حرب الابادة التي تعرضت لها غزة ، على مدى 22 يوما وأسفرت عن استشهاد 1203 شهداء بينهم 410 أطفال و108 نساء و108 مسنين و14 مسعفا و5 أجانب و4 صحافيين ، بينما بلغ عديد الجرحى 5320 جريحا ، كشفت عن أن الصهيونية أعلى مراحل الفاشية والنازية . وأن ما يسمى بالمجتمع الدولي ، ومجلس الأمن ، والاتحاد الاوروبي ، وحتى الجامعة العربية ،كائنات تتحنط وتمسخ عندما يتعلق الأمر بقضايا الانسانية والاسلام والعروبة . وتأكد كل ذلك من الملحمة التي دارت في غزة ، والتي يجب أن نستخلص منها الدروس والعبر . والدروس المستفادة مما جرى في غزة من مجازر حولها لما يشبه المقبرة الجماعية ، نظرا لحجم الدمار الذي لحق بها ، كثيرة . من أهم الدروس المستفادة من حمام الدم في غزة : 1)- أن الاسلام يثبت قدرته على الصمود والثبات إذا قاد المعركة ، أورفعت رايته في أي صراع كان أو مواجهة من أي نوع . وكان تغييبه في المعارك والصراعات والسياسات جريمة كبرى وخيانة عظمى ، يجب أن تحاسب الأجيال الحاضرة والقادمة المتورطين فيها . فقد أنهى الاسلام تلك الحروب التي تستمر 6 أيام فقط ، أوالهزائم التي تلحق بالجيوش الجرارة ، التي تقهر الشعوب ، وتتقهقر أمام الأعداء الحضاريين ، وهم الأعداء الحقيقيين . 2)- أنه يجب فتح تحقيقات من قبل أهل الاختصاص لمعرفة الأسباب الحقيقية التي وقفت وراء الهزائم المتتالية ولا سيما في 1948 و1967 م وانتكاسة 1973 م بعد أن كان النصر في المتناول . وعدم الاكتفاء بما قيل ويقال حول دور التدخل الخارجي ، ونوعية الأسلحة . لأن العدوان على لبنان ( 2006 م ) والعدوان على غزة ( 2008 / 2009 م ) كشف عن حقائق جديدة تتعلق بنوعية المقاتلين وأياديهم المتوضئة . وبالريات المرفوعة في الميدان ، وفي وسائل الاعلام . وبالخطاب السياسي والعنوان الحضاري والثقافي . والاعداد الايماني قبل الاعداد العسكري بقطع النظر عن توفر السلاح المتطورلدى الخصم وتحالف الأعداء معه .لنسأل جميعا الآن ، لماذا أوقفوا الحرب بعد 6 أيام سنة 1967م ، ومن المسؤول عن انهيار معنويات الجندي العربي . وما دور الحرية والكرامة المفقودة داخل الثكنات العربية المسماة أوطان في حصول الهزيمة . وتغييب الامة عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها ومصادرة جميع حقوقها . ثم تساق بغير رضاها إلى الهزائم . وما دور الشعب والامة في القرارات السياسية التي تتخذ باسمها في غيابها ؟ 3)- أكدت ملحمة غزة على أن القضية الفلسطينية ليست متعلقة بالفلسطينيين فحسب ، ولا بالعرب فقط ، وإنما هي قضية المسلمين الأولى ، وقضية الانسانية جمعاء . وقد أظهرت المسيرات المليونية ، والتي شملت معظم دول العالم من استراليا وحتى كاراكاس ، أن قضية فلسطين قضية العالم أجمع أيضا ( بحكم الدور الدولي في ظهور دولة الكيان الصهيوني قبل 60 عاما ) وإن كانت قد اتخذت شكل دوائر ، فلسطينية ، عربية ، اسلامية ، وانسانية . وليس هناك تناقض بين هذه الدوائر كما يريد أن يوهم من يريد تحجيم القضية في كونها فلسطينية أو عربية . فكم هي تعيسة قضية فلسطين لو وقفت عند الدائرة الاولى أوضاعت في الدائرة الثانية كما نراها اليوم في الفوضى الرسمية التي عبر عنها عمر موسى أحد قادة أركسترا الفوضى . 