السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تتصادم الحضارات وهل ينتهي التاريخ ؟
في « زمن هنتغتن « : اعداد: مريم بن عزوز
نشر في الشعب يوم 13 - 02 - 2010

في زمن هنتغتن تزدحم في الذهن الاسئلة التي لا نعثر لها عن جواب في ظاهر الخطاب المعلن وانما في باطنه وثناياه لانه زمن الخديعة والنفاق الفكري وازدواجية المفاهيم والمعايير.
وقد برعت المدرسة الفكرية الانجلو- سكسونية في هذا المجال ووطدت هيمنتها على هذا الأساس بعد أن افتكت الريادة الفكرية من مثقفي أوروبا الغربية (فرنسا وألمانيا بالخصوص) الذين كانت لهم قيادة الحركة الفكرية في الغرب الرأسمالي وأحالت مسؤولية الاشراف الفكري الى أجهزة مخابراتها التي أضفت على الحركة الفكرية والثقافية من روحها التآمرية وازدواجية خطابها فأصبح الفكر وظيفة مدفوعة الأجر وأصبح افساد الذمم بالرشوة والابتزاز هو المحرك الجديد لتاريخ الأفكار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فأنت تسمع ضجيجا كبيرا عن محاربة الارهاب من قبل أناس تعلم علم اليقين أنهم يصنعون الارهاب في مخابرهم ويفرخونه ويوزعونه على العالم حيثما اقتضت مصالحهم الجيو استراتيجية وتسمع أحاديث شيقة عن المساواة من قبل أناس ينشرون الحقد العنصري والتمييز بين الأجناس وتستمع الى خطب رنانة عن الاستقلال والحرية من قبل جهات تستبيح حرمات الأوطان وتنسف الدول والحكومات الوطنية مثل حكومة مصدق في ايران وحكومة صدام حسين في العراق وتنصب العملاء بديلا لهم وتسمع خطبا مغرية عن الديمقراطية والحريات الفردية من قبل جهات ومؤسسات تنسف الديمقراطية من الداخل.
وفي هذا الاطار تتنزل نظريات لطالما انبهر مثقفو العالم الغربي والعالم النامي على حد سواء ببريقها الخلاب واعتقدوا سذاجة انها نظريات علمية لا يشق لها غبار وأن اصحابها طرحوها بكل جدية في اطار المساهمة في تنشيط حركة الأفكار.
لقد انتهى عصر عمالقة الفكر مثل كانط وهيغل وماركس ونيتشه وأوقوست كونت وغيرهم وحل عصر الأقزام المتعملقين أمثال سيدني هوك وجيمس برنهام ودانيال بال وجورج أوروال وغيرهم من التلامذة الأوروبيين الذين انسلخوا عن عقيدتهم الأصلية ليس تطورا أو اقتناعا وانما طمعا في المال الذي أغدق عليهم بدون حساب. فانتهى عصر النظريات الفلسفية العميقة وجاء عصر السوسيولوجيا الوظيفية والفلسفة الوظيفية والمصطلحات والمفاهيم المشفرة والملغومة في أغلب الأحيان فلم تعد الكلمات لها المعنى المتداول بل عليك في أغلب الأحيان أن تفكك شفرتها ورموزها لسبر أغوارها وفهم حقيقة ما ترمي اليه بل وعليك أحيانا أن تقلب الكلام رأسا على عقب ليستوي فهمه في ذهنك، فعندما يقولون لك انهم يحاربون الارهاب في أفغانستان أو العراق أو اليمن فتأكد أن طبخة اجرامية تحضر في الخفاء لغزو تلك الأوطان لأن المصالح الاستراتيجية تقتضي ذلك وعندما يحدثونك عن نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير فتيقن أنهم يهدفون الى تفكيك أوصال تلك المنطقة وتحويلها الى دويلات كرتونية قائمة على القبلية والنعرات الطائفية والعرقية واستباحتها أمام جيوش المرتزقة لتطويعها للنهب والابتزاز. هذه بعض الملامح الأساسية لزمن هنتغتن الذي اشتهر بانه صاحب نظرية صدام الحضارات.
