للصدق أكثر من دلالة وأكثر من إيحاء لدى التونسيين بل يتحول الى قيمة أساسية من منظور التحليل النفساني، فكيف ينظر التونسيون للصدق؟ ولماذا يعتبره المختصون النفسانيون قيمة أساسية في المجتمع؟ يعتبر بعض التونسيين الصدق قيمة اندثرت وحلّت محلها قيم الكذب والنفاق هكذا يرى السيد محمد: «الإنسان لم يعد صادقا مع الآخرين ولم يعد صادقا حتى مع نفسه.. أصبح ينافق في كلّ شيء والسبب في ذلك حسب رأيي هو طغيان المادة واستحواذها على تفكيرنا وتصرفاتنا».. ولم يكن رأي حسن المزوغي أقل تشاؤما إذ يقول: «الكل يتعمّد الكذب من أجل غايات آنية عاجلة وحتى الكلام عن الايفاء بالوعد أصبح كلاما بلا معنى». محمد غازي أيضا وهو تاجر أبدى امتعاضه لأن هذه القيمة فقدت، يقول: «الصدق ذهب بذهاب أصحابه، لقد دُفن بلا رجعة وحلّ الكذب مكانه.. الناس في السابق كانوا يبيعون ويشترون ويمارسون أنشطتهم التجارية «بالكلمة» الآن قضت «الشيكات» و»الكمبيالات» على معاملاتنا ورغم ذلك فالتاجر يكون ضحية الكذب وعدم الاخلاص (اخلاص الحرفاء)، إضافة الى الضغوط المادية التي يمكن أن تكون سببا في انعدام قيمة الصدق.. أعتقد أن الأسرة تلعب دورا أيضا وعليه فإنها من واجبها أن تعلّم أبناءها على الصراحة والصدق ونبل الأخلاق». البيئة والمجتمع ويعتبر السيد عمر أن تنشئة الطفل على هذه القيمة أو تلك سواء كان الصدق أو الكذب يتحمل مسؤوليتها المجتمع والأسرة بدرجة أكثر لأنها البيئة الأولى التي يتربّى فيها الابن ويكون فيها فكره قابلا لزرع القيم الفاضلة التي منها الصدق والأمانة.. أعتقد أن الصدق أمر لا بدّ منه حتى نستطيع التعايش والتعامل مع بعضنا البعض وبالاضافة الى الصدق مع الآخرين فإنه لا يجب أن ننسى أن نكون صادقين مع ربّنا». ويصرّ عمر (شاب تونسي) أن المجتمع خليط من الصادقين والكذابين المنافقين غير أن الصدق قيمة لا مفرّ منها حتى يستطيع الفرد بناء علاقات اجتماعية على أساس من الثقة والاحترام. مختص في علم النفس : الصدق قيمة أساسية يؤكد الدكتور عطيل بينوس، المختص في علم النفس على أن الحديث عن الصّدق يجب أن يترافق مع الحديث عن الكذب باعتبار أنهما قيمتان متصارعتان متضاربتان والتجاء البعض الى الكذب يعود الى أسباب مختلفة «فبعض الأفراد يتوسلون بالكذب لأنهم يخافون من ردّة فعل الآخر، فالأمّ مثلا قد تخفي بعض الأشياء التي تخص تصرفات ابنها حتى تتفادى أذى أو ردّة فعل الأب ونلاحظ هنا أن الأب في تصرفاته المتشددة مسؤول غير مباشر عند التجاء مخاطبه سواء كانت الزوجة أو الإبن الى الكذب. ثمّة أسباب أخرى تفسر الالتجاء الى الكذب وهو الرغبة في ا لظهور أمام الآخر في أحسن الصور الملائمة وتعمّد تزييف الحقائق وهي طريقة تهدف الى اقناع الآخر بقبوله. لكن الكذب ينقلب الى حالة مرضية عندما يهدف صاحبه من ورائه حيازة بعض الحاجيات ونيل بعض المصالح الخاصة، غير أنه توجد بعض الحالات الخاصة فالأمهات يردن معرفة كل شيء عن أبنائهن المراهقين، ولكن هؤلاء لا يستطيعون كشف كل شيء عن حياتهم، وهم بذلك لا يمكن اعتبارهم كذبوا لأن المراهق في مرحلته العمرية بحاجة الى الاحتفاظ لنفسه ببعض الأسرار الخاصة به. ويدعو الدكتور «ع. ب» الى ضرورة وضع حدّ لأولئك الذين يحاولون أن يكذبوا أو أن نفسر لهم أننا فهمنا أساليبهم وطرقهم في الكذب ومن ثمّة وضع حدود لهم حتى لا يتمادوا في ذلك، من جهة أخرى فإننا لا يجب أن نلفظهم ونبعدهم على المجتمع. الكذّاب في الحقيقة حزين وغير راض عن كذبه لكنه مضطر الى ذلك اضطرارا لأن الكذب عنده الطريقة الوحيدة ليربط علاقات اجتماعية. لا بدّ من الصدق ويوضح المختص في علم النفس أن الصدق قيمة أساسية تنبني عليها علاقة الأفراد في ما بينهم وأي علاقة لا بدّ أن تنبني على الصدق صدق في المشاعر وصدق في التصرف وفي القول فمن المحبذ أن نكون صادقين في أحاسيسنا لا نظهر عكس ما نضمر ولا نسقط في النفاق الذي هو نوع من الكذب في المشاعر، أما الصدق في التصرفات والأفعال والأقوال فيجب أن تكون أفكارنا تتماشى وتصرّفاتنا وكلامنا متناسق مع أحاسيسنا وأفعالنا. فالعلاقة المبنية على الكذب تنعدم فيها الثقة لذلك مآلها الفشل.