تحتفل المرأة التونسية في هذا اليوم العالمي للمرأة، وكلّها اعتزاز وافتخار بما تحقق لها من مكاسب جمّة على مستوى التشريعات المنظمة للأحوال الشخصية والحقوق والحريات، وعلى صعيد المشاركة في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، مقارنة بشقيقتها المرأة العربية في سائر أقطارالبلاد العربية الأخرى، وما كانت لتحلم بهذه المكاسب أَنْ تتحقَّقَ لها في يومٍ ما، لولا جهود أقطاب الفكر الاسلامي التَّجديدي، الذين دافعوا عنها واستماتوا في الدفاع عن حقوقها، وأنزلوها المكانة العليا، والمنزلة التى تليق بها، باعتبارها كائنا بشريّا، لا تختلف عن الرجل في شيء، فهي شقيقته كما قال عليه الصلاة والسلام : " النّساء شقائق الرّجال" تتساوى معه في الحقوق والواجبات، وفي زمن كان الحديث فيه عن موضوع المرأة من الممنوعات، والمطالبة بتمكينها من حقوقها التّى ضمنها لها الاسلام يعرّض أصحابه للتّكفيروالتّنكيل، وإن لزم الأمر لقطع الوريدِ، وحين نحتفل اليوم باليوم العالمي للمرأة فحريًّ بنا أنْ نذكر في هذا المقام ذلك الرجل المصلح والسياسي المحنّك الشّيخ عبد العزيز الثعالبي وما قدّمه من أفكار نيّرة في كتابه "روح التحرر في القرءان" لتحرير المرأة من قهر الرجل وتسلّط المجتمع، وإخراجها من دهاليز الجهل الذي أصابها، والتخلّف الذى حاق بها، فهو أوّل من نادى بإخراجها من غياهب الحجب التى ضُربت عليها، بآسم الدّين والدّين منها بَرَاءٌ، وحالت دُونَها والمساهمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسيّاسية، جنبا الى جنب مع أخيها الرجل، وبيَّن أنّ تلك الحجب المصطنعة، لاعلاقة لها بالإسلام ولا بتعاليمه السمحة، ودعا الى تعليمها، واعتبر تعليمها حقًّا من أجلّ حقوقها، وواجبا من أوْكد الواجبات على وليِّ أمرها، وواجبا من أجلّ الواجبات على وليّ أمر المسلمين، وأيّ تقصير في ذلك من طرفهِمَا، سيسألان عنه يوم القيامة أمام الله ربِّ العالمين، ففي مسألة لباسها طرح الشيخ الثعالبي التساؤل التالي : " لماذا نرى المرأة المسلمة بأقطار المغرب الاسلامي تستر وجهها بحجاب (يقصد بنقاب) على هذا النحو من المتانة ؟ ولماذا ترتدي رداء (حايك) أوغطاء يجعلها تشبه رزمة القماش أكثر مما تشبه شكلا إنسانيّا" (من كتاب روح التحرر في القرءان ص30 ) وقبل أن يجيب عن هذا التساؤل بموقف جرئ وحاسم من قضية النقاب يورد جواب فقهاء عصره التقليديين " لقد أعطانا الفقهاء والعلماء وغيرهم من المفسرين التفسير التالي : يجب على المرأة ستر وجهها خوفا من الفتنة " (المرجع السابق ص30 ) ثم يعلق على هذا الجواب بقوله : " انّ هذا التفسير على غاية من السّذاجة فلو أردنا تطبيقه بكل صرامة لنكون منسجمين مع أنفسنا لكان من الواجب على الرجال أيضا سِتْرُ وجوههم لنفس السّبب" (المرجع السابق ص30 ) ولكونه لم يكن مقتنعا بهذه الاجابة العقيمة قدَّم نظرته للموضوع بكلّ جرأة وتحدِّي وحسمٍ، وقد كانت على قدر كبير من الوضوح معلنا أنه " من الخطأ أن تَسْتُرَ المرأة المسلمة وجْهها وأنْ تنزوي في عقر دارها وتبقى منعزلة تماما عن الحياة