أيها الناس اتقوا الله تعالى وفكروا في دنياكم وآخرتكم، في حياتكم وموتكم، في حاضركم ومستقبلكم، فكروا في هذه الدنيا في من مضى من السابقين الاولين منهم، والاخرين، ففيهم عبرة لمن اعتبر، عمروا في هذه الدنيا فعمروها وكانوا اكثر منا أموالا وأولادا وأشد منا قوة وتعميرا، فذهبت بهم الايام كأن لم يكونوا وأصبحوا خبرا من الاخبار، وأنتم على ما ساروا عليه سائرون والى ما صاروا اليه صائرون سوف تنتقلون عن هذه الدنيا الى القبور بعد القصور، وسوف تنفردون بها بعد الاجتماع بالأهل والسرور، سوف تنفردون بأعمالكم ان خيرا فخير، وان شرا فشر، الى يوم النشور وحين ذلك ينفخ في الصور فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، حفاة بلا نعال وعراة بلا ثياب وغرلا بلا ختان، حدّث النبي ص بهذا الحديث فقالت عائشة: يا رسول الله الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم الى بعض، فقال ص: إن الأمر أشد من أن ينظر الرجال الى النساء او النساء الى الرجال، إنه اعظم من أن تسأل الأم عن ولدها والابن عن أبيه «فإذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون» (المؤمنون)، «إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد» (الحج)، هناك قلوب واجفة وأبصار خاشعة، هناك نشر الدواوين وهي صحائف الاعمال، فيأخذ المؤمن كتابه بيمينه، ويأخذ الكافر كتابه بشماله، ومن وراء ظهره، فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول فرحا ومسرورا: (هاؤم اقرأوا كتابيه) (وأما من أوتي كتابه بشماله) فيقول حزنا غما: (يا ليتني لم أوت كتابيه) ويدعو ثبورا وهناك توضع الموازين فتوزن فيها اعمال العباد من خير (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، قال الله تعالى: «ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين» (الانبياء). وفي ذلك اليوم يموج الناس بعضهم في بعض، ويلحقهم من الغم والكرب ما لا يطيقون فيقول الناس ألا تنظرون من يشفع لكم الى ربكم فيأتون آدم ثم نوحا ثم ابراهيم ثم موسى عليهم الصلاة والسلام وكلهم يقدمون عذرا، ثم يأتون الى عيسى رضي الله عنه فيقول: لست لها ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون الى النبي ص فيقول مفتخرا بنعمة الله: أنا لها، فيستأذن من ربه عز وجل ويخر له ساجدا ويضع الله عليه من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبله فيدعه الله ما شاء الله أن يدعه ثم يقول يا محمد: ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه، وفي ذلك اليوم ينزل الله للقضاء بين عباده وحسابهم، فيخلو بعبده المؤمن وحده ويضع عليه ستره ويكلمه ليس بينه وبينه ترجمان فيخبره بما عمل من ذنوبه حتى يقر ويعترف فيظهر الله عليه فضله فيقول: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وفي ذلك اليوم الحوض المورود لمحمد ص، ماؤه أشد بياضا من ا للبن وأحلى من العسل وأطيب من ريح المسك طوله شهر وعرضه شهر وآنيته كنجوم السماء كثرة واضاءة لا يرده الا المؤمنون به المتبعون لسنته، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها ابدا، وأول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين، في ذلك اليوم تدنو الشمس من ا لخلق حتى تكون قدر ميل، فيكون الناس على قدر اعمالهم في العرق فمنهم من يكون الى كعبيه، ومنهم من يكون الى ركبتيه ومنهم من يكون الى حقويه ومنهم من يلجمهم العرق الجاما، ويظل الله من يشاء في ظله يوم لا ظل الا ظله. في ذلك اليوم يقول الله يا ادم: فيقول لبيك وسعديك والخير كله في يديك، فيقول اخرج بعث النار من ذريتك، قال: وما بعث النار؟ قال من كل ا لف تسعمائة وتسعة وتسعون، فعند ذلك يشيب الصغير. وفي ذلك اليوم يوضع الصراط على متن جهنم ادق من الشعر واحد من السيف وترسل الامانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا، فيمر الناس عليه على قدر اعمالهم تجري بهم اعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر يزحف ومنهم ما بين ذلك، ونبيكم ص قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكروس في النار. في ذلك اليوم يتفرق الناس الى فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير «ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذّبوا بأياتنا ولقاء الاخرة فأولئك في العذاب محضرون». فاتقوا الله عباد الله: وخذوا لهذا اليوم عدته فإنه مصيركم لا محالة وموعدكم لا ريب فيه، وإنه على عظمه وشدته وهوله ليكون يسيرا على المؤمنين المتقين لأن الله يقول: «وكان يوما على الكافرين عسيرا». فآمنوا بالله واعلموا ان الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه. اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة، نسألك بأنا نشهد انك انت الله لا إله الا انت الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد يا ذا الجلال والاكرام يا حي يا قيوم خفف عنا أهوال ذلك اليوم واجعلنا فيه من السعداء وألحقنا بالصالحين يا رب العالمين.