تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرهاب في الغابة : فتحي العابد


بسم الله الرحمان الرحيم
إرهاب في الغابة
هناك بعيد.. في الغابة حيث يعمرها خلق كثير، منها ثلاث دول حولت أخيرا نحوهم الإنتباه.. الأولى قوية وظالمة وهي دولة الثعالب المهيمنة على كل الغابة، والثانية غاصبة ومحتلة لجزء من دولة الدجاج في الشرق ومتقوية بالأولى وهي دولة الجرذان، والثالثة ضعيفة ومظطهدة ومقزمة وهي دولة الدجاج.. أين ولد وتخرج واشتهر النابغة والعالم الفذ الديك "نقّار"، عالم الفضاء المشهور.. الخبير بأوقات الزلازل والمحن.. المتنبأ بالصواعق والأمطار.. العارف بأحوال الكواكب والنجوم.. حيث فقد منذ أيام هذا العالم زوجته وفرخه الوحيد. لقد قلموا أظافره وقصوا منقاره، ومنعوه من الكلام، وذاق من الإرهاب النفسي قبل المادي من الدولة العظيمة.. دولة الثعالب.. الدولة الجبارة.. هذه الدولة الظالمة والغاصبة لحقوق الدجاج الضعيف مع حليفتها دولة الجرذان.

يدخل المقهى المحاذي للقاعة.. بوجه حزين ويحتل مكانا في الركن، القاعة التي خصصتها له دولة الثعالب، لمحاظراته وإعلان اكتشافاته.. يصله المشروب قبل أن يطلبه أو حتى إن كان لايريد أن يشرب… ينظر في الساقي الذي ألفه، واعتاد عليه، وأصبح يعرف ماذا يريد منه كل مساء. سعاله بات مألوفا، إلا أنه لا يثير الإهتمام، وكثيرا مابين كاس وأخري ينتف ريشه. في مثل هذا الوقت وسط الأجواء الم..كتظة بالزبائن والباحثين، المتلهفين إلى اكتشافاته واختراعاته.
أليس هذا الدكتور "نقّار"؟ وعالم الفضاء المشهور؟ يتسائل أحد الفراخ.
يجيبه الآخر: إنه هو بشحمه ولحمه!
لماذا يرتاد مثل هذه الأماكن الغريبة عليه؟ عادة في مثل هذه الساعة يكون في مرصده المعروف بمرصد الصفصاف، فوق التلة الخضراء يتطلع للنجوم والكواكب، يأذن في الخلائق، ويتأمل الكون الجميل!
ألم تعلم بما حدث له؟
لا! لم أسمع شيئا عما حل به؟
لقد ماتت زوجته وابنه الوحيد في حادث سير قبل شهرين، ومنذ ذلك اليوم وهو يعيش اكتئابا حادا، لقد ترك عمله، وهجر مركز أبحاثه وجامعته، ولم يعد يهتم بشيء.
- إنه أمر مؤسف، هلم بنا نكلمه ونخفف من آلامه.
يقتربان منه..
- مساء الخير يادكتور!
ينظر إليهما بعينين شاحبتين..
- هل أطلب لكما مشروبا باردا، أم تفضلان هذا الشراب الرائع؟.. أهلا تفضلا!
يجيبه أحدهما...
- إنني من المعجبين بك وبأبحاثك، أنت فخر لنا ولبلادنا شكرا يادكتور!.
يستمع إليه وهو ينتف ريشه، والسعال لايبارحه...
- أنت تخاطبني أنا؟
- بالطبع يادكتور وهل هناك عبقري غيرك بيننا؟
- لقد انتهى كل شيء، ماقيمة أبحاثك ودراساتك وعلمك أمام فقدك أعز ماتملك؟
- المخلوق يرحل، ولكن يبقى علمه ينتقل عبر الأجيال لينير لها طرق المجد!
- علمت أجيالا من الفراخ، غزوت الفضاء، اكتشفت المجهول، سافرت عبر الزمن، ولكن كل ذلك يفقد رونقه عندما تشعر الطيور بأن لا قيمة لحياتها، بل لوجودها في دنيا ليس لها فيها أنيس أو ونيس، لقد سخرت حياتي من أجل العلم، ولكن الجميع تخلى عني ولم يعد أحدا يسأل عن شخصي، إلا بمقدار ماأنتجه في عملي ومراكز أبحاثي ودراساتي، أما قيمتي الشخصية واعتباري الذاتي فليس لهما قيم تذكر، هكذا يعامل الفرد الذي سخر حياته في سبيل نهضة الأمة وتقدمها.
