الجزائر - بعد أن حقق مكاسب واسعة على الساحة الدينية من خلال بسط سيطرته على العديد من المساجد باعتراف الحكومة الجزائرية، بدأ التيار السلفي في أن يولي اهتمامًا بالساحة الإعلامية؛ لتوصيل أفكاره إلى عامة المجتمع بأسلوب مبتكر. وفي تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت" اليوم الجمعة قال داعية سلفي رفض ذكر اسمه: "إن الدعوة السلفية تحتاج لتجديد أساليبها وإخضاعها لمتطلبات العصر الحديث، فمن غير الممكن أن يبقى السلفيون بمنأى عن استخدام أحدث وسائل الإعلام لإيصال أفكارهم إلى عامة المجتمع". وأقر المصدر ذاته بأن: "السلفية في السابق أهملت الجانب الإعلامي في حين أن باقي التيارات الإسلامية، وخاصة الحزبية منها، كانت موجودة على الساحة الإعلامية". لكنه حذر من "تحول بعض المواقع الإلكترونية لمنابر إعلامية للجرح في الدعاة وطلاب العلم". اهتمام واضح وخلال الشهور القليلة الماضية، أولى التيار السلفي بالجزائر أو ما يسمى "السلفية العلمية"، الجانب الإعلامي اهتمامًا واضحًا. ولعل أبرز وأحدث وسيلة إعلامية محسوبة على هذا التيار حاليًّا هي الموقع الإلكتروني "منار الجزائر" والذي بدأ بثه قبل 6 أشهر. ورغم حداثة نشأته فإن الموقع استطاع أن يستقطب عددًا معتبرًا من الزوار، وتتمحور أهدافه الرئيسية -حسب المشرفين عليه- حول نشر العلم الصحيح ومحاربة البدع والأفكار الهدامة، مع الإسهام في إيجاد الحلول لمشاكل وأزمات المجتمع الجزائري، فضلاً عن المشاركة في مناقشة الوقائع والأحداث من الوجهة الشرعية. الموقع الرسمي للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس (أحد أقطاب الدعوة السلفية) لا يقل أهمية عن "منار الجزائر" في نشر الفكر السلفي، رغم أنه بدأ بثه قبل سنوات. وتستقي هذه المواقع مادتها من الخطب والدروس الشرعية وفتاوى الدعاة. بدورها دخلت مجلة "الإصلاح" ذات التوجه السلفي منذ بضعة أشهر فقط الساحة الإعلامية، لكن انتشارها ما زال محدودًا جدًّا؛ إذ لا توزع إلا في المكتبات الإسلامية. وضمت الأعداد الصادرة حتى الآن مجموعة من المقالات لعدد من الدعاة السلفيين. ولم يقتصر اختراق السلفيين للساحة الإعلامية على إصداراتهم الخاصة، بل شملت أيضًا استكتاب رموزهم في صحف ومجلات إلكترونية أخرى، بعدما كانوا يحثون أتباعهم وتلاميذهم على عدم قراءتها ونصحهم بتسخير أوقاتهم في طلب العلم الشرعي. وتمثلت أبرز تصريحاتهم لتلك الصحف في بيان الموقف الشرعي إزاء ما يرتكبه تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" من هجمات واعتداءات بالبلاد. فقد سبق لصحيفة "الشروق اليومي" الجزائرية أن أجرت حوارًا مع الداعية السلفي الشهير عز الدين رمضاني عقب التفجيرات الانتحارية التي استهدفت القصر الحكومي وأحد المقار الأمنية في 11 إبريل الماضي. بدون صور ولكن القاسم المشترك بين موضوعات وتصريحات السلفيين لوسائل الإعلام، سواء كانت خاصة بهم أم لا، هو عدم استخدام الصور امتثالاً لموقفهم الذي يرى حرمتها. فموقع "منار الجزائر" يكتفي بنشر صور فوتوغرافية لمواقع الأحداث دون ظهور أشخاص بها. كما أن رمضاني اشترط على صحيفة "الشروق اليومي" نشر الحوار بدون صور. ويرى كثير من العلماء السلفيين حرمة التصوير الفوتوغرافي للأشخاص، عدا الأمور "الضرورية"، والمتمثلة في بطاقات الهوية وجواز السفر وغيرها من الوثائق الإدارية. ويأتي اختراق التيار السلفي للساحة الإعلامية عقب اتخاذ الطرق الصوفية نفس النهج مؤخرًا، من خلال تكثيف حضورها الإعلامي عبر التلفزيون الرسمي الذي تطمح الطرق في جعله منبرًا للدعوة الإسلامية، بحسب أحد شيوخها "عبد اللطيف بلقايد" نجل مؤسس الطريقة الهبرية بالجزائر. ويرى مراقبون أن هذا التوجه جاء كردة فعل على عودة الطرق الصوفية بقوة بفضل دعم السلطات لها. كما يندرج -بحسب المتتبعين لشئون الجماعات الإسلامية- في إطار "الحرب" الدائرة بين السلفيين وغيرهم من التيارات الإسلامية التي تتبنى العمل السياسي والتي قطعت شوطًا كبيرًا في الميدان الإعلامي. لكنهم يرون أن إدراك السلفيين لغيرهم من باقي التيارات الإسلامية في هذا الشأن من الصعب تداركه، خاصة أن التيار السلفي يفتقد الكفاءات الإعلامية القادرة على قلب المعادلة، على خلفية أنهم منعوا تلاميذهم من الالتحاق بالجامعات لكونها مختلطة. وخلال السنوات القليلة الماضية شهد العالم العربي والإسلامي نقلة نوعية في استغلال وسائل الإعلام، خاصة الفضائيات والمواقع الإلكترونية من قبل الدعوة السلفية، خاصة مصر والسعودية والكويت. وقطع التيار السلفي بالجزائر شوطًا في الساحة الدعوية، وهو ما أقرت به وزارة الشئون الدينية التي أكدت بسط سيطرته على عدد كبير من مساجد البلاد. ومن أبرز شيوخ الدعوة السلفية بالجزائر: عبد المالك رمضاني (الإمام السابق لمسجد البدر بحي حيدرة بالعاصمة الجزائرية)، والعيد شريفي (أستاذ بالجامعة الإسلامية)، فضلاً عن بعض الشباب الذين ذاع صيتهم في الأوساط السلفية من أمثال: مراد دبياش، وعز الدين رمضاني، ورضا كيريماط.