يبدو أنّ المنع الذي تعرضت له عدد من المسيرات التي تقررت في تونس للتعبير عن تضامن المواطنين مع أهالي قطاع غزة الذين يتعرضون لاستهداف الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من أسبوع ، قد حرّك قريحة الشباب نحو استنباط طرقا جديدة ومبتكرة للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين دون الاضطرار للنزول إلى الشارع حيث أعوان الأمن لهم بالمرصاد.
الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة تزامن في تونس مع عطلة السداسي الأول التي تمتدّ على أسبوعين و تنتهي يوم 5 يناير الجاري، و يعني هذا التزامن بالنسبة للطلبة و النشطاء النقابيين صلب الجامعة فقدانهم لفضاء رحب للتحرك و إبداء دعهم لأهل قطاع غزة المحاصر. ويقول مالك الصغيري وهو قيادي في الاتحاد العام لطلبة تونس( منظمة نقابية طلابية) لإيلاف :"من الضروري أن يولد المنع الأمني لدى الشباب التونسي وخصوصا الطلابي منه أشكالا جديدة للنضال في سبيل دعم الفلسطينيين في غزة ، أرى أن الأنظمة العربية و من بينها تونس لم تتعامل مع احتقان شعوبها بشكل سليم ، فعلى سبيل المثال حاصر الأمن التونسي الطلبة يوم 30 ديسمبر يوما كاملا لأنهم أرادوا الاجتماع في مقرّ اتحاد الطلبة وهي منظمة قانونية ومعترف بها ، مُنع اغلب الطلبة من الالتحاق بنا و اعتدوا علينا بالعنف الشديد مما أدى إلى إصابة بعضنا ، كل ذلك لا يؤثر في عزيمتنا لنصرة غزة وهو ما يدفع الشباب برأيي إلى التفكير في طرق بديلة لتحاشي الالتحام مع عناصر الأمن الذين يحملون تعليمات صارمة بمنع كلّ تجمع مساند بتعلّة أنه غير مرخّص".
"إيميل" و "أس أم أس"
زهرة بالرجب طالبة سنة ثالثة فرنسية 24 سنة ، قالت إن المنع القاسي الذي تعرّض له الشباب التونسي الذي أراد التظاهر للتعبير عن تنديده بالعدوان الإسرائيلي جعلهم يلجئون إلى وسائل الاتصال الحديثة للتذكير بمحورية القضية الفلسطينية و مخاطر تخليّ العرب عن أخوتهم الفلسطينيين في هذا الظرف الصعب. وتتابع:"استغللت بقاء عدد من الزميلات في مبيتاتهم الجامعية للاتصال بهم عبر الجوال و الإرساليات القصيرة و حثثتهم على تحويل كلّ ما أرسلته لهم إلى عناوينهم و بالتالي تعمّم رسائلي الشخصية التي أسهر ليلا على تحريرها باللغتين الفرنسية و العربية و الدارجة التونسية ليفهمها أكبر عدد من الناس". أما نضال الغديري 20 سنة فأراد إبلاغ صوت التونسيين إلى القطاع مباشرة عبر تعميم إرساليات الهاتف الجوال الموجهة مباشرة إلى الغزاويين بوضع الكود المخصص للقطاع وقد تلى لإيلاف إحدى رسائله القصيرة قائلا :"قد تسمع أنّاتهم فتشاركهم إياها..أو ترفع يدك للتأمين على دعائهم... ما عليك سوى أن تخسر القليل من ديناراتك لتصرفها على اتصال عشوائي اضرب الرقم.. 