وصفه طه حسين فقال عنه «لقد سبق هذا الفتى عصره بقرنين». هو الذي ألف كتاب «العمال التونسيون والحركة النقابية» سنة 1927، غير أن الطاهر الحداد اشتهر بكتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» الذي صدر سنة 1930 وبسببه جردته الزيتونة من شهادته العلمية واتهمته بالكفر والإلحاد والزندقة وطالبت بمنعه من حق الزواج وطردته من عمله، وأصدرت كتابين ردا على كتاب الطاهر الحداد، هما كتاب «الحداد على امرأة الحداد» وكتاب « سيف الحق على من لا يرى الحق». مات الطاهر الحداد وعمره لم يتجاوز 36 سنة، بعد أن حاصرته جيوب الردة والأصولية والرجعية، وهو الذي كان طلائعيا ورائدا من رواد عصر النهضة مثل قاسم أمين وعلي عبد الرازق والشابي وطه حسين... غير أن حركة الإصلاح والحداثة في تونس لم تتجاوز الطاهر الحداد، واستندت إلى أفكاره بخصوص المرأة عندما دونت مجلة الأحوال الشخصية (1956)، المجلة الرائدة في حقوق المرأة في تونس، تلك التي جمعت فصولها بين الاجتهاد الفقهي وفكر الحداثة إلى جانب الاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة. هذه المجلة التي كان من بين مصادرها كتاب «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» للطاهر الحداد، تلاقي اليوم نوعا من الهجوم العنيف المغلف بخطاب يبدو ظاهريا يحترم أهم ركيزة من ركائز تونس الحديثة، وربما في هذا السياق عَمِلَ المثقف التونسي وصاحب دار صامد للنشر والمناضل الحقوقي ناجي مرزوق (نتمنى له الشفاء) على إعادة إصدار كتاب الطاهر الحداد في نسخة أنيقة، مساهمة منه في تنشيط ذاكرة القارئ التونسي اليوم وهو يخوض معركة تحقيق أهداف الثورة التي من أبرزها المحافظة على حقوق المرأة التونسية وتعزيزها، وهي التي باتت مهددة اليوم (في القرن الواحد والعشرين) لا من الساسة الرجال بل حتى من بنات جلدتها ممن بتن ينظرن الى تعدد الزوجات والزواج العرفي وختان البنات وارتداء النقاب... وكأن المرأة التونسية، وبعد أن كانت في الصفوف الأمامية إبان الإطاحة بدكتاتورية النظام السابق، تجد نفسها محاصرة بمقولة «الحِدَاد على النساء مناصرات الحَدّاد» رغم أن من يرفع هذا الشعار الغوغائي لا يعرف أن الطاهر الحداد كتب في مؤلفه أن: «الإسلام ليس هو المسؤول عن المصير البائس الذي انتهت إليه المرأة في المجتمع». الكتاب في نسخته الجديدة عن دار صامد للنشر والتوزيع، قدمت له الدكتورة آمنة الرميلي الوسلاتي التي تدرس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، ويحتوي إلى جانب المقدمة، مقدمة الطاهر الحداد والقسم التشريعي (المرأة في الإسلام، الزواج، الطلاق، الزنى) والقسم الاجتماعي (السلطان العائلي، البؤس الاجتماعي، التطور الحديث، التعليم الرسمي) وخاتمة الكتاب، وكما تقول الدكتورة آمنة: «يحق لهذا الكتاب أن يوجد بين أيدي القراء دائما وأن يحين نشره والتعليق عليه بين جيل وآخر...». لئن رحل عنا الطاهر الحداد، فان فكره مازال حيا بيننا، سندا للمرأة التونسية والعربية، مثلما كانت قصائد أبو القاسم الشابي سندا لشباب الثورة ولكل التونسيات والتونسيين الذين أسقطوا ديكتاتورية بن علي، والأكيد أنهم لن يتأخروا عن إسقاط أية ديكتاتورية جديدة قد تقفز من الخلف.