هناك طريقان لا ثالثة لهما لمقاومة المقاومة من اجل التحرر او مقاومة ما يسمى ارهابا. الطريق الاولى هي هذه الحرب العشواء على «الارهابيين» في كل مكان بكل الطرق، هذه الحرب التي جندوا لها كل شيء من اجل كسبها، من تشديد وسائل الامن الى مضاعفة اجهزة المخابرات الى شن حروب مدمرة على دول ذات سيادة. وهي طريق طويلة لا نهاية لها وما من مخرج منها. لأنها ليست سوى محاولة اطفاء النار بالبنزرين، فالقضاء على إرادة الشعوب بهذه الطريقة وهم، ولاشيء غير الوهم. اما الطريق الأبسط والأنجع والأقصر في النهاية، فهي التي يتعامي عليها الجميع، وكأن غايتهم جميعا اصبحت رغبة في المزيد من اراقة الدماء وتعميق المأساة في الجانبين وليس في الحفاظ على امن المواطن. ان الوصول الى معرفة اقصر الطرق الى القضاء على ما يسمى «الارهاب والارهابيين» على غاية من البساطة والسهولة عندما تصدق النية والرغبة في ذلك. ويكفي الاجابة دون مراوغة على عدد من الاسئلة. وهي اسئلة بسيطة ولكنها لا تزال تطرح نفسها بقوة على كل ذي قدر من الذكاء والنظر او حتى بعض الرأفة والمحبة لبني جنسه من البشر، ومنها: من له مصلحة في ضرب اقوى دولة في العالم، عسكريا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا؟ ولماذا الآن وليس قبل سنوات؟ هل انتهت العمليات «الارهابية» باعتقال آلاف الاشخاص في جميع انحاء العالم بتهمة الارهاب؟ هل تخلصت امريكا وغيرها من الرعب الذي يعشش في القلوب والشوارع والانفاق والمؤسسات ووسائل النقل والمحطات والمطارات والموانئ، برا وبحرا وجوا، بعد اسقاط النظام في افغانستان والعراق؟ كم سقط من ضحية وتيتم من طفل وتهدم من بيت ومن مؤسسة منذ اعلنت امريكا حربها هذه؟ الشعب الامريكي شعب كبير، على قدر متقدّم من التحضر، والتطوّر، وهو شعب عظيم في الأدب والمسرح والسينما... شعب حقق المعجزات في ميدان العلم والتكنولوجيا وغزو الفضاء الكبير والفضاء المتناهي الصغر. وقد اتيحت لي الفرصة للتحدث الى بعض الشبان والشابات الامريكيين، فأكبرت كل الاكبار ما يتحلون به من دماثة خلق، وثقافة عالية، وسموّ نفس، وطموح جامع. فما الذي يدعو «الارهابيين» اذن الى ارهاب شعب يتحلى ابناؤه بهذه الصفات التي يندر ان تجتمع عند امة من الأمم؟ لماذا لا يكاد يمر يوم لا نرى فيه علم امريكا مصحوبا بعلم الكيان الصهيوني وهما يحرقان في جميع شاشات العالم؟ وماذا نسمي ذلك كراهية او نقمة وسخطا؟ أمريكا من اقدم الدول ديمقراطية كما تقول الكتب والموسوعات. اما كانت اخلاق الديمقراطية تقتضي ان يستجيب دعاة الحرب في امريكا الى اولئك الذين خرجوا بالملايين في الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا العظمى واستراليا واسبانيا وفي جميع انحاء العالم، ليطالبوا بالتوقف عن دقّ طبول الحرب وعدم الهجوم على افغانستان وبعد ذلك على العراق؟ الاجابة عن هذه الاسئلة بنزاهة دون مراوغة ولا كذب على النفس وعلى الغير، هي مفتاح الباب الذي يفتح على اقصر الطرق الى مقاومة المقاومة او ما يسمونه الارهاب. ولا نعتقد ان هناك طريق الى القضاء على الارهاب أقصر من رفع جميع المظالم المسلطة على العرب والمسلمين والكفّ عن الاستهجان بالشعوب المستضعفة. لان الغربيين بقدر ما يسيئون الى الآخرين يجب ان يتوقعوا الاساءة اليهم. ان الحرية المطلقة التي يتحدث عنها البعض مثلها مثل اي حرية اما ان تنتهي عند حرية الغير او ان تصبح جريمة تستحق الرد والعقاب. والعدالة المطلقة ان كانت مطلقة بالفعل تبدأ بمحاسبة النفس، والبادئ في جميع الأعراف، اظلم. ومن يرى غير ذلك واهم او مخادع. ومن الواضح ان الغربيين يتجاهلون ان المسألة ليست مسألة دين او جنس بقدر ما هي مسألة طبيعية بشرية تأبى الظلم والطغيان فتواجه وتقاوم مهما يكن الثمن. ولكن لا ندري كيف انعدمت عند القوم حاسة الذوق تماما، فلم يدركوا طيلة هذه القرون ان لحم العربي المسلم وغير المسلم، مر، مر مرارة لا تزال تقض مضاجعهم لحظة بلحظة على الرغم من كل تفوقهم الظاهر. فاذا كان هناك داء لكل دواء فإن هناك ايضا سلاحا لمواجهة اي سلاح. ومع ذلك تبقى الطريق الى القضاء على «الارهاب» قصيرة كل القصر اذا بحثنا عنها بروح المحبة والمساواة بين البشر جميعا.