في دراستها لكتاب رائد عن حقوق المرأة للمصلح الاجتماعي التونسي الطاهر الحداد (1899-1935) تستعرض كاتبة مصرية كيف يمكن أن يقع باحث مجتهد ضحية سلطة سياسية واجتماعية قامعة في ظرف غير موات حتى ان البعض يهاجمه متطوعا وهو يعلن أنه لم يقرأ كتابه موضع النقد. وتقول منى أبو زيد في دراسة طويلة مهدت بها لنص كتاب (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) إن "الآراء الجيدة تبقى لتعيش وإن عارضتها الظروف وحاربتها العقول. إلا أن الجيد يبقى ويستمر" ويجد أصداء تحتفي به ولو حوصر في زمنه. وتضيف أن الحداد الذي درس في جامع الزيتونة "الجامع الأعظم" بالعاصمة التونسية من "الثائرين" ففي عام 1927 ألف كتاب (العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية) وفي عام 1930 صدر كتابه (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) الذي اعتبره كثيرون ثورة اجتماعية في مجال حقوق المرأة. ويسجل الحداد في الكتاب الذي انتهى منه في العاشر من ديسمبر كانون الأول 1929 أن المرأة "أم الإنسان" ولكنها في الشرق "تعيش وراء الحجب" نتيجة كثير من العوامل التي نادى بإصلاحها حتى لا تظل النظرة إلى المرأة باعتبارها "وعاء لفروجنا" بدلا من أن تشارك الرجل في "نهوضنا جميعا". ويتساءل.. "هل جاء الإسلام بالمساواة بين عباد الله إلا بما يقدمون من عمل أم أنه جاء ليجعل المرأة بأنوثتها أدنى حقا في الحياة من الرجل بذكورته؟". ويقول إن الإسلام فرض الواجبات والمسؤوليات على الرجل والمرأة معا وإنهما في هذا الأمر سواء بل إن الإسلام "كان يريد أن ينير أذهانهن بالعلم والمعرفة حتى يتهيأن للحقوق التي اكتسبنها بالإسلام" ومنها حق اختيار الزوج وحق التملك الشخصي وأهلية التصرف في أموالها بيعا وشراء وتجارة. ويراهن على أن قانون تطور الحياة -الذي أنهى نظام الرق والتمتع بالجواري- سوف يؤدي إلى الحد من "إطلاق يد الرجل في الطلاق وتعدد الزوجات" مستشهدا بأن ما يسميه روح الشريعة تتجسد في الألفة وبغض الطلاق الذي ينبغي ألا يكون انتقاما من المرأة. ويرى أن الإسلام شرع الطلاق "رخصة تقدر بقدرها وليس القصد أن يطلق به يد الرجل ليتصرف فيه حسب ميوله واندفاعاته" وأن الحقوق الواقعية للمرأة المسلمة صارت في عصره أدنى بكثير مما قرره الإسلام. وصدرت طبعة جديدة من كتاب الحداد في 230 صفحة متوسطة ضمن سلسلة (كتاب الدوحة) هدية من العدد الأخير من مجلة الدوحة القطرية. وتضع منى أبو زيد في مقدمة بلغت 33 صفحة كتاب الحداد ضمن سياقه التاريخي مع غيره من كتاب مصلحين عرب أغلبهم مصريون اهتموا بقضية تحرير المرأة وفي مقدمتهم رائد التعليم والترجمة رفاعة الطهطاوي (1801-1873) مؤلف كتاب (المرشد الأمين للبنات والبنين) 1872 وقاسم أمين الملقب بمحرر المرأة (1863-1908) مؤلف كتابي (تحرير المرأة) 1899 و(المرأة الجديدة) 1901. كما تسجل أيضا أن أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد (1870-1963) نشر مقالا عنوانه (تربية البنات) قال فيه "إن الامارة الوحيدة لحرية الأمة هي حرية المرأة فإذا حصلنا