قابس: الخميس 16 أكتوبر يوم غضب جهوي... التفاصيل    الفريق المشترك لوزارتي الصناعة والبئية يستمع لحلول مقترحة لإيقاف مشكل الثلوث في قابس    صندوق النقد الدولي يتوقع ان تبلغ نسبة النمو في تونس 2،5 بالمائة سنة 2025    جندوبة: استعدادات لموسم جني الزيتون وخطة جهوية لتأمين الصابة    عاجل/ قضية الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    المنظمة الدولية للهجرة بتونس: عودة طوعية ل138 مواطنا غينيا إلى بلدهم..    منتجو التفاح بفوسانة يعبّرون عن استيائهم من مداهمات المراقبة الاقتصادية المتكرّرة لمخازن التبريد وحجز محاصيلهم    عاجل/ ردا على عدم تسليم المقاومة بقية جثامين الأسرى: هذا ما قرره الكيان الصهيوني..    وزير التربية: الوزارة شرعت في تسوية الدفعة الثانية من الاساتذة والمعلمين النواب    عاجل: لتفادي حجب الثقة.. الحكومة الفرنسية تعلق إصلاح نظام التقاعد    الترجي يعلن عن نتائج الفحص الطبي للاعب يان ساس    أخبار النادي الافريقي ..الإدارة تنتهج سياسة «التقشف» وجدل حول فرع الكرة الطائرة    سوسة: وكر دعارة داخل مركز تدليك    الفنان الملتزم سمير ادريس ل«الشروق» فلسطين هي محور الكون والقضايا    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يجدد فوزه على نظيره العراقي وديا 3-0    مفتي الجمهورية يشرف بالمهدية على الندوة الأولى لمنتدى العلاّمة الشيخ محمد المختار السلامي في الاقتصاد والمالية الإسلامية    وزراة التربية تعلن عن مواعيد الامتحانات الوطنية    الرئيس الأمريكي يتهرب من حل الدولتين.. انتقادات لاذعة في إسرائيل بسبب سخرية ترامب من محاكمة نتنياهو    انطلاق بطولة القسم الوطني "أ" للكرة الطائرة يوم 25 أكتوبر الجاري    لقاء إعلامي للتعريف ببرنامج "أوروبا المبدعة"    جريمة قتل بشعة تهزّ منطقة باب سويقة    عاجل: غدا...تغيير في قطار صفاقس -تونس    عاجل : لطفي الجبالي مدربا جديدا للملعب القابسي    عاجل: مطالب بضرورة إقرار إجباريّة مُناظرتي ''السيزيام'' و''النوفيام''    وزارة الصحة تحذّر من السّمنة    قرار جديد من وزارة العدل يحدد عدد العدول المنفذين ...تفاصيل    تكريم الدكتور عبد الجليل التميمي في نوفمبر المقبل خلال حفل تسليم جائزة العويس للثقافة    عاجل: تفاصيل محاولة اقتحام فرع بنكي بالمنستير دون سرقة أموال    إنفانتينو: الفيفا ستساعد غزة في استعادة البنية الأساسية لكرة القدم    أثار ضجة كبيرة: لاعب كرة قدم معروف مرشح في انتخابات الكامرون..ما القصة؟!    عاجل: أكثر من 820 ألف تونسي استفادوا من قروض التمويل الصغير    عاجل/ أردوغان يحذر إسرائيل..وهذا هو السبب..    بهذه الكلمات: ترامب يتغزّل بميلوني    باجة: رئيس اتحاد الفلاحة يدعو الى توفير الاسمدة مع تقدم عمليات تحضير الارض بنسبة 85 بالمائة    مدنين: دعوة الى تمكين حجيج جربة من اجراء الفحص الطبي بالجزيرة    عاجل : حبيبة الزاهي بن رمضان: تونسية تدخل قائمة أفضل 2% من علماء العالم    رصاص فال''دهن'' المنزلي.. شنيا هو وكيفاش يمثل خطر؟    الكاف: يوم تنشيطي بدار الثقافة بالقصور بمناسبة الاحتفال بالذكرى 62 لعيد الجلاء    غرفة التجارة والصناعة لصفاقس تستعد لإطلاق المنصّة الرقمية لإصدار شهادات المنشأ    عاجل: غدا...الصيد البرّي ممنوع في أريانة وبنزرت    عاجل/ بشرى سارة بخصوص صابة زيت الزيتون لهذا العام..    قضية استعجالية لوقف الانتاج ببعض وحدات المجمع الكيميائي التونسي بقابس..#خبر_عاجل    هل عادت كورونا؟: الدكتور رياض دعفوس يكشف..