الاستقلال الحقيقي ليس " صفقة " لتأبيد التبعية الشاملة والإلحاق الثقافي والحضاري ، وليس تجفيفا مُمنهجا لمنابع شعب كامل ، بعزله عن هويته وعمقه التاريخي .. ذلك ما شهدناه طيلة عشريات " الاستقلال " حيث تعمقت الفجوة بين التونسيين وبين مفردات شخصيتهم الوطنية في محاولة " تحديثية مغشوشة "، فلا هي مضت في نهج التحديث إلى منتهاه بإشاعة روح التحرر الثقافي والسياسي ، و لا هي تمسكت بأصولها وطورت ثقافتها وارتقت بوعيها الذاتي على غرار كثير من البلدان .. كان الخيار متذبذبا قلقا عكَس نفورا من ملامح الذات وتمسكا بملامح الآخر .. فأنتج جيلا مرتبك الرؤية أفلح النظام في إبعاده عن السياسة بتضخيم هالة "الزعيم" من ناحية ، وبالترهيب من الاختلاف و" تصفية " الخصوم من ناحية ثانية .. ولكن الشعوب لا تنسى هويتها و لا تغفل عن ملامحها .. وها هي بعد كل تلك المحاولات تتنتفض على ذلك التراكم من " الانجازات" التي لم تراع التاريخ ولا الإنسان .. ولا مطالب الواقع ، كان بورقيبة رجل سياسة محنكا وخطيبا بارعا ، راهن على المعرفة والثقافة ، ولكنه أخطأ حين نظر إلى الحقيقة بعين " الآخر" فقط ، فجعل إنجازاته كلها معزولة عن العمق الثقافي الوطني ، في مهبّ الثورة . المجاهدون الحقيقيون هم من دفع دمه فداء لأرضه وكرامة شعبه . أولئك الذين اصطُلح ظلما على تسميتهم " بالفلاقة " تصفية ً لخيار المقاومة المسلحة وتمهيدا لخيار التفاوض والوصاية . وكان ذلك ، ولكن التاريخ لا ينسى والشعوب لا تموت. رحم الله الشهداء السابقين واللاحقين ، والمجد والخلود لشعبنا العظيم ولرجاله البررة وأرضه الطاهرة . سالم المساهلي