منذ فجر التاريخ والعالِم والمفكر بين فكّي السلطة أو الجمهور، فإن وافق السلطة وسايرها في كل أمر ظهر له من العامة من يدينه وينشر معائبه ويحذِّر منه ويقمصِّه ألقاب التبعية والإمَّعة، وعالم السّلطة والمداهن والمشتري بآيات الله ثمناً قليلاً، وإن خالف السلطة ووافق الجمهور حذّر منه السلطان على مذهب فرعون، حيث قال للرأي العام عن موسى: «إني أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد»، فإن لم يردعه هذا أُدِّب بالحبس وبالجلد تأديباً له وردعاً لأمثاله، فإن استمر في عتوّه وصعّد من معارضته قُطِع رأسه؛ ليرتاح منه العباد والبلاد، وقد حوكِمَ سقراط وحضر محاكمته في أثينا خمسمائة قاض ومحقق وشاهد، ثم شُنِق، وسلَّط الحجاج على سعيد بن جبير فأعدمه صيانة للأمة من علمه الغزير وفهمه الثاقب، واجتهد الإمام مالك في مسألة فجلده أبو جعفر حتى خلع يده، ووُشي بالشافعي عند هارون الرشيد فأُحضر مقيداً بالحديد من اليمن إلى بغداد، ووقف الإمام أحمد في فتنة القول بخلق القرآن فمزَّق المعتصم ظهره بالسياط، وأجلب العامة على ابن جرير الطبري فكبسوا بيته ورموه بالحجارة، ووُشي بابن رشد فحُكِم عليه بالإقامة الجبرية في بيته، واضطهد ابن خلدون بأفكاره حتى ترك القضاء وهُدِّد حتى هرب إلى قلعة بشمال أفريقيا كتب فيها مقدمته ثم مات، ووُشي بالمتنبئ عند سيف الدولة ففرَّ إلى كافور بمصر فحوصِرَ ففرَّ إلى عضد الدولة بشيراز فضُيّق عليه فهرب إلى صحراء بني أسد فذُبِحَ كما تُذبح الشاة، وذهب حسّاد ابن حزم الظاهري إلى السلطان فشهدوا عليه بأنه ضال مبتدع متمرّد فنفاه إلى البادية وأحرق كتبه وحذَّر الناس من شرّه، وقام أعداء شيخ الإسلام ابن تيمية بحملة شعواء ضده وطالبوا بقتله صيانةً للدين بزعمهم فخُفِّف الحكم عليه بسجنه حتى مات، فإذا أراد أعداء النجاح وخصوم الحقيقة بأحد النابهين واللامعين شرّاً أوغروا صدر الحاكم عليه بحجة الحفاظ على الأمة والملّة والمكتسبات حتى يبطش به، فإن نجا من هذه العصابة قام الجمهور عليه وانتقدوا آراءه وسعوا في القضاء على تراثه، والغالب أن العالِم والمفكّر والشاعر يقع تحت سلطة الحاكم أو الجمهور، فإن أرضى الحاكم ورفق به ولم يخالفه في أي مسألة صار من ندمائه وأصفيائه، حينها ينقضّ عليه الجمهور محذِّرين ومنذرين ومتربّصين، فيفقد حضوره وجمهوره، وإن خالف الحاكم وأبدى رأيه وصدع بمخالفته تعلَّق به الناس في الغالب وجعلوه رمزاً للتضحية والشجاعة والتَّجرد، وحينها يعد له الحاكم العدّة ويجهّز له مراتب التأديب من منع وحظر، أو جلد وحبس، أو تصفية جسدية في الثلث الأخير من الليل على يد مجهول، كما تفعل الحكومات الثوريّة الفاقدة للشرعيّة، التي دخلت الأوطان على دبّابة مستعمر، فعلى طالب الحق والمنصف أن لا يحاكم صاحب العلم والفكر من خلال رأي الحاكم أو الجمهور، لكن بالبحث والاستقراء في علمه وفكره كما قال علي رضي الله عنه: «اعرف الحق تعرف أهله، ولا تعرف الحق بالرّجال»، وعلى العالِم والمفكر والشاعر أن يتقي الله في قوله وعمله، ويقصد الحق ويتحرّى الصواب، سواءً وافق الحاكم والجمهور أو خالفهما، وليتجنّب أهل العلم والرأي والفكر طريقين: طريق التطبيل والتضليل للحاكم، ولكن الاعتراف بالصحيح والتنبيه على الخطأ، وأيضاً عليهم مع الجمهور أن يجتنبوا منهج «ما يطلبه المستمعون» وهم الذين يبحثون عن كل ما يرضي الجمهور ويثير الرأي العام فيفعلونه طلباً للشهرة والمنزلة عند الرّعاع. «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» ************ التعليقات عبدالرحمن الغامدي، «المملكة العربية السعودية»، 06/12/2007 بارك الله لنا في علماءنا وعلى رأسهم عائض القرني. فهم من يخلد التاريخ ذكرهم. وأضيف لما ذكرت يا شيخنا الفاضل، الأنبياء وهم خير البشر لم يسلموا من أذى السلطان أو أذى العامة. فهي ضريبة يجب دفعها والصبر في سبيلها.
محمد البدري، «مصر»، 06/12/2007 ليس صحيحا ان العالم والمفكر كانا بين فكي السلطة أو الجمهور حسب قول الاستاذ عائض القرني. فامثال سبينوزا وكانت وهيجل وفرويد وحتي داروين كانوا ممن قطعوا صلتهم باعلى سلطة وترفعوا عن اقوال وافعال الجماهير. فالاستقلال العقلي والفكري عما تقوله السلطة او يقولة الناس مهم في نشأة أي فكر جديد. ولهذا يعجز كل من يتحدث العربية عن اضافة أي جديد لانه اما هنا او هناك. ببساطة هو دائما مع الخاسرين.
كانيساركي برواري، «النرويج»، 06/12/2007 يا شيخنا الجليل اطال الله بعمرك، وماذا واجه الرسول الكريم { ص } ابان بعثته من القريش؟, ولكن هذا هو سر الحياة والتقدم إن تطابق كل شيئ بين الناس والحكام والمبدعين تجمدت الحياة وما كنا نرى تقدما وهكذا الناس مختلفون في حكمهم وإنطباعهم وتوجهاتهم ترى احدهم يصّب جام غضبه على مبدع ما وترى اخرين يذكرون مناقبه ويجب ان يكون دستورنا في الحياة هو { وقل الحق من ربك }.
saad abdullah، «المملكة العربية السعودية»، 06/12/2007 وحتى الان لايزال من يتربص بالعلماء والكتاب ويبحث عن كلام قيل في خطب سابقة وكأنهم لا يصح لهم التنبه والرجوع الا بتفهم العامة.
فهد صالح، «المملكة العربية السعودية»، 06/12/2007 أسعد الله صباحك شيخنا الفاضل. كم أتشوق الى قراءة موضوعك. وهذا الموضوع استطيع وصفه بأنه (جرعة) قد حقنتها بقلمك في داخل افكارنا، بشخصيتكم الفذه وفكركم المتألق. أحيانا نرى ان لاعب البايسبول يتأهب لضرب الكره ونراه يضربها ولكن لا نرى هدفه. وهذا هو مقالك يرمي الى أشياء بعيده. أسعدك الباري.
غزاوي غالب حمد، «المملكة العربية السعودية»، 06/12/2007 موضوع على غاية من الأهمية ولكنني أرى أن العالم والمفكر والشاعر يستطيع كل منهم أن يكون متوازناً من خلال طرح أفكاره أو أعماله دون غلو أو تعصب ثم إنني لا أجد من يمثلون السلطة في عالمنا المعاصر يتناقضون مع الفكر والعلم البناء إلا عدد قليل لا يشكل ظاهرة، إنما المشكلة تكمن في مدى ما يقوم به هذا المفكر من مبالغة وغلو يؤثر سلباً على أمن المجتمع. ثم إن الكثير ممن استشهد بهم عالمنا الجليل لم يتعرضوا لما تعرضوا له لأسباب تتعلق بوقوفهم في وجه الحكام إلا إذا استثنينا بعضهم. فالمتنبي مثلاً لا يمثل المقولة التي طرحها أستاذنا لأنه كان مداحاً وطلّاباً للجاه والسلطة.
سالم الحسيني، «المملكة العربية السعودية»، 06/12/2007 جزاك الله خيرا يا شيخ عائض فالعالم يتبع الحق ولا يهتم بكلام الناس ...فكما قال الشاعر فأدركت اني مهما اردت رضا الناس لا بد من ان اذم وكلما قرب العالم من السلطان فمسؤوليته اعظم امام الله والمسلمين فعليه ان يتقي الله ويمحض النصيحة للسلطان ولا يسكت عن منكر يفعل ولا يتغاضى عن معروف يهمل ولا يداهن في دين الله فملوكنا وفقهم الله لكل خير احوج ما يكونون الى العلماء الناصحين المخلصين الشجعان الذين لا يخافون في الله لومة لائم وهذه مسؤوليتكم انتم وامانة موضوعة في رقابكم ستسألون عنها امام جبار السماوات والارض. اعانكم الله وربط على قلوبكم وسددكم لما يحبه ويرضاه.
د. هشام النشواتي,CA، «المملكة العربية السعودية»، 06/12/2007 مقال رائع بارك الله فيك نعم «اعرف الحق تعرف أهله، ولا تعرف الحق بالرّجال» ولهذا الإنسانية بعد حربين عالميتين وصلت إلى علم الديمقراطية وإحترام الإنسان أي إلى تطبيق العدل على الجميع كما فعلها الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
احمد الواسطي، «الدنمارك»، 06/12/2007 الزمن في حركته التاريخية نحو الأمام يحتاج إلى رجال يمتلكون الشدة والقوة وعمق الفكر. المفكر الناجح والمقتدر علميا لا ينظر إلى رجل الحكم ولا ينظر إلى الجمهور بل ينظر إلى ما يتطلبه الزمن من فكر وفلسفة تقدمية تسير به إلى المرسى الصحيح. فالأمم لا تتطور ولا تتقدم قيد أنملة ان هي اعتمدت على قوى بشرية فكرية تضع إعتبارا مرة لهذا ومرة لذاك. ولنا في رسولنا الكريم إسوة حسنة، فصلوات الله عليه واجه كما هائلا من الصعاب والعقبات وهو ينشر رسالة الإسلام السمحاء بين أهل الجزيرة العربية، فالرسول كان قويا وشديدا ولا تأخذه في الله لومة لائم، فكان تارة يستعمل الإقناع وقوة الحجة مع من يأتي معه إلى رسالة الإسلام ومرة يستعمل سيف الحق بوجه الضالين الذين يريدون أن يمحقوا ويصدوا هذه الرسالة المعطاء، فكان له ما أراد وها نحن جميعا نعيش تحت خيمته الربانية. هذه الخيمة التي ملأت عقولنا ونفوسنا بكل ماهو خير ونجيب. هذه الخيمة التي بنت إرثا تاريخيا عظيما ينحني أمامه كل الجبابرة والمستبدين، وما الحرب الشعواء على الإسلام ونبيه الكريم وتابعي سنته بكل همجيتها وبشاعتها من قبل أهل البغي والظلم إلا دليل قاطع على ما نقول.
حسان المرشد، «الولاياتالمتحدةالامريكية»، 06/12/2007 قال رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم: شر الناس المثلث، قيل يا رسول الله وما المثلث قال: الذي يسعى بأخيه إلى السلطان فيهلك نفسه، ويهلك أخاه، ويهلك السلطان.
خالد الشغيبي، «المملكة العربية السعودية»، 06/12/2007 مقال موفق كما عهدناك دكتورنا الكريم واكثر ما اعجبني قوه الاستدلال باشخاص مروا بتجارب مريره عبر الازمان والعصور. الى الامام وجميل ان ترى فكرا مستنيرا متزنا في زمن الفتن.