قرية الزرايبيّة بغار الدماء أم "الجبّانة المنسية"؟ المولدي الزوابي وأنت تدخل إلى قرية الزرايبية من معتمدية غار الدماء، المتاخمة للحدود الجزائرية يعترضك مسجد محاط بثلاث مشاهد جدا مقرفة وملفتة للانتباه الأول :خندق من "البول "والمياه الراكدة ذات الروائح الكريهة جدا واللون الأخضر الداكن يحاذي سور المسجد، والثاني: حفرة كبيرة توضعت في المسلك المار والمحاذي لباب المسجد قلما تمر سيارة أو أي وسيلة نقل إلا وتحتك بتضاريسها،والثالث :سلسلة من الزبالة والأوساخ الممزوجة بمواد البلاستيك والمياه المعفنة وفضلات الحيوانات والبشر تكدست على حافة المسلك العمومي المؤدي إلى داخل القرية والملاصق لها تشبه إحدى أجزاء سلسلة جبال الأطلس الصحراوي الممتدة ببلاد المغرب العربي ،تمر وأنت تتوجع من كثرة عمليات الدحرجة والتقلبات المفروضة عليك ماشيا أو راكبا حتى وأنت داخل السيارة وأذنيك تستمع إلى أصوات الاحتكاك بالمواد والحفر والحفر التي تفاعلت مع أسفل السيارة مرحّبة بها لانها كانت تظن انها آلة "الشفط" و"الكنس"التي تستعملها البلديات في التنظيف اليومي للانهج والطرقات في احياء المسؤولين السامين حتى ترتاح من لعنة المتساكنين !... تتجول فتعترضك انهج ضيقة لم تشتم بعد رائحة الاسمنت ولم يلامسها بعدُ"القرافيي" تذكرك بانهج مدينة عربية قديمة -ضيقا -وتحيلك إلى إحدى قرى الموزنبيق -تعاسة- والتي لم تجد بعدُ تصنيفا في التقارير البشرية التي تنجزها المنظمات الحكومية وغير الحكومية .انهج تشقها مجاري من المياه المعفنة يفتح الواحد منهم باب مسكنه الخشبي أو الحديدي ليضع قدميه في عمق تلك المجاري طفل كان او شيخا أو امرأة المهم كان ما كان. صحيح ان المشهد ريفي ولكن قلما درست او درّست مثل تلك المشاهد الريفية في كتب الجغرافيا وكتب التاريخ وقلما وجدت ما يعبّر عن تلك المعاناة الحقيقية لسكان قرية الزرايبية سوى ما يقبع بداخلي من ذكريات قديمة من طفولتي قضيتها في ريف ناء في سبعينات القرن الماضي ساءلت نفسي هل يشبه وضع ذلك الريف وواقع تلك الحقبة من الزمن ما يعانيه أهالي هذه القرية؟ قطعا لا، وان كان كل الأطفال حافين، قطعا لا وان كانت الوجبة الأكثر غنى "خبّيزة" أو "عجة" أو "كسكسي مطبوخ" او "حريقة بالخبز" او "العسلوج" ...والقائمة تطول مما طاب لك واشتهت النفس التي كانت تحترم جدا ذلك المستوى المعيشي لان المرء لم يكن يعرف أصلا أن هناك أكلات أخرى . سكان القرية تشرئب أعناقهم إليك ،وأعينهم كلها تحمل ابتسامة الكرم العربي الأصيل،ولكنها تخفي في نفس الوقت نقمة على بعض المسؤولين الذين وعدوا ووعدوا وخالفوا ونقمة تتسع دائرتها يوم بعد يوم، سالت احدهم ما اسم هذه القرية فأجابني بعد أن تأوه وحرك جفنيه "الجبّانة المنسية" أحسست حينها أن هناك سلك كهربائي قد صفعني فأعدت سؤالي مرة ثانية فأجابني بنفس الجواب قلت له لماذا يسمونها بهذا الاسم فقال لي