4)- كشفت ملحمة غزة عن أن الطابور الخامس ، لم يعد يتمثل في بعض الكتاب أو الصحافيين العملاء للداخل أوالخارج أو للطرفين معا فحسب . بل أن الطابور الخامس أصبح يتمثل في حكومات لم تعد تخجل من نفسها ، ولم تعد تعر شعوبها أي اهتمام ، بل تستخف بمشاعر الملايين ، وتقدم رضا الغرب والكيان الصهيوني على مطالب الامة ومصالحها الاستراتيجية . 5)- عرت ملحمة غزة أولئك السماسرة الذين يتاجرون بقضية فلسطين ، ويتظاهرون بنصرتها والدفاع عنها . ثم يتقاعسون حتى عن مدها بالطعام والدواء ، فضلا عن السلاح . أومن يساهمون في ردم الانفاق حتى يموت الشعب الفلسطيني في غزة جوعا ، أو يركع للشروط الصهيونية . وما تم السماح بتمريره لا يكفي حاجيات غزة لمدة يومين . ثم تعقد قمة هزيلة في الكويت بعد نحو شهر من الابادة في غزة ، فهل هناك دلالات تردي وانهيار سياسي واخلاقي أكبر من هذا ؟ 6)- أعطت ردود الأفعال على العدوان الصهيوني على غزة زخما لآمال الأمة في الوحدة تحت راية التوحيد بمفهومه العقدي والثقافي والسياسي والحضاري . فقد أثبتت ملحمة غزة على أن الأمة لا تزال حية . وأن هناك من هو على استعداد لتقديم ما يملك حتى حياته مستعد للجود بها من أجل حرية فلسطين وكل الأمة . وما عبرت عنه الجماهير نساءا ورجالا ، شيوخا وأطفالا يؤكد على وجود أحياء بين موات الأمة . بل أن الأحياء بمشاعرهم وأحاسيسهم ووجدانهم وعقولهم أكثر من الأموات الأحياء . 7)- لأول مرة في تاريخ العرب الحديث ، يقوم قادة بتقدم صفوف المقاومة . فقادة حماس يقودون المعركة بكفاءة عسكرية في الميدان ، سيكون لها ما بعدها . وكذلك بكفاءة سياسية من خلال الاصرار على مطالب الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال . والتأكيد على أن المعركة من أجل فلسطين وليس غزة فحسب . لقد جدد قادة حماس ملاحم الاسلام عبر التاريخ ، عندما كان القادة يتقدمون الصفوف ويكونون أول الشهداء في غزة . وكان ذلك سر الانتصار الذي طبع تاريخ الفتوحات في زمن العزة . وبالتالي فإن استشهاد سعيد صيام وقبله الريان رحمهما الله ، كان ضروريا لمصداقية المقاومة ، ولتتحول كلماتهم من عرائس من شمع إلى روح تسري في المقاتلين والشعب والامة جمعاء . 8)- لقد ساهمت ملحمة غزة في انتشار الوعي بالقضية بين الأجيال الجديدة والاجيال القادمة في الامة . وكذلك بين شعوب العالم ، فلطالما وصف الفلسطيني والمسلم وحتى العربي غير المسلم بأنه ارهابي . واستطاعت الدعاية الصهيونية والفاشية الجديدة في الغرب احداث اختراق كبير في ذهنية المواطن العادي ، لكن ملحمة غزة فتحت أعين الملايين على التلبيس والتضليل الذي كان يمارسه رموز الاسلاموفوبيا وفي مقدمتهم الصهاينة والمتحالفون معهم . وعرف الكثيرون بأن الارهابي الحقيقي هو الصهيوني الذي جمع ما في النازية والفاشية من خسة وحقارة ونذالة واجرام وعدوانية وكراهية مقيتة للآخر . 