#خبر_عاجل    حركة "جيل زد" تدعو لاستئناف احتجاجاتها في المغرب    فاجعة صادمة: طفلة التسع سنوات تنتحر وتترك رسالة مؤثرة..!    بطولة اولبيا الايطالية للتنس: معز الشرقي يودع المنافسات منذ الدور الاول    عاجل/ الكيان الصهيوني يخرق مجددا اتفاق وقف اطلاق النار..واستشهاد 3 فلسطينيين..    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة وأمطار غزيرة بالشمال والوسط ورياح قوية    وزارة التربية تصدر روزنامة المراقبة المستمرة للسنة الدراسية 2025-2026    رئيس مدغشقر: تعرضت لمحاولة اغتيال وأتواجد حاليا في مكان آمن    بنزرت.. في الذكرى 62 لعيد الجلاء .. خفايا معركة الجلاء محور لقاءات فكرية    مشاركة تونسية هامة ضمن فعاليات الدورة 46 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    مهرجان الرمان بتستور يعود في دورته التاسعة..وهذا هو التاريخ    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة تحتضن العلمي د. مصطفى يوسف اللداوي
نشر في الفجر نيوز يوم 06 - 02 - 2012

عاد الرجل الصموت الهادئ الرزين، صاحب العقل الراجح والرأي المستنير، المتواضع حجماً العظيم مكانةً، النحيل جسماً الكبير عقلاً، الخافت صوتاً السليط بالحق لساناً، الذي لا يعرف غير الحق طريقاً، والعدل ميزاناً، والحكمةِ بياناً، والصدق سبيلاً، والتواضع حياةً، والحب صفاءً، وسلامة الصدر طهراً، وحب الخير سلوكاً، الرجل الذي ما أحب يوماً الأضواء وما سعى إليها، فعمل سنين طويلة في الخفاء وبعيداً عن الأنظار، فكان قائداً جندياً وجندياً قائداً، لم ينتظر مكرمة، ولم يتوقع من أحدٍ غير الله منزلة، أحبه المقربون، وتمنى التعرف عليه الكثيرون، لا يعرفه الناس إذا حضر، ولا يفتقدونه إذا غاب، فكان حضوره كالطيف، وغيابه كالندى، لا يعاسيب كالنحل حوله، ولا مظاهر يكرهها تطوف به وتطوقه وتكاد عن الأرض تحمله، وعن الناس تحجبه، وعن بساطته تحرفه، وعن تواضعه تبعده، بسامُ الوجه، عذب الكلمات، رقيق الإحساس، صادق النجوى، نحسبه من الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم أهل التقوى.
عاد اليوم إلى قطاع غزة عماد العلمي بعد اثنتين وعشرين سنة من الإبعاد عن أرض الوطن، التي أخرج منها عنوةً وقسراً، وقد كانت أحب أرض الله إليه، وأعزها إلى نفسه، وأقربها إلى قلبه، ولكنه عنها أبعد، وعن أرضها أقصي، ومن بين أهله وأحبابه نزع، ولكنه أقسم في جنبات القدس، وسمعت رباها كلماته وإخوانه، وتردد صداها في رحاب المسجد الأقصى ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يخاطب دهاقنة الكيان الصهيوني وقضاته في محكمتهم المسماة عليا "أننا سنعود يوماً إلى فلسطين، وسنخرجكم منها"، فاليوم يعود العلمي إلى غزة ثالث أربعة مرفوع الرأس، عالي الجبين، منتصب القامة، موفور الكرامة، ثابت الخطى، وواثق الخطوة، مؤمناً بأن الذي أعاده إلى غزة بعد نصر الله الذي تنزل عليها، قادرٌ على أن يعيد الأرض كلها، ويعيد إليها أهلها وأصحابها وإن طال بهم الشتات، ومزق شملهم الزمن.
الناظر إليه لا يرى فيه رجلاً مفتول العضلات، عريض المنكبين، جهوري الصوت، شديد القبضة، يرهب من حوله، ويخيف من يعترضه، ويرعب من يلقاه، ولكنه يرى رجلاً يذكرنا بأول صادحٍ بالقرآن الكريم، عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه أن مكانته عند الله أثقل من جبل أحد، فها هو يعود إلى غزة عظيماً كجبل أحد، راسخاً كمكة وجبالها، مزهواً بنصرها، مفتخراً بحريتها، فرحاً بعزتها، يرى فيها الدنيا كلها، وسعة العالم بأسره.
