور مكثف ووزير الخارجية التونسي ينوب قيس سعيد    









العنوسة: شهادات لضحايا الظروف والوحدة والملل
نشر في الشعب يوم 25 - 11 - 2006

تشبه في إيقاعها كلمة الانوثة، بل هي قرينتها التي غالبا ما وُجدت حيث وجدت الكائنات المؤنثة، إنها «العنوسة» هذا القدر المحتوم لبعض النساء يعايشنه بصبر وتحمّل راضيات فيه بوحدتهن وقسوتها، قليلات هن اللواتي اخترن العنوسة برغبتهن فطمرن الأمومة في الاعماق وإنسجمن مع واقع الصمت...
انه قدر يختار ابطاله من بين النساء غالبا ومن الرجال أحيانا ولكنه قدر ظالم وقاس أبدا.
حاولنا التنقل بسؤالنا في العنوسة وأسبابها إلى أكثر من فضاء جغرافي في بلادنا، فتتبعنا وحدة العانسات في الشمال وفي الوسط واقتفينا آثارهن في السواحل وفي المدن الكبرى وفي القرى، فتحنا مع بعضهن صناديق الحكي والذكريات ووقفنا مع البعض الاخر دوننا الباب موصدا عن اسراره فرصدنا الاثار من الخارج.
حديثنا مع هؤلاء النسوة قادنا الى اجمال استنتاجاتنا حول اسباب العنوسة في اربعة أسباب أكثرها انتشارا وخاصة في صفوف المتعلمات الاسباب الاقتصادية ثم الاجتماعية ثم الاسباب الخلقيّة (العيوب والتشوّهات) ثم وبنسبة قليلة اختيار الوحدة والتعايش معها.
* عبء العائلة
في القيروان وجدنا محدّثتنا الأولى «حلومة» هي فتاة في الخامسة والستين تعيش وحيدة في منزل أبويها تشتغل في نسج الزربية حينا وصنع الحلالم حينا آخر وكثير من الشؤون اليدوية المنزلية التي تدرّ بعض ما يقيم الأود ويكفي الحياة «الكريمة»، سألناها عن سبب وحدتها فتنهدت وقالت: مكتوب، كنا ثلاث بنات دون اخ وقد كنت الصغيرة تزوجت أختاي وبقيت انتظر السّعْد ولكن حادثا مفاجئا أخذ زوج أختي الكبرى فطردها أهل زوجها المتوفي مع أربعة صغار فعادت الى المنزل واضطررت ان احمل معها أذن القفة من اجل اولئك اليتامى وتعليمهم، سرقني الشغل المنزلي وتربية أولاد أختي خصوصا بعد مرضها وكان الجميع يعلم بحملي الثقيل فلم يخطبني احد وقد ماتت أختي رحمها الله وأولادها اليوم هم أولادي يزورونني باستمرار وازورهم ولكني لا أريد أن اغادر منزلي الذي يؤنسني فيه الجيران والأحباب..
* الخليقة على قدّها
غير بعيد عن منزل محدثتنا الأولى في أحد أزقة القيروان العتيقة وجدناهما اختان لم تتزوجا وبوجل وبعد تردد سألناهما عن السبب فقالتا بمرح ظاهر انظري وستعرفين لماذا، الا ترين كم نحن سمينات وضخمات الجثث، وقد كنّا كذلك منذ الصغر ونحن اليوم عجائز ولازلن بنفس الحجم لقد خطبنا مرات عديدة عن طريق «السماع» «يسمعو ببنت فلان فيخطبوها» ولكن حالما يرانا الازواج يبطل كل شيء ثم ان الامر في الأول وفي الآخر «مكتوب وكل حدْ وآش قّدرلو ربي واحنا مكتوبنا ثقيل الله غالب»، حاذقات وطرازات وطبّاخات.. ولكن السعْد ما فماش».
* الإنفاق على العائلة
في احدى قرى الساحل وجدناها انها مريم هذه المرأة المناضلة التي ولجت ميدان الشغل كعاملة في احد مصانع الالكترونيك منذ نهاية السبعينات ولها اليوم ما يقرب من الثلاثين سنة عمل قضتها جميعا من اجل العائلة الوفيرة العدد فقد جاء الذكور فيها في مرحلة ثانية وقد كانت هي الاخت الكبرى وبعدها 4 بنات اخريات قبل ان يأتي الاولاد، وكان ابوها «صحتو على قدّها» ولم يكن صاحب شهرية ولا حرفة، فاشتغلت منذ سنتها السادسة عشرة من اجل رعاية اخوتها البنات جهزتهن وزوجتهن، والأولاد أنفقت على تعليمهم وساعدتهم على الزواج وتشييد منازلهم وكل يوم جديد كان يضيف مسؤوليات جديدة لحياتها كانت بدورها تبعدها عن الحلم بالزواج والابناء، الى جانب ان صعوبة العمل والجهد المبذول فيه قد ساهما في تدهور بنيتها الجسدية فهي تقول مع الشاعر: بين روح تطبع وجسم يخون
تلك هي الاربعون
وهي قد تجاوزت الاربعين بسنوات ولكن مرض أخيها الأكبر وعجزه عن العمل جعلها أمام ضرورة مواصلة رعاية أبنائه الصغار لان لا عائل لهم سواها وزوجته لا تستطيع الخروج للعمل من اجل رعايته.
«حبيبة» ايضا حالتها شبيهة بحالة مريم وهي تشتغل عاملة تنظيف في مستشفى وقد سرقت العائلة عمرها وبقيت دون زواج وهي الان في الخمسين وتعيش وحيدة في منزل على وجه الكراء.