والحضارة " (المرجع السابق ص23) وأحسب أنَّه استند في ذلك الى مبرر وَجِيهٍ يقول " لا وجود لأيِّ حكمٍ شرْعِيٍّ يحرم على المرأة المسلمة إظهار وَجْهها وأنّه يحلّ لها أن تظهر بين العموم بشرط التزام العِفَّة وحُسْنِ الهيئة " المرجع السابق ص 25 ) وقد أكَّد ذلك بأنَّ الآيات القرآنية المتعلقة بالحجاب أي النقاب " لا يمكن أن تنطبق إلاّ على نساء النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهِنَّ وأنَّ التأويل المخالف لذلك والذي يُعمِّم تطبيقها على جميع نساء المسلمين يُعْتَبرُ لَغْوًا وبِدْعَةً بأتمِّ معنى الكلمة. فبالنِّسبة الى سائر المسلمات لا توجد في القرءان آية تفرض عليهنّ الخروج محجوبات أي منقَّبات".( المرجع السابق،ص 28 ) ليقرّر في ضوء ذلك أنّه : " من واجب المرأة أنْ تترك وجهها مكشوفا وأنَّه لا شيء يجبرها على البقاء محبوسةً في بيتها ومحجوبة ًعن الأنظار وأنَّه يجوز لها مثل المرأة الأوروبيَّة الدُّخولَ والخُروجَ وقضاء شؤونها بدون أيِّ خطر على المجتمع الإسلامي" (المرجع السابق ص 29) وليقرِّر في الأخير : " أنَّ خلع المرأة الحجاب أي النِّقاب معناه تحرير المرأة المسلمة وإشهار الحرب على التعصُّب والجَهَالةِ ونشر أفكار التقدُّم والحضارة وصيَّانة المصالح العليا للأسرة و التّراث العائلي ( المرجع السابق ص 24 ) ومن الغريب أنْ يثار من جديد هذا الإشكال الخاص بلباس المرأة في شكل نقاب بعد أكثر من نصف قرن من صدور هذا الكتاب للشيخ عبد العزيز الثعالبي، ونأتي في الأخير الى موقفه من مسألة تعليم المرأة في ظرف كان التعليم مقتصرا على البنين دون البنات، ويخصّ في الغالب الأغنياء دون الفقراء، فقد حرص الشيخ عبد العزيز الثعالبي على الربط بين التَّعليم و التحرُّر والتمتُّع بالحقوق، فالتّعليم في نظره هو سلاح تحرُّر المرأة من كلِّ القيُّود المكبِّلة لحياتها، ولا يمكن لها التمتُع بحقوقها طالما لم تدركها، ولم تعرفها، لذلك يقول في موضوع تعليمها " فلو كان التّعليم الإجباري الذي فرضه الرسول صلوات الله عليه و سلم في أحاديثه الشّريفة والأحاديث النبويَّة تعتبر مصدرا من مصادر الدين الإسلامي الحنيف، لوكان التَّعليم الإجباري واقعا مكتسبا لتمتَّعت المرأة بكامل حقوقها ولأدركت أنَّه لا وجود لأيِّ نصٍّ يفرض عليها ستر وجهها ولا أيّ نصٍّ يحكم عليها بالانزواء في بيتها كأنَّها في سجن ولعلمت أنَّ من واجبها رعاية مصالحها ومصالح أبنائها والتَّفكير في مستقبلهم ومراقبة تعليمهم وتربيَّتهم وأنَّه من الضروري أنْ تتمتَّع بحقها في احتلال مكانتها في البيت وأنْ تأخذ نصيبها من حقها في الحياة تحت نور الشمس على قدم المساواة مع الرجل، وعندئذ كم سيشهد المجتمع الاسلامي من تغييرات" (المرجع السابق ص 32 ) وقد جاء موقف الثعالبي هذا بخصوص النّقاب والتعليم ليحدث تغييرات مهمة في حياة المرأة التونسية مع التمسك بالمبادئ و الأخلاق الاسلاميّة التي بنى عليها موقفة : "مستمدة من الأخلاق العامة وأنّه من الطبيعي أن تكون واردة في القرءان الكريم والشّريعة الإسلامية" (المرجع السابق ص30 )