اليوم تَغْنى وتثرى فلسطين وشعبها، وتسعد غزة وأهلها، بعودة رجلٍ لا هم له في الحياة إلا الوطن، ولا شيء يشغله في الدنيا غير فلسطين، التي سكنت قلبه، وعمرت فؤاده، فمنحها غاية ما يملك، وضحى في سبيلها ومن أجلها لتبقى ويعود إليها أهلها، أعزةً كراماً، لا عدو يتربص بهم، ولا احتلال يتآمر عليهم، ولا خطر يحدق بهم، إنما هم بين أهلهم وعلى أرض وطنهم، فاليوم غزة غنية بفكرٍ نير، وعقلٍ راشد، وروحٍ صافية، وإخلاصٍ نادر، وحبٍ متجرد، وثورةٍ صادقة، وغيرةٍ عاقلة، فلتصغِ إليه السمع، ولتنشد عنده الحكمة وفصل الخطاب، ولتتبع توجيهاته، ولتسمع نصحه، وتصدق كلماته، فهو يرى ما لا ترون، ويعرف ما لا تعرفون، ويدرك ما لا تدركون، وليس له فيما يقول مأربٌ شخصي، وحاجةٌ خاصة، إنما غايته وطنه، وهدفه شعبه، وعيونه تتطلع إلى الحرية، وتشرئب إلى الانتصار، هنيئاً لغزة عودة ابنها وأحد أصدق رجالها، وهنيئاً له أنه حقق وعده، وأنجز عهده، وعاد إلى فلسطين التي أحب من جديد.
جالسوه إذا أحببتم أن تسمعوا عن أهلكم وشعبكم في الشتات، واطلبوا منه أن يطمئنكم عن قضيتكم ومستقبل وطنكم، واسألوه عن سبل النجاة ومسالك الفوز، وعن عدة النصر وأسباب الانتصار، وخذوا من يقينه بالنصر وإيمانه بدحر العدو، وعددوا معه مناقب القيادة وصفات الجند، ورأيه في الحاكم العادل وفي الحكومة الرشيدة، ووجهة نظره في سلوك الحاكم وصفات القائد، واسمعوا منه عن الربيع العربي وثورات الشعوب، ومآل العدل ومصير الجور، وليحدثكم عن الأنصار والمحبين، وليحذركم عن الخصوم والمتخاذلين، ولا تترددوا عن سؤاله عن حركة حماس العظيمة التي إليها ينتمي، وفي صفوفها عمل، ولبرنامجها ومنهجها آمن وأخلص، اسألوه عما يقلقكم ويخيفكم، وبما يدور في نفوسكم ويختلج في نفوسكم، وبما يتردد على ألسن غيركم، وبما يشاع في وسائل إعلامكم، ويروج له في محافل غيركم، وعلى لسان من لا تعرفون من شعبكم، واسمعوا لرأيه في كل ما يجري حولكم ولكم، وما يرتب ويخطط في الخفاء لشعبكم وقضيتكم ووطنكم ولحركات المقاومة في وطنكم، وليعطكم من تجربته التي أغناها صمته، وأثراها عمله، وعمقها صدقه، وصقلها علمه وأدبه، وألحوا عليه في السؤال ليحدثكم فهو مقلٌ في الكلام، لا تخرج منه الكلمة إلا في موضعها وعند حاجتها.
فلسطين لا ينساها أحد، ولا يفرط فيها مسلم، ولا يتخلى عنها أهلها وحماتها، ومهما طال الزمن أو قصر فإن النصر حليف هذه الأمة، ولن يتر الله عباده المخلصين أعمالهم وجهادهم، بل سيكللها يوماً بنصرٍ أغر، وفوزٍ عظيم، نفخر به ونعتز، ونسجله في صفحات تاريخنا، ونعلمه لأجيالنا من بعدنا، نصرٌ يصنعه رجالات هذه الأمة، الذين يتطلعون إلى النصر أو الشهادة، والذين لا يلتفتون لغير المقاومة، ولا يعيرون الدنيا اهتماماً ولا زخرف الحياة تمسكاً، وكما عاد عماد فسيعود الآخرون من أبناء الوطن جميعاً، ومن أخرج يوماً ضعيفاً فإنه سيعود غداً لا محالة قوياً، معززاً بالقوة والقدرة والإرادة والتمكين، مجدداً هنيئاً لك عماد العودة الكريمة الميمونة، وهنيئاً لمن أحببت وقابلت ولاقيت، أهلاً وأصحاب وجيران، وإن موعدنا معكم في غزة وعلى بحرها الهادر هذا الصيف، أليس الصيف بقريب؟ ...
دمشق في 6/2/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.