9)- من أهم الدروس المستفادة من ملحمة غزة ، هو أهمية الاستعداد للتضحية . فالتضحية بالنفس هي أعلى مراحل الولاء للعقيدة وكل ما وجب التضحية به . فالله سبحانه وتعالى أمر بحفظ النفس والمال والعرض والنسل ، لكنه سبحانه أمر بالتضحية بكل ذلك إذا اقتضى الأمر ، في سبيل الله ، من أجل الدين والعقيدة ، وأراضي المسلمين المحتلة . وقد أكدت المقاومة الفلسطينية استعدادها للتضحية ، وبرهنت على ذلك من خلال صمودها البطولي والذي كان اسطوريا بامتياز . 10)- أدت وسائل الاعلام البديلة ( الالكترونية ) ولا سيما المواقع الاسلامية دورا رياديا . وكانت بمثابة عصى موسى التي تلقفت إفك اعلام الفرعون . وقد بدا واضحا أن الجهات الرسمية ، وعبر قنواتها المختلفة كانت ولا زالت تتابع كل ما يكتب في وسائل الاعلام الالكترونية وغيرها من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة . وكان لاعلام المقاومة دور كبير في التعريف بحقيقة ما جرى ويجري سواء على صعيد المقاومة أو الحراك السياسي في الداخل والخارج . ولا شك فإن الدور الاعلامي في حاجة لتعزيزه وفتح آفاق أرحب له في المستقبل كما وكيفا وعلى كل المستويات . 11)- لقد جاء العدوان الصهيوني مع تقاطع مراحل تاريخية ، تشهد تقهقرا للجبروت الاميركي تحت ضربات المقاومة في العراق وأفغانستان ، وتحت ضغوط الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمقدرات الاميركية والاوروبية وتهدد بالأسوأ . كما جاء في مرحلة انتقال للسلطة في الولاياتالمتحدة الاميركية ، لمحاولة وضع حقائق جديدة مع رجل (التغيير) القادم باراك أوباما . لكن ملحمة غزة منعت الكيان الصهيوني من تحقيق أهدافه ، وبالتالي فإن تداعيات العدوان ستكون لصالح المقاومة والامة على المدى المتوسط والبعيد بعون الله تعالى . 12)- أخيرا لقد أدى العدوان على غزة إلى فرزالصفوف بين الذين يحملون القضية ، ومن يحملون ( بتشديد الميم وكسرها ) القضية وزر تخاذلهم وتواطئهم . بين من يدركون بأن العدو الصهيوني لا يمكن أن يقبل بأي سلام ما لم يكن مضطرا لذلك ، وبين من قدموا التنازلات تلو التنازلات ومستعدين لتقديم المزيد منها على حساب الدم الفلسطيني والقضية الفلسطينية ، ولا سيما القدس والمهجرين . بين من يقفون وراء المقاومة ، ومن يريدون القضاء على المقاومة ،ولو عن طريق إبادة الشعب الفلسطيني في غزة . بين من يقاومون ، ومن تخلوا عن المقاومة للعب دور الوسيط بين العدو ( وهو عدو للجميع ) ، وبين المقاومة . بين الذين يتعرضون للاذلال على موائد السلام وهم يقدمون عرائض الاستسلام ، وبين القادة الذين يصدحون " لن نستسلم حتى وإن قتلتم منا الآلاف " . نحن نريد هكذا قادة ، يثبتون ميدانيا أن العروش ليست هدفهم الاول والأخير كما أكدت لنا أفعال من حققوا هزيمة 67 في 6 أيام ، وغيرها من الهزائم . وكما يؤكد لنا من يزعم الزعامة ، وهو يغرس رأسه كالنعامة ، ليس في التراب ، وإنما في العار .