مثلت استضافة السيد اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المنتخبة في تونس من قبل الحكومة التونسية الحدث الأبرز في تونس وشهدت الاستضافة تفاعلات عديدة وتداعيات متناقضة بين الأوساط السياسية في تونس وخارجها. ولكن الأكيد أن الزيارة قد حازت على رضا التونسيين وابتهاجهم يدل على ذلك البرنامج الثري والمراطوني للسيد رئيس الوزراء الذي تجول بين تونس العاصمة والقيروان وسيدي بوزيد وصفاقس ليعود ويختتم زيارته بالعاصمة في مهرجان كبير وحضور جماهيري غفير بالمركب الرياضي بالعاصمة. ولقد تعددت المواقف والآراء حول الزيارة والدلالات التي يمكن استنتاجها من أول استضافة رسمية للحكومة التونسية المنتخبة وإلى أي حد كانت موفقة ليفتح الباب على سيل من الاستنتاجات والتأويلات من المعارضة التونسية كما تفاعل المشهد الإعلامي التونسي بهذه الزيارة واستأثرت بالكثير من العناوين والتحليلات بين من يعتبرها خطوة موفقة وحدث تاريخي ومن رآها مجازفة واجتهاد غير موفق لحكومة الحركة الإسلامية ستزيد من المخاوف المجتمع التونسي والدولي منها. إن أول الحقائق الموضوعية التي عاشها التونسيون بمناسبة زيارة السيد إسماعيل هنية هي تلك الجموع الغفيرة التي لم يسبق أن رأيناها في مطار تونسقرطاج الدولي تستقبل مسؤول عربي أو دولي خاصة بعد الثورة إذا استثنينا استقبال الشيخ راشد الغنوشي عند رجوعه إلى تونس من منفاه، وبالتالي فالحقيقة التي لا يملك الإعلاميون ولا السياسيون أن ينكروها أن استضافة السيد إسماعيل هنية جاءت من حكومة منتخبة من الشعب التونسي الذي خرج تلقائيا لمساندة قرار الحكومة فك الحصار السياسي عن الحكومة الفلسطينية المنتخبة والمليئة أيضا بالشرعية شئنها شئن شقيقتها التونسية وهنا يلتحم لأول مرة موقف الحكومة التونسية وموقف الشعب التونسي من القضية الفلسطينية ...ولقد عبر السيد عبد الباري عطوان كأحسن ما يكون عن ذلك فقال أن الشعب التونسي يكن للفلسطينيين ولفلسطين وقضية فلسطين حبا وانتماء لا يوجد لدى الدول الشرق العربي والخليج العربي وشعوبها. فهذا الشعب أثبت وهو يستقبل المجاهد أبوالعبد أن موقفه من القضية الفلسطينية ما يزال بكرا لم يشوه فسرعان ما انطلقت حناجر النساء والرجال والشباب بالتكبير والتهليل مطالبين بتحرير فلسطين ورفض الاحتلال والمفاوضات معه ...الشعب يريد تحرير فلسطين...لن نعترف بإسرائيل...وغيرها من الشعارات التي جدد بها التونسيون إيمانهم بمركزية القضية الفلسطينية وضرورة تعديل الاتجاه العربي عموما نحو الهدف الاستراتيجي المشترك. البعد الثاني للاستضافة يتعلق بالحكومة التونسية التي انتقلت إلى الفعل السياسي بالسرعة القصوى سيما في السياسة الخارجية حيث تزامنت زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني مع استقبال وزيري الخارجية الفرنسي والإيطالي وقبيل قدوم نضيرهما الألماني وهو ما يدل على أن الديبلوماسية النشيطة وحاجة البلاد لاسترجاع الثقة من المستثمرين والرسائل التطمينية للشركاء الأوروبيين لن تكون في برنامج الحكومة التونسية على حساب قضايا الشعب التونسي المركزية والتي يحتمها انتماؤه العربي والإسلامي ولذلك فالرسالة هنا قوية وحازمة ولعلها مقصودة ومرتبة..الحكومة التونسية أكدت مرات عديدة للإعلام أن المستضيف هو الحكومة وليست حركة النهضة وان ذلك من واجب الحكومة التونسية أن تسعى إلى المبادرة في صنع الأحداث سيما ما يتعلق منها بفك الحصار السياسي على الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة. أخيرا كانت الرسالة المضمونة الوصول إلى الفرقاء السياسيين بالداخل وإلى المعتدلين كما يسمونهم من الأطراف العربية في الخارج ..رسالة مفادها أن تونس الثورة تصالحت نهائيا مع هويتها العربية الإسلامية وامتدادها التاريخي والجغرافي ولن يضيرها او تجد حرجا أبدا في الوقوف إلى جانب إخوانها العرب والمسلمين في قضاياهم العادلة ...إنها دورة تاريخية لفائدة الحق والعدل سوف يكون عنوانها معا نحو القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة. لقد كان اللقاء الأخير للسيد اسماعيل هنية مع الشعب التونسي في المركب الرياضي بالمنزه مليئا بالمشاعر والرسائل الرمزية لعل أبهاها كان اعلان إمراة فرنسية اسلامها وهي ترتدي الحجاب أمام السيد اسماعيل هنية ...لقد كان الموقف من الحميمية بمكان لم يفرق فيه التونسيون بين الضيف المجاهد القادم من رباط بيت المقدس وبين الاخت المسلمة الفرنسية الأصل والاجواء التونسية المشبعة بالحماس الثوري والمشاعر الدينية ..إنه بالفعل يوم من أيام الاسلام ويوم من أيام التقدم نحو تحرير فلسطين. فهل بعد هذا من مجال لتوظيف الزيارة التاريخية والاستضافة الاخوية لاسماعيل هنية بين إخوانه في الحكومة التونسية المنتخبة والشرعية توظيفا سياسيا او أيديولوجيا وتحويلها إلى وسيلة للابتزاز السياسي