- إن ماتقوله صحيح يادكتور دون شك، ولكن تبقى هناك ذات عظيمة ستكافئك حتما على ماقدمته لمجتمعك الدجاجي.
سعال الدكتور يزداد... يطلب كوبا من الماء، ويهم بالخروج
- هل أنت محتاج لمعالجة الطبيب؟ نحن على أتم استعداد لخدمتك!
- سأقوم بجولة قصيرة وسوف أعود بحول الله لحالتي الطبيعية، شكرا لكما!
يسير الدكتور وحيدا في الغابة المزدحمة، الدموع تنهمر من عينيه.. في هذا المسرب... في هذا المسرب كنت أمشي مع "فرْهودة" وابننا الوحيد "فرُّوجْ"، كنا عائلة تعيش بسعادة ولا ينقصها شيء. واليوم ليس لي سوى الأطلال والذكريات الحزينة.. يلمح عائلة مرحة، يبتسم في وجه فراخها.. يتأملها حتى تغيب عن ناظريه، يتخذ له مكانا في مسرب بدأت الحياة تنسحب من أرجائه.. يكمل نتف ماتبقى من ريشه، آه.. قاربت الخمسين من عمري، لم أستطع.. إنجاب فرخي الراحل إلا بعد سنوات من آلام النفس المبرحة، وبكل سهولة يفتعلوا لهما حادث.. وتخرج روحه من هذا العالم، هو وأمه حبيبة قلبي ومهجة فؤادي ليدرآني وحيدا فريدا.
كيف سأتزوج وأبني لي أسرة سعيدة وأنا في هذه السن؟ هل سيمنحني الله خمسين عاما أخرى لأعيشها؟ إن حياتي ليست سوى سجن، ماجدوى أبحاثي وشهرتي العلمية، وأنا لست زوجا أو أبا؟ ليتني كنت ديكا عاديا أعيش حياتي البسيطة لأعود في آخر النهار.. وأجد زوجة بانتظاري، وفراخ سعداء، يدكّون الصمت بوهج الحياة وصخبها... ينظر إلى القمر ماباله حزين؟ لما أنت حزين ياعزيزي؟ هل فقد...ت أحبائك أنت أيضا؟
لقد شهدت أيها القمر حياة الدجاج بطولها وعرضها، لقد رأيت بأم عينيك جرائم بشعة ارتكبتها الثعالب في حق الدجاج، وفي نفس الوقت قامت حضارات عظيمة.. وكانت لياليها مفعمة بالجمال الذي تربع على عرشه دون منازع.. إن نور الشمس يصلك كل ليلة، وأنت بدورك تنير متجهنا دائما.. لما أنت حزين على الدوام..؟
يدقق النظر في القمر.. يسمعه يقول له: للخليقة ليلها المظلم... فلما أنت يائس؟
سيقتلونني ياقمر مثلما قتلوا آلاف الأبرياء دون ذنب.. وكما قتلوا القيم النبيلة التي وقفت بكل بسالة ضد قهرهم وجبروتهم، إنقذني قبل فوات الأوان!
يقوم فزعا.. يتطلع إلى.. السماء بنشوة عارمة!
يجيبه القمر: لا ياعزيزي لن يمسك سوء، سأدافع عنك إلى أن أموت..
يراود النظر من جديد إلى الأفق، لقد قتلوا كل شيئا فينا.. لقد دمروا العالم وسحقوا الخلائق بأسلحتهم المجنونة، كل من يعارضهم مثلي قالوا عنه إنه إرهابي.. أنفقوا مالا يحصى من أموال، بينما يعيش الملايين دون ماء أو غذاء. واليوم يريدون أن يدمروا مخلوقا عظيما ينير للخليقة ليلها الموحش.. سأدفع حياتي ثمنا للدفاع عنك وعن كل المخلوقات الرائعة.. التي قدمت خدمات جليلة لكل الكائنات الحية، وفي مقدمتها أنت عزيزي القمر..
يعاود النظر إلى السماء.. يكاد يخرج من عقله، يا إلهي.. إيه.. ماذا...؟؟ ستموت!!
يفاجأ الديك نقّار زملائه في مركز بحوث الفضاء، التابع لمرصد الصفصاف بالمجيء في الصباح الباكر، يهرعوا للسلام عليه وتهنئته باستأنافه العمل.. يحييهم بجفاء وصمت، يقف بينهم بثبات، ينظر إليهم بغضب!
- أريد أن أعقد مؤتمرا صحفيا فورا...!