على الحرية الاجتماعية للمرأة حصلنا بسهولة على الحرية العامة والاستقلال" في العاشر من يونيو حزيران 1911 في صحيفته (الجريدة) التي أفسح فيها المجال لرائدات في التربية والتعليم والأدب مثل ملك حفني ناصف ونبوية موسى ولبيبة هاشم ومي زيادة. وتقول أيضا إن الإمام محمد عبده (1849-1905) شدد على أن واقع المرأة المسلمة "ليس من الإسلام في شيء" وأن المسلمين هم الذين سلبوها حقوقها. وتسجل أن كتاب (تحرير المرأة) أحدث دويا في الأوساط الثقافية والدينية والاجتماعية في العالم العربي وانتقل هذا التأثير إلى تونس وكان كتاب (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) "أحد هذه الانعكاسات التي ثارت حول قضية المرأة" وأن الحداد وجد مؤيدين ولكن صوت المعارضين كان أعلى حتى إنه قضى السنوات الخمس الأخيرة قبل وفاته "في عزلة وانطواء بعد أن طعن في وطنيته بدعوى أن كتابه هو لخدمة الأهداف الاستعمارية وطعن في دينه واتهم بالإلحاد... وظل الحداد بقية حياته منبوذا إلا من قلة من الأصدقاء حى وفاته... بسبب كتابه الذي دعا فيه إلى تحرير المرأة التونسية." وتضيف أن دعوة الحداد الخاصة بالذمة المالية المستقلة المرأة "لم تدخل إلى حيز التنفيذ في تونس إلا بعد أكثر من ربع قرن عندما نص الفصل الثاني والعشرون من التشريع التونسي على الحرية الكاملة للمرأة في التصرف في مالها دون رقابة الزوج." وتقول إن الحداد "صرح بجملة أفكار ثورية تعد سابقة لأوانها" وإن المجتمع التونسي لم يستوعبها إلا بعد زمن ولكن معاصريه انتقدوه بشدة ومنهم محمد الصالح بن مراد الذي أصدر كتابا عنوانه (الحداد على امرأة الحداد) اتهم فيه الحداد بأنه "الشيطان الرجيم وأن مقصد الحداد من كتابه إشاعة الفاحشة ليهدم الدين الإسلامي لا الدفاع عن المرأة." وتضيف أن عمر بن إبراهيم البري المدني هاجم الحداد في كتابه (سيف الحق على من لا يرى الحق) قائلا إنه "أصبح فردا من شيعة طه حسين وسلامة موسى وأضرابهما من رؤساء الملحدين المستنيرين بدعوة التجديد والإصلاح" أما المحامي راجح إبراهيم فهاجم الحداد وكتابه في 16 صفحة من صحيفة (النديم) الأسبوعية ولكنه سجل في نهاية المقال أنه "لم يطلع بعد على الكتاب وهذه دفعة أولى على الحساب." وتقول إن الحداد وجد أنصارا وأصدقاء أقاموا له حفل تكريم بمناسبة صدور الكتاب وإن الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي (1909-1934) الذي كان مريضا بعث إليهم رسالة تعاطف مع الحداد واقتناعا بآرائه قائلا "إن الضجة في تونس قائمة حول كتاب صديقنا الطاهر الحداد... ويقال إن النظارة تفكر في القيام عليه وطلب حجزه كما فعلت مشيخة الأزهر في مصر بطه حسين وكتابه بمعنى أنه قدر علينا أن نكون مقلدين لمصر في كل شيء." وتعرض طه حسين للمحاكمة عام 1926 بسبب كتابه (في الشعر الجاهلي). وتقول الباحثة إن مجلة (اللطائف) المصرية اعتبرت الحداد من المجددين أما مجلة (مصر الحديثة) فقالت إنه "سابق لأوانه في تونس." وتعلق قائلة إن النجاح الحقيقي الذي حققه الطاهر الحداد وكتابه تم بعد استقلال تونس عام 1956.