ان صمويل هنتغتن ، الاستاذ المحترم بجامعة هارفارد ليس هو من وضع نظرية صدام الحضارات وانما استاذه الروحي برنارد لويس المؤرخ البريطاني الشهير، مثلث الجنسية (بريطاني أمريكي اسرائيلي) وعون جهاز المخابرات البريطاني ومستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة ومستشار أعتى عتاة الصهيونية، بنيامين نتنياهو.
ونظرية صدام الحضارات عليك أن تفككها لتكشف رموزها الخفية. فبالنسبة لكل ذي عقل لا يمكن للحضارات أن تتصادم لان الحضارة قوة روحية ومعنوية تفعل فعلها على مر الزمن وتؤثر على العقول فتكيفها في هذا الاتجاه أو ذاك. والحضارة ليست دولة وليست لها جيوش وديبلوماسية. وقد تشترك في الحضارة الواحدة عدة دول منفصلة عن بعضها البعض و لا يربطها أي رابط جغرافي أو اقتصادي أو عسكري فكيف لها أن تدخل في صدام مع حضارات أخرى ولكنه التزييف وتنميق الكلمات للتأثير على العقول وتجييش الناس وراء قضايا مشبوهة تحت شعارات رنانة.
فصمويل هنتغتن الذي تصدى لصناعة وقولبة نظرية صدام الحضارات أقام لها أسسا نظرية مغشوشة لا تستقيم منطقيا فقد ادعى أن الشعوب اصبحت بعد نهاية الحرب الباردة تحدد انتماءها لا بالعودة الى مفهوم الوطن أو لايديولوجيا بعينها وانما اعتمادا على انتمائها الحضاري أو الثقافي أو الديني وقسم الفضاء الجغرافي العالمي تقسيما عبثيا أبرز ما فيه كتلة اسلامية وكتلة كنفيوشوسية متوثبتان للقضاء على حضارة الغرب المسيحي اليهودي في حين أن كتلة العرب والمسلمين أقل الكتل قدرة على الوثوب على أية حضارة أخرى أيا كانت نظرا للضعف التاريخي والاقتصادي وللتفكك التي هي عليه أما الكتلة الصينية فشغلها الشاغل لعشرات السنين هو بناء اقتصاد منيع تنافسي وضمان الرخاء والرفاه لشعبها وليست لها أهداف عدوانية على أحد على عكس الكتلة الرأسمالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة التي ابتلعت الدنيا بما فيها و لا تريد أن تفرط في خيرات أي بلد فهيمنت على القرار الدولي ونشطت حروب العدوان يمينا ويسارا وخربت الأوطان بما فيها واستباحت خيراتها ووقفت الى جانب العدوان في كل مكان لا سيما في البلدان العربية فمكنت ذراعها المتوثبة اسرائيل من تدمير أرض فلسطين وتشريد شعبها وعزله دوليا واقليميا في محاولة للقضاء علية مثلما قضى الانجلو سكسون على سكان أمريكا وأستراليا الأصليين وتعويضهم بسكان وافدين ومنبتين من أصلهم. واحتلت العراق واستباحت ثرواته البترولية وها هي تتهيأ لاستباحة أرض ايران والسودان واليمن وقد تكون موريطانيا في البرنامج ومن يدري من هي الدول والشعوب العربية أو الاسلامية الأخرى المرشحة لآلة العدوان الجهنمية.
والتاريخ لم يقدم لنا أمثلة حقيقية عن تصادم بين الحضارات بل نماذج متعددة عن حروب أهلية أو عرقية أو مذهبية شرسة كلها تمت داخل الحضارة الواحدة أو الدين الواحد أو الأمة الواحدة.بما يبين أن صمويل هنتغتن لا يعرف التاريخ أو يتجاهله وهذه الفرضية أقرب فيكيفه على هواه وينتقي من أحداثه ما يشاء ويلفظ منها ما يشاء دعما لنظريته المهزوزة.
