أبدع المقاومون الفلسطينيون تكتيكات قتالية عالية المستوى في مواجهة العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة. ويؤكد مقاومون مخضرمون شاركوا في عمليات نوعية داخل فلسطينالمحتلة وفي جنوب لبنان خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أن الظروف الصعبة في القطاع فرضت على المقاومة نوعا قاسيا من القتال. ويرى الخبير العسكري محمد أبو ربيع أن المقاومين في القطاع أكثر جرأة وحزما في الدفاع عن الأرض، وأن الجغرافيا في غزة فرضت على المقاومة نوعا صعبا من التكتيك العسكري.
ويضيف أن المقاومين لا يستطيعون التحرك خارج مواقعهم والعودة لأن مجال المناورة ضيق جدا، وأن هذا الوضع فرض خيار الصمود في بقعة ضيقة جدا. وانضم أبو ربيع إلى صفوف المقاومة كآلاف السوريين بعد عدوان يونيو/حزيران 1967، وخاض عددا كبيرا من العمليات ضد العدو "الإسرائيلي" خلال السبعينيات والثمانينيات، ويعد خبيرا باجتياز الحواجز الإلكترونية. ويسجل أبو ربيع تفوق الأسلوب العسكري الذي تستخدمه المقاومة في مواجهة الغارات الجوية والقصف "الإسرائيلي" الذي لم يهدأ. ويقول إن المقاومة لجأت إلى توزيع عناصرها على مجموعات صغيرة جدا تضم الواحدة منها مقاومَين أو ثلاثة، ما أربك العدو بدرجة كبيرة جدا. تكتيك ونيران ويتابع أن قوات الاحتلال قابلت ذلك التكتيك الذكي باللجوء إلى كثافة نارية كبيرة جدا، كما خيم الحذر المسبوق بالرعب على جنودها في أي خطوة للتقدم إلى الأمام، وذلك لصعوبة كشف المجموعات الصغيرة ومواجهتها. ويقارن أبو ربيع بين التكتيك الحالي وما كانت تستخدمه الفصائل في لبنان. ويرى أن التحرك في لبنان كان يتم عبر فصيلة أو سرية أحيانا بسبب وجود إمكانية المناورة والتمويه في أراض لها تضاريس ملائمة. ويتابع الخبير العسكري أن جنود الاحتلال لا يستطيعون استخدام تكتيك كلاسيكي في غزة كما كانوا يفعلون أثناء مواجهة المقاتلين الفلسطينيين في غزو لبنان، موضحا أن الاحتلال كانت تدفع بقوات خلف المقاومة لتحتل المفارق والتلال وتشن هجومها. لكنه يضيف أن الأمر في غزة مختلف تماما حيث زج "الإسرائيليون" بوحدات نخبة جيشهم وهو لواء غولاني والمظليين، واستخدموا قصفا غير مسبوق ضد المباني السكنية والمساجد والجامعات، والنتيجة مجازر وفظائع غير مسبوقة لكن دون المس بالمقاومة. ويلفت أبو ربيع إلى أن كلا من المقاومة وجيش الاحتلال حاول استدراج الآخر إلى الميدان الذي يناسبه دون جدوى حتى الآن.
ويقول إن المقاومة جهدت لاستدراج "الإسرائيليين" إلى داخل الأحياء المكتظة ونجحت في حالات بسيطة محققة إصابات بشرية بين جنود الاحتلال. ويضيف أن الجندي "الإسرائيلي" جبان بطبعه، فضلا عن تلقيه تحذيرات مشددة من الخطر الذي يتهدده في حال دخوله المدن، ما جعله يمتنع عن ذلك طيلة عشرين يوما من الحرب. المرحلة الثالثة كذبة ويرى الخبير العسكري أن الدخول "الإسرائيلي" عبر تل الهوى يعد استثناء باعتبار المنطقة المذكورة "رخوة" إستراتيجيا وتعطي شوارعها وساحاتها الواسعة إمكانية كبيرة لمناورة المدرعات الإسرائيلية ويصعب المجال أمام المقاومين. وفي المقابل يدرك المقاومون محاذير الانجرار إلى الأرض السهلة التي تتمركز فيها قوات الاحتلال.
ويقول أبو ربيع إن العدو لديه تفوق جوي هائل ومراقبة جوية على مدار الساعة، فضلا عن قدرته على كشف أي هدف متحرك ما يجعل المعركة الحقيقية لم تبدأ إلا إذا اعتبر العدو أن معركته تتم ضد المدنيين. وأضاف أن الحديث عن المرحلة الثالثة من الحرب كذبة كبرى، موضحا أن البدء بهذه المرحلة ستجعل "الإسرائيليين" يمشون على جثث بعضهم. ويشير أبو ربيع إلى أنه رغم الفارق الهائل في العتاد بين رابع أقوى جيش في العالم ومقاومين يملكون أسلحة فردية ومتوسطة في أحسن الأحوال، فإنه يرى أن المقاومة تمتلك العنصر المهم في النصر وهو الإرادة. ويضيف أن المقاومين الفلسطينيين مستعدون للموت في سبيل قضيتهم، مشيرا إلى أن هذا يتجاوز كل ما يملكه "الإسرائيليون" من عتاد وتقنيات.