0097282 ثم أتبعها بستة أرقام عشوائيةوستسمع صوتهم.. انشرها ولك أجر النصرة إن شاء الله". بشرى العجيمي 26 سنة ، استغلت عملها في محلّ انترنت عمومي لتقوم بإرسال المئات من الرسائل الالكترونيّة التي تحوي دعوات إلى المشاركة في فعاليات تتضامن مع غزّة و تندّد بالهجمة الإسرائيلية، وتقول لإيلاف:"أستغلّ بقائي لثماني ساعات يوميا أمام النت لأتابع بيانات الأحزاب و المنظمات التي ترغب في التظاهر أو التبرع بالدم أو إرسال المساعدات ، وعلى الرغم من أنني شبه متأكدة من أن الأمن سيمنع كل تجمع مُساند ، إلا أنني أحرص على تمرير ما أجده عبر الايميل ليصل إلى اكبر قدر ممكن من المواطنين ومستعملي الشبكة". البعض الآخر من الشباب ارتأى المساندة عبر كتابة نصوص قصيرة سهلة الطباعة، تحث على ضرورة الدعاء للفلسطينيين ومساعدتهم ماليا ومعنويا قبل أن يتمّ توزيعها على المواطنين و المارة بشكل حذر. الهادي حجلاوي 25 سنة، تاجر، يقول: "هذه الطريقة ليست جديدة، لكن ما يحدث في غزة اليوم جعلنا نلتجئ إليها، فالمصاب لا يقتضي الانتظار للبحث في الأساليب، الكل يساهم من موقعه ووفق اقتداراته المادية و النفسية ، قمت بتوزيع البيانات على كل من يدخل متجري، وتجدون في نهاية النصّ عبارة بالبنط العريض "انسخ منها خمس نسخ ووزعها على من يعترضك ولك أجر إن شاء الله".
مجموعات ونقاشات على الفايس بووك
الشبكة الاجتماعية الشهير فايس بوك شهدت نقاشات و سجالات ساخنة حول ما آلت إليه الأوضاع في غزة ، و تشكلت في هذا الصدد عدة مجموعات ، و اختلفت النقاشات فيها بين مؤيد لحماس و داع لصمودها و بين محمّل للمسؤولية الكاملة لها و معتبرا إياها "الخطر الحقيقي الذي وجب التصدي له" على حدّ تعبير دليلة راجحي وهي من مستعملي الفايس بووك. و لم يُستثن الحكام العرب من النقاشات الدائرة عبر الفايس بووك ، فهم تارة مُتهمون بالتواطؤ وطورا مشكورون على عدم دعمهم لحماس "كونها حركة أصولية موالية لإيران و لقوى إقليمية لا تريد مصلحة الشعب الفلسطيني". وكتب منير التونسي قائلا:"حماس لا تريد سلاما ، و لا تريد أمنا لأهل غزة ، تتلقى أوامرها من ملالي إيران و أتباع الرئيس السوري بشار الأسد المغلوب على أمره، على الرغم من أنني لا أرحب بطريقة الحكام العرب في التعاطي مع القضية الفلسطينية إلا أنّ عدم التصريح بدعمهم المباشر للحركة الأصولية في قتالها ضدّ إسرائيل يعتبر امرا ايجابيا".
حلقات نقاش حيّة شباب آخر في تونس فضّل فتح حلقات نقاش حيّة و مباشرة وموسعة في الأحياء وفي المقاهي الشعبية وفي المنازل أيضا، وضّمت الحلقات الشباب والكهول والشيوخ والنساء، لإبداء الرأي والبحث عن الصيغة الأنسب التي يمكن من خلالها إنهاء المظلمة المسلطة على شعب غزة. وغالبا ما يأخذ النقاش مجرى آخر ساخرا من الحكومة العربية التي تخشى اليوم التظاهر لنصرة غزة لأنها" تعلم أن التظاهر اليوم يعني التظاهر في الغد للمطالبة بالحريات و الديمقراطية وهو ما يعملون على إجهاضه" على حدّ تعبير صالح فوراتي 25 سنة .و يختلف معه فراس نعمان 29 سنة بالقول إنّ شماعة الاستبداد أضحت ترّهة فارغة ، فلو كان الشعب التونسي مقتنعا بخطوات حماس العبثية عبر إطلاق الصواريخ قصيرة المدى و تحمّل الغزاويين لتبعات تلك الصواريخ ، لخرج لوحده و بقوة للتعبير عن تضامنه ولو كره النظام ذلك.