بعد مطالبة نهضويين بحق العودة برهان بسيّس يقول :هذه مناورة و«النهضة» أخطأت في تأجيل ترشيد خطابها تونس - محمد الحمروني قال برهان بسيّس إن مطالبة مجموعة من أبناء حركة «النهضة» في المهجر بالعودة «تثير العديد من نقاط الاحتراز من ناحية التوقيت والخلفيات بما يجعلها أقرب إلى مناورة تقف وراءها القيادة المهجرية الأقلية لحركة «النهضة» من أجل الالتفاف على الحق الشخصي المشروع في العودة وتحويله إلى ورقة للمناورة السياسية بعد أن شحّت هذه الورقات مع إطلاق سراح آخر سجين من الحركة». وأضاف الكاتب والإعلامي التونسي في تصريحات خاصة ل «العرب»: «إن باب العودة قد فتح منذ سنوات ودخله العديد من النشطاء السابقين في إطار تسويات شخصية خضعت لضوابط القانون ولتفّهم القيادة السياسية بالبلاد». جاء ذلك بعد الإعلان عن مطالبة أكثر من 150 من أبناء الحركة في المهجر بحقهم في العودة إلى بلدهم، واعتبارهم أن الوقت حان للاهتمام بملف المشتتين بين دول العالم منذ بداية التسعينيات. ودعا المطالبون بالعودة في لائحة وزّعت على وسائل الإعلام إلى «أن تكون العودة شاملة ولا تستثني أحدا، وأن تضمن لهم الحق في التنقل والإقامة وممارسة حقوقهم العقائدية والسياسية، وحريتهم في مواصلة نضالهم السلمي من أجل المصلحة عامة، بكل الوسائل المشروعة التي يكفلها الدستور والقانون». وأوضح نور الدين ختروشي منسّق مبادرة «حق العودة» إلى تونس أن المبادرة لا تقتصر على أبناء «النهضة» فقط وأن «أصحابها ينتمون إلى تنظيمات سياسية وعائلات أيديولوجية مختلفة من بينها حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب العمال الشيوعي التونسي وعدد من المستقلين، يعانون كلهم من التهجير القسري، وذلك رغم أن غالبية الموقعين على العريضة هم فعلا من الإسلاميين المنتمين لحركة النهضة أو المتعاطفين معها والذين اضطروا لمغادرة البلاد إثر موجة الاعتقالات والمحاكمات الجائرة والتعذيب الوحشي التي طالت الآلاف في بداية التسعينيات من القرن الماضي». واعتبر بسيّس أن التصريحات التي أطلقتها قيادات «النهضة» في الآونة الأخيرة «غير واضحة وضوحا كاملا خاصة أنها تتوازى مع تصريحات لا تقل تشنّجا ولهجةً تصعيديةٍ عما صدر عن تلك القيادات في السابق، وهي لغة تعوّد عليها خطاب النهضة، فالصادق شورو رئيس الحركة ما زال يشبّه العلاقة مع السلطة بعلاقة موسى بفرعون» على حد تعبيره. وردا على سؤال ل «العرب» بأن شورو-وهو الذي خرج حديثا من السجن بعد 17 سنة من الاعتقال- قد لا يكون المثال الأفضل والمعبّر الأكثر «وفاء» عن مواقف الحركة، قال بسيّس «عموما وبغض النظر عن تصريحات شورو فإن خطاب النهضة لم يخرج عن سياق الجملة «التقليدية» التي لا توسّع هامش الإشارات الإيجابية» في إشارة إلى ما يتردد باستمرار على لسان بعض قيادات النهضة عن «الخروج من السجن الصغير إلى السجن الكبير». وعما تردد من أخبار مؤخرا عن مبادرات قامت بها الحركة باتجاه الحكم، وما عبرت عنه من خلال تصريحات عدد من قيادييها عن استعدادها لطيّ صفحة الماضي قال الإعلامي التونسي «إن هذه الأخبار تم إلقاؤها للعموم دون تحديد السياق الذي جاءت فيه ولا الفترة التي تمت فيها وهذا لن يغير شيئا من أن «النهضة» أخطأت في تأجيل ترشيد خطابها، وطلبُ المصالحةِ كان من الممكن أن يكون له صدى لو جاء في فترة مبكّرة». وتابع «يعلم الجميع أنه في سنة 1999 عطلت النهضة مبادرة كان من الممكن أن تفضي إلى نتائج، وهي ما زالت إلى حد الآن تنكر وجود هذه المبادرة». واعتبر أن المطلوب من الحركة الآن هو إعادة ترتيب أولوياتها وفق ميزان القوى في الواقع وأن عليها أن تدرك مجموعة من الحقائق الجديدة من بينها أن أولوياتها الآن هي التسوية الإنسانية قبل التسوية السياسية. لكن النهضة -وفق بسيّس- «ما زالت للأسف تعتبر نفسها الطرف الأقوى في المعادلة السياسية والعديد من قياداتها لم يستوعبوا بعد أن هذه المعادلة تغيّرت عما كانت عليه في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي». يذكر أن عدد المهجّرين من النهضة يبلغ وفق آخر إحصاء قدمته الحركة نحو 3000 مهجّر يتوزعون على القارات الخمس، ويتركّزون بالأساس في بلدان الاتحاد الأوروبي حيث يتمتّعون بحق اللجوء السياسي، ويعود تاريخ تهجيرهم إلى بداية التسعينيات حين شنت السلطة حملة لاستئصال الحركة وزجّت بالآلاف من أبنائها في السجون والمعتقلات فيما تمكن عدد قليل منهم من الفرار.