صمويل هنتغتن الذي كلف ببناء هذه النظرية يلبس قناع الجامعي المحترم ولكنه في الحقيقة مثل استاذه الروحي برنارد لويس من رجالات الطاقم الأمني في الولايات المتحدة وقد أعد التقارير للأجهزة الحربية والمخابراتية في بلاده لضرب الثورة الفيتنامية واقترح استخدام القنبلة النووية ضدها وساهم في تنصيب أنظمة دكتاتورية ذات طبيعة فاشية في أمريكا اللاتينية مثل نظام فيديلا في الارجنتين والاطاحة بانظمة ديمقراطية مثل نظام سالفادور آلندي في الشيلي وقدم عدة بحوث مدفوعة الأجر لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية مساهمة منه في محاصرة المد الديمقراطي حتى داخل بلده الولايات المتحدة الامريكية.
وحديثه عن صدام الحضارات انما هو طبخة ايديولوجية جاهزة لتعبئة الغرب الرأسمالي بجميع طبقاته وفئاته ضد البلدان النامية لنهب خيراتها ومواردها الطبيعية واخضاعها للنهب الامبريالي. فنظرية صدام الحضارات هي في الحقيقة التعبير الأيديولوجي عن النزوع النازي الجديد لأشد العناصر يمينية وتطرفا في النظام الرأسمالي. ومواجهتها لا تتم حضاريا بايقاد نار الأحقاد العنصرية المضادة ضد ما يسميه غلاة التطرف عندنا «العالم الصليبي اليهودي» وانما سياسيا وايديولوجيا ضد نوازع الهيمنة لا سيما ضد شرائحها اليمينية المتطرفة ذات التوجه النازي. فالغرب الرأسمالي ليس متجانسا كما يحاول صمويل هنتغتن أن يقنعنا بذلك فطوني بلير الذي خطط لحرب العراق مع جورج بوش ليس جورج غالاوي الذي يحشد القوافل لمساندة غزة المحاصرة وبرنارد لويس ليس نعوم شومسكي. وكما أن الغرب الرأسمالي ليس متجانسا فان العالم العربي والاسلامي ليس متجانسا فهناك عرب يساندون المقاومة الفلسطينية وعرب يحاربونها وهناك عرب وقفوا الى جانب العراق ضد الاحتلال وعرب فتحوا أبوابهم للغزاة ورحبوا بهم في أراضيهم وهناك عرب تتمزق قلوبهم على غزة المحاصرة وعرب يساهمون في خنقها بكل ما أوتوا من قوة ويقفون في وجه كل من يدعمها وهناك مسلمون يساندون الحق العربي والفلسطيني ومسلمون متخاذلون. ولن نقع في الفخ بالدخول في متاهات حروب دينية أو حضارية غبية لا يستفيد منها سوى أقطاب النظام الرأسمالي العالمي المتوثب والحاقد.
لذلك كان لا بد من تفكيك نظرية صدام الحضارات للكشف عن لبها الغامض وتبيان طبيعتها العنصرية الحاقدة وأهدافها الهيمنية على الشعوب التي تمتلك الثروات البترولية والمنجمية وهي مواد أساسية لضمان نمو الرأسمالية الغربية.
أما نظرية نهاية التاريخ للتلميذ فرانسيس فوكوياما فهي واحدة أخرى من النظريات الملغومة التي لجأ صاحبها الى الترسانة الفلسفية لا سيما فلسفة هيغل المثالية لاقناعنا بجدية نظريته وطابعها العلمي المتعالي.
فوكوياما استنجد بالفيلسوف الألماني هيغل الأب الروحي للفكر الفلسفي المثالي المعاصر ليحدثنا عن نهاية التاريخ. ويتهم كثير من المثقفين فوكوياما بانه لم يقرأ جيدا هيغل أو أنه قرأه ولم يفهمه كما يجب لأن نهاية التاريخ في المفهوم الهيغلي تختلف عنها عند فوكوياما. فهيغل لا يتلاعب بالكلمات فهو فيلسوف جدي صاحب عقيدة دينية وكانت تربيته الأصلية تهيؤه ليكون قسا أو راهبا ولكنه اختار الكتابة والتدريس. وهيغل صاحب «فينومنولوجيا العقل» انما يعتقد في جملة من القيم الثابتة والمطلقة يسميها «الروح المطلقة» أو «العقل المطلق» التي يعتبرها قائمة بذاتها ويعتقد هيغل أن التاريخ سينتهي به المطاف الى اكتشاف عقلانيته القائمة بذاتها فيبلغ بذلك نهايته. ويعني هيغل بالنهاية هنا الغاية أو المنتهى و لا يقصد المعنى المتداول للكلمة. وكان هيغل من المعجبين بالثورة الفرنسية التي اعتقد أنها جسدت طموح الانسان نحو العقلانية أي نحو العدالة والقانون. وكان معجبا ببونابرت الذي اعتبره الزعيم الملهم الذي فوضته الأقدار لتجسيم نهاية التاريخ أي بلوغه غايته المثلى وساند بونابرت ضد فريديريك أمبراطور المانيا لانه كان الزعيم الملهم لشعب ملهم (الشعب الفرنسي).
أما فوكوياما فانه يعني بالنهاية المفهوم المتداول للكلمة لذلك جاء كتابه يحمل عنوان The End of History وكلمة « End » في الانجليزية تعني النهاية بالمعنى المتداول خلافا للفرنسية حيث أن كلمة « Fin » لها معنيان المعنى الأول هو النهاية بمدلولها المتعارف والمعنى الثاني هو «الغاية» لذلك عادة ما يتلاعب المثقفون الفرنكوفيون بمدلول الكلمات فيستخدمون كلمة « Fin » بمعنييها ولكل قارئ أن يفهم ما يشاء. الا أن فوكوياما يعنى تحديدا أن التاريخ قد انتهى بمعنى أنه لم يعد بوسعنا أن نترقب ظهور أية أفكار أو نظريات جديدة وأنه علينا أن نستسلم لقدرنا المحتوم وأن نقبل الليبرالية الجديدة والهيمنة الأمريكية على العالم لأن أمريكا التي انتصرت على النازية في الحرب العالمية الثانية وعلى الشيوعية خلال الحرب الباردة وعلى العراق العدو الجديد للهيمنة الأمريكية قد حققت الانتصار النهائي على كل أشكال الديكتاتورية وأصبح نموذجها الليبرالي جاهزا للهيمنة على العالم بأسره دون منازع. ويرى فوكوياما أن المناوشات الصغيرة التي تخوضها المجموعات الاسلامية المتطرفة هنا وهناك لا تمثل خطرا جديا على النظام الليبرالي الغربي وانها ستتلاشى تدريجيا بعد فترة مقاومة يائسة. لذلك أعلن فوكوياما بلهجة انتصارية عن «نهاية التاريخ» ودخول البشرية عصر ما بعد التاريخ الذي سيتميز بانتهاء الحروب التي لم يعد النظام الرأسمالي الليبرالي في حاجة اليها لان نموذجه الفكري والاقتصادي انتصر نهائيا. وبناء عليه فان القوة الخشنة أفسحت المجال للقوة الناعمة التي تؤثر على العقول بدلا من قهر الأجساد. فالليبرالية الجديدة ستنتصر تدريجيا بفضل ما تمثله من جاذبية وقوة على الاقناع وبفضل نموذجها الاقتصادي ونجاحاتها التكنولوجية في جر من تبقي من الممانعين في العالم للآلتحاق بركبها بدون حاجة الى الحروب.
هذه النظرية الناعمة لم تعجب غلاة الرأسمالية العالمية الذين لا يرون بديلا لحروب الهيمنة والغزو لذلك اصطفوا وراء ايديولوجيا صمويل هنتغتن الحربية وأداروا الظهر لنظرية فوكوياما الناعمة.
ما نشاهده اليوم من استفزازات هنا وهناك ضد العرب والمسلمين ومن تطاول على مقدساتهم واهانة لهم وتصلب في الاقرار بحقوقهم لا سيما حقوق الفلسطينيين وغطرسة حربية واستنفار لفيالق التطرف لتحريضها على القيام بعمليات ذات طابع ارهابي يقع استخدامها كذريعة لتوسيع رقعة العدوان على مزيد من البلدان العربية كل ذلك يمثل رجع الصدى لنظرية صمويل هنتغتن الذي رحل عن هذا العالم في نهاية 2008 مخلفا وراءه ارثا محموما من الأحقاد التي تبين أنه من الصعب انطفاؤها اذا لم تتوحد جهود كل الشعوب والقوى الخيرة داخل النظام الرأسمالي لمواجهتها ووضع حد لها.
هذه الأفكار وغيرها المرتبطة بها بشكل أو بآخر هي موضوع كتاب «زمن هنتغتن صدام الحضارات ونهاية التاريخ « الذي يحتوي ستة محاور كالآتي:
المجور الأول: يتطرق الى دعاة صدام الحضارات الأساسيين ومنذ متى برزت هذه النظرية ومن تستهدف تحديدا
المحور الثاني: يتطرق الى النظريات المتناقضة التي افرزتها مدرسة المحافظين الجدد : من نظرية نهاية التاريخ الى نظرية صدام الحضارات. ويطرح هذا المحور سؤالا مركزيا: هل نعيش مرحلة صدام الحضارات أم مرحلة نهاية التاريخ. وهل تلك النظريتان متناقضتان أم متكاملتان في وجوب فرض هيمنة الليبرالية الجديدة بأسلوب من الأساليب اما بالطرق الخشنة واما بالطرق الناعمة.
المحور الثالث: يضع نظرية صدام الحضارات على محك التجربة التاريخية ليبحث هل هناك ما يسندها أو يدحضها تاريخيا .
المحور الرابع: يتعرض لخلفية نظرية صدام الحضارات وأبعادها الاقتصادية والهيمنية وعلاقة التنظير لصدام الحضارات بالمصالح الحيوية لقوى الهيمنة الدولية
المحور الخامس: يستعرض مسيرة الليبرالية منذ الحرب العالمية الثانية وتحولها الى ليبرالية جديدة والمؤامرات والدسائس التي حاكها المشرفون عليها من أجل ضمان بقاء الليبرالية واستبدادها على كافة شعوب العالم
المحور السادس: يستعرض قضية أساسية ترتبط بالتوجهات الجديدة لقوى الهيمنة الدولية وهي خصخصة الحروب واقحام جيوش المرتزقة فيها والاستعداد لدوس كل القوانين الانسانية والأخلاقية في سبيل تكريس الهيمنة.
وفي الختام يشير الكتاب الى أن الدفاع عن السلم العالمية وعن القانون الدولي ورفض كل أشكال الارهاب سواء ارهاب الدول المعتدية أو ارهاب المجموعات المتطرفة أيا كان دينها أو مذهبها هو الرد الحقيقي على دعاة صدام الحضارات وعلى حاملي نعش التاريخ الى مثواه الأخير لتخرج البشرية نهائيا من زمن هنتغتن وتقتحم زمنا آخر قائما على السلم والاستقرار والتعاون الدولي بعيدا عن الابتزاز والاستبداد والهيمنة.
كتاب «زمن هنتغتن» صدام الحضارات ونهاية التاريخ»
المؤلف: محمد العربي بن عزوز
الناشر: دار النهضة العربية ، بيروت، لبنان
الحجم: 300 صفحة من الحجم الكبير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.