* ديون الوالد
كانت محدّثتنا هادئة ومقتنعة بمسار حياتها وقالت انها لو خيّرت في العودة الى الماضي لاختارت نفس المسار قالت «راضية» الاطار العالي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كنت استعدّ لزواجي المقرر بعد شهور وكنت في الرابعة والعشرين من عمري كان ابي تاجرا ميسورا وكان وكيل محطة بنزين ضخمة وفجأة حلّت بالعائلة المأساة واكتشف أبي أنه وقع ضحية تلاعب المقتصد الذي ورّطه في ديون وهمية مع البنوك ومع الشركة الام فباع كل املاكه لسداد الشيكات ولم يتبق لديه سوى منزلنا هذا، وقد دخل اخي السجن لمدة سنة كاملة من جراء ثقة أبي وطيبته مع الناس واضطررت لتحمل قسط وافر من ديون أبي من أجل سدادها بعد تسوية مع البنك وبقيت أدفع مستحقات شهرية من راتبي لمدة 18 سنة، انتهت اليوم ولكن بعد فوات الآوان فقد خسرت من كان سيصبح زوجي لانه لم يكن متفهما لوضعيتي العائلية والمالية الجديدة، واليوم تزوّج كل اخوتي وبقيت بمفردي اعيش مع هذا الوالد الطيب وسدّدنا كل ديوننا ولكني لا احلم اليوم بالزواج مطلقا فقد انتهى الحلم مع تقدم العمر.
* الوحدة أرتح
جمعتنا الصدفة إلى «فتيحة» وهي امرأة شابة وصغيرة في العقد الرابع من عمرها قالت لنا بحزم انها لا تريد الزواج فقد جرّبت الزواج ليومين توفي على اثرهما عريسها متأثرا بجلطة قلبية فعادت لمنزل أهلها واضطرّت للعمل من أجل إعالة نفسها وإعالة أمّها لأن إخوتها الأولاد «كل حدْ لاهي في نوّارو» وهي اليوم مرتاحة جدا ولا تريد ان تتزوج من جديد رغم تعدّد الخطّاب كل يوم ولكنها تعوّدت على حياتها الجديدة في مركز عملها الذي يحقق لها الاستقلالية المالية ويجعلها حرّة وصاحبة المسؤولية الاولى عن نفسها وهي لا تريد زوجا يُنغّص حياتها بالاوامر والنواهي فحياة الوحدة بالنسبة لفتيحة ارتح.
* هذا ما جناه عليّ أبي
هنّ ثلاث عجائز يعشن وحيدات تزوّج إخوتهم الذكور وتركوهن في منزل العائلة الاثري يعشن الرتابة والملل والصمت فلا ضجيج حديث أو صراخ أطفال فقط صوت خلالة المنسج في السقيفة انهن «بنات الحاج» كما يطلق عليهن، تقاسيم وجوههن جميلة رغم تقدم السن رفضن أن يعطيننا صورة او ان نسجّل اصواتهن ولكنهن قبلن الحديث بعد كأس من الشاي ودون تسجيل طبعا، ولما سألناهن كيف تقضين الايام والسنوات قلن انهن يقضينا في العمل المنزلي والفلاحي فلهن الكثير من الارزاق والاراضي التي نغّصت حياتهن، قالت الكبرى «ز» رحم الله ابي فقد رفض الكثير الكثير من طالبي مصاهرته بدعوى عدم التناسب الاجتماعي لانه كان غنيا، كما رفض الموظفين أيضا وكانوا قلة في البلاد بدعوى انهم ابناء عائلات فقيرة، ورفض أبناء عمومتنا لانه تصوّر انهم طامعون في املاكه، باختصار رفض ابونا كل من تقدّم لخطبتنا ومات بعد ان تأكد من مغادرة قطار الزواج لكل محطاتنا رحمه الله لقد ترك لنا تركة شاسعة من أشجار الزيتون تشقينا الى اليوم فنحن من نتحمل الاشراف على كل مواسم رعايتها وجنيها ثم تخزينها ثم لا نفعل شيئا بعائدتها لاننا لا نجد كيف ننفقها فقد تعوّدنا بحياتنا البسيطة هذه التي لا نعرف غيرها.
أحاديث وتفاصيل مختلفة جمعتنا إلى الكثير من النساء وفي مناطق مختلفة، نساء تعايشن مع الوحدة ونساء مازلن ينتظرن من يكسر وحدتهن، نساء رفضن البوح بعزوفهن عن الزواج، نساء كنا ضحايا العائلة، نساء سرقتهن أوقات الدراسة والبحث وعندما انتبهن كان وقت كثير قد مرّ ولم يعد القبول بالزواج من اي كان ممكنا، نساء كنا ضحايا سمعة عائلاتهن السيئة واخريات كنا دون عائلات أصلا، يتيمات ومنبوذات جميلات وقبيحات أميّات ومتعلمات تجدهن في القرى كما تعثر عليهن في المدن، يعشن وحيدات او مع العائلات، في الشمال وفي الجنوب وفي السهل والمرتفع تجد منهن الكثير، واكثر المعاينات لاحظناها في العاصمة واحوازها، يخترن غالبا العيش في المدن الكبرى التي تسمح لهن بالتحرر الاقتصادي ولا تنتبه كثيرا لوضعياتهن الاجتماعية ووحدتهن، انهن اولئك النساء دون زواج اللاتي لم يكوّن أسرا ولكنهن يعشن ويواصلن الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.