- لماذا يادكتور، هل اكتشفت حقيقة كونية جديدة أثناء فترة غيابك؟
أدعوا لي الصحفيين قبل فوات الأوان، عندي ماهو أخطر من ذلك..!
تبدأ إدارة المركز بدعوة الصحافة لمؤتمر صحفي عاجل للديك نقّار...
ياترى ماذا سيقول الدكتور؟ ماهو اكتشافه الجديد؟ هل توصل لنتائج مغايرة لبوحثه السابقة؟ هل يعقل أن هناك حياة أخرى على كوكب آخر..؟ لعله اكتشف كوكبا يشبه الأرض..؟ اكتشفه الدكتور نقّار وعجز عنه علماء العالم؟
في غمرة التساؤلات والأجواء المشحونة بالتوتر... يقبل الديك نقاّر على جموع الصحفيين المحتشدة، يرتدي نظارته، ويطلب من الحضور السكوت لإعلان اكتشافه...
الزملاء والإخوة الحضور من الصحفيين المهتمين، إن هناك خطرا داهما محدق بالحيوانات جمعاء، بمختلف أجناسها وأعراقها وأديانها، بقاراتها السبعة ومحيطاتها الأربعة، وبحارها العديدة وجزرها التي ليس لها حد ولا عد. إن دولة الثعالب بعد أن شنت حروبا لاقبل لنا بها، وأكلت خيرات الحيوانات الأخرى واستأثرت بها، وحولت الباطل حقا والحق باطلا، واستنزفت الثروة الحيوانية، ودافعت عن حيوانات دكتاتورية من أجل مصالحها، وأعانت دولة الجرذان على قتلنا واحتلال ترابنا، وتخريب أعشاشنا وقتل فراخنا، وضربت بعرض الحائط الشعارات التي ترفعها.. إن آلاف من الدجاج قتل في أنحاء الغابة بسبب هذه الدولة الظالم أهلها. التي ترفع الديموقراطية شعارا لها، وهي بعيدة كل البعد عنها. لقد استغلت القيم النبيلة أبشع استغلال طوال تاريخها، في سبيل تحقيق غايتها ومصالحها المهيمنة على سكان الغابة وخيراتهم، وما حبا الله به هذه الأرض. واليوم تريد أن ترتكب جريمة ليس لها مثيل أو نظير على مر التاريخ...!!
تعم الفوضى أرجاء القاعة.. زملاء الديك لايعرفون ماذا يقولون.. وكيف يتصرفون.. يتسابق الصحفيين بسؤال الديك عن جريمة دولة الثعالب الجديدة.. آلات التصوير لا تتوقف.. وكالات الأنباء لاتتوقف.. يبث المؤتمر الصحفي عبر القنوات الفضائية مباشرة، يطالب الديك نقاّر الجميع بالهدوء.. يتضاعف عدد الحضور فترتفع حرارة الموقف، ينطق الديك نقاّر:إن دولة الثعالب تريد تدمير القمر..!!
- ماذا؟
- كيف؟
- مستحيل؟
اشرح لنا أكثر يادكتور؟.
لقد رصدت مركبات فضائية ذهبت إلى القمر في رحلات استكشافية بهدف اختيار مواقع إلقاء القنابل على سطحه، وعندما يتم اختيار هذه المواقع ستنطلق مراكب فضائية محملة بقنابل نووية لإلقائها على القمر! إن دولة الثعالب ستدمر القمر لا محالة، علينا أن نصدها قبل أن تحطم الضياء الذي ينير لنا هذا الليل المظلم...
تنقل وكالات الأنباء تصريحات الدكتور نقاّر لتبثها وسائل الإعلام والقنوات الفضائية بكل اللغات، تقطع المحطات الإذاعية برامجها لتبث الخبر العاجل، يجتمع الدجاج ليرى مايمكن أن يفعله لمنع هذه الكارثة. القمر كان يخبرهم قبل وقوع الكوارث، أما غيابه فهو يخدم الثعالب لأنها تعشق الظلام... ينشرالخبر مطعما بآراء الديكة السياسيين، تصدر عدد من دول الحيوانات بيانات إدانة واستنكار..
الديك نقاّر يصدر بيانا آخر يطالب فيه الجمعية العامة الحيوانية، والأمم المتحدة الحيوانية، ومجلس الأمن بسرعة الإجتماع، واتخاذ موقفا حازما ضد دولة الثعالب.. فلقد تجاوزت حدها.
الدكتور نقار يصبح ديك الساعة، الكل يحاول أن يحاوره ويجري معه مقابلات صحفية، وبرامج إذاعية، ولقاءات تلفزية.. يختار بعضها ليطالب بالوقوف ضد سياسات القتل الجماعي التي تمارسها دولة الثعالب، ومحاولة تدميرها الغابة والأرض التي توجد عليها وخارجها.
أما دولة الثعالب فقد أصدرت خارجيتها بيان نفت فيه بشدة اتهامات الديك نقاّر ووصفتها بالأكاذيب.
فرد عليها الديك نقاّر: ماهي القوة التي سوف تردعها لو أنها أرادت قصف القمر بحجة أنه يستخدم كقاعدة للإرهابيين من دولة الدجاج؟ لم ترحم دولة الثعالب الدجاج فهل سترحم القمر؟
تخرج المظاهرات منددة في كافة أرجاء الغابة، الديك نقّار يشن مزيد من التنديدات ضد دولة الثعالب وسياستها المتغطرسة، ترسل دولة الثعالب مبعوثين للتفاهم معه واحتواء الأزمة وإنهاء الموضوع..
- ماهي مطالبك يادكتور؟
- مطالبي واضحة وصريحة، إعلان صريح وواضح بعدم إيذاء القمر والدجاج الذي يستفيد من نوره العظيم؟
- ماذا تقصد يادكتور؟
- إن كلانا رمزان عظيمان لهذه الحياة، لهذا تتعهدوا أمام مجلس الأمن بعدم إيذاء القمر، وامتصاص خيرات الدجاج حتى الفضلات التي نتركها لا تحولوها إلى سماد! في هذه الحالة فقط أطمئن أنا كعالم إلى وعودكم في عدم إيذاء صديق الدجاج، ذلك المخلوق الرائع الذي لولاه لما تاه الدجاج في ليلهم، ولم يأمنوا في حلهم وترحالهم من الأمواج العاتية والصحاري القاحلة.
- إننا هاهنا نريد أن نناقش قضية واحدة، هي قضية القمر ولسنا في سجال سياسي يادكتور!
- إن قضية القمر جزء من قضية الدجاج، وإلا سأستمر في موقفي حتى النهاية!
- سننقل موقفك هذا لحكومتنا!
ينفض الإجتماع، يحيط بالديك زملائه ومؤيدوه.
- ماتطالب به غير معقول يادكتور!
- أنسيتم مافعلوه بكم حتى وأنتم موجودين فوق التين الهندي!
- وهل من المعقول أن يعتدوا على الدول المسالمة؟
- صدقوني ياأصدقاء إن سمحنا لدولة الثعالب في الإستمرار، ستجدوا القمر أثر بعد عين عما قريب.
يخلد الديك للراحة قليلا، عفوا سيدي هناك اثنان يريدان مقابلتك لأمر هام.. يقطع راحته القصيرة ليرى ماذا يريدان..؟
- نحن مبعوثان من قبل حكومة الثعالب، هل تسمح لنا بالكلام؟
- ماذا تريدان؟ لقد قلت كل ماعندي لزملائكم.
- إستمع جيدا يادكتور، نحن نتفهم حالتك النفسية ووضعك الصحي بعد رحيل زوجتك وفرخك الصغير.
- هل تقصد أنك تعرض علي إرجاعهما إلى الحياة مقابل سحبي قضية القمر؟
- هاها.. إنك تجيد فن التمثيل يادكتور، حتى وأنت في قمة المأساة.
- لقد علمتني الحياة ذلك.
- مارأيك بمليون كيس قمح؟
- ماذا؟
- وإقامة لمدة سنتين في دولة الثعالب على حساب حكومتنا؟
- وماذا أيضا؟
- وعش رائع؟
- أهذا كل ماعندكم؟
- تمول لك حكومة الثعالب كل مشاريعك البحثية، وجولاتك المكوكية؟
- المقابلة انتهت أريد أن أستريح.
- فكر يادكتور!
تنفض الجلسة ويخرجا وهما يتوعدانه بشتى العقوبات بعد عجزهما إقناع الديك، ويبقى يحدث نفسه: لن تستطيع الوقوف بوجه دولة الثعالب إذا أرادت تدميرالغابة بأكملها فما بالك بالقمر!؟ لن أدعها تدمره..
يعود الديك للنوم ليستيقظ على رنين الهاتف..
- آلو..!! الدكتور نقار؟
- نعم من أنتِ؟
- أريد أن أقابلك يادكتور، هل تسمح لي بذلك؟
- نعم تفضلي.
- مارأيك أن نلتقي على شاطئ البحيرة؟
- دعيني أفكر.
- سأتصل بك بعد خمس دقائق.
يفكر الديك في أمرها مليا، من هي وماذا تريد؟ إن صوتها يبدوا دجاجيا رنانا ومثيرا.. سأقابلها على الشاطئ.. لا ليس من اللائق.. ربما تكون جاسوسة! على العموم إنها مجرد مقابلة في مكان عام..
يرن الهاتف مرة ثانية..
- ماذا قلت يادكتور؟
- حسنا، أنا موافق.
- بعد نصف ساعة؟
- ليس عندي مانع.
يتوجه الديك إلى الشاطئ، يتوقف عند إحدى الإستراحات المطلة على البحيرة، يلمح ثعلبا يحسبها الرائي دجاجة، متجهة نحوه، بارعة الجمال.. متبرجة الريش.. ذات منقار أحمر بري.. تجلس إلى جانبه كاشفة عن صدرها.. ينظر إليها دون اكتراث وهو ينتف آخر مابقي عنده من ريش، ثم يشير إلى القمر..
- سوف ينتشر دخان الغضب الأبدي الذي سيقضي على دولة الثعالب عندما تدمر القمر، ودولة الدجاج جميعها.
- يادكتور إن تهمتك ليس لها بصيص من الصحة.
- كلا إن لدي إثباتات قدمتها للأمم المتحدة والمنظومة الدولية، ولذلك تحركت الحيوانات.
- سأتكلم معك بصراحة، إن تاريخ دولة الثعالب سيء، هذا صحيح، ولذلك لم تكن مفاجأة سرعة تصديقك بأنها تريد أن تدمر القمر، ولكن هذا الإتهام غير صحيح.
- بلى صحيح وإن لم نتحرك ستلقي دولة الثعالب بقنابل خطيرة، وجدت موادها الشديدة الإنفجار والمشعة تحت الأرض من كثرة حفرها، ويتحطم القمر ويصبح أحجار سابحة في الفضاء.
تضع رجل على رجل لتبرز أفخاذا يانعة سمينة، إلا أن الديك لايعبأ بقوامها وصدرها الذي يزداد انتفاخ ولمعان على ضوء القمر..
- أنا تحت أمرك يادكتور.
- ماذا تقصدين؟
- سأعوضك..
- ثم ماذا؟
- وأكون لك زوجة وفية؟
يضحك الديك ضحكة هوجاء، توقظ النائمين وتغور في الفضاء اللامتناهي..
- ينظر إليها بغضب.. تعوضيني عن عشرين عاما من الزواج بدجاجة أحببتها من أعماق قلبي؟ تعوضينني عن فرخي الذي فقدته في لحظة سوداء من عمر هذا الزمن الرمادي؟
- لم أقصد ذلك ولكني سأكون لك زوجة وفية؟
- إن عريك دليل على أنك ثعلب لاتحمل خصلة الوفاء التي تتمتع بها الجرذان.
- ماذا؟ أتشبهني بالجرذان؟
- الجرذان تحمل خصلة الوفاء وأنت لاتحمليها!!
- ماذا؟
- هل تريديني أن أبيع قضية الحيوانات كلها من أجل شهوة بدأت تتوارى وراء سحب الشيخوخة؟ القمر كائن عظيم لايمكن أن نعيش بدونه!
- لايمكن لعجوز مثلك أن يقف أمام دولة الثعالب؟
وتنطلق غاضبة مولولة..!
يعلن الديك أن دولة الثعالب ستضرب القمر بعد أيام، ويدعو إلى مظاهرة لجميع الحيوانات، يخرج الملايين في كل أرجاء الغابة يتقدمهم الديك نقار دفاعا عن حبيب الدجاج، ورفيق دربه في السهر.. هتف المتظاهرون بهتافاته وهم متوجهون نحو نصب الديك المجهول.. رفعوه عاليا كرمز من رموز الخير في الغابة، انتهز قناص فرصته.. يسقط الديك مدرجا في دمائه، يتطلع إلى القمر.. يرى زوجته مقبلة نحوه..
- نقاّر هل سئمت الحياة في الغابة؟
- من؟ حبيبة القلب.. التقينا أخيرا!
- وفرخي الصغير؟
- انظر إلى القمر فسوف تراه..
وهكذا تشيع حيوانات الغابة إلا الثعالب، الدكتور نقاّر وعيونها محدقة في السماء، داعية الله أن يحفظ القمر من شر الثعالب وخبثها...!!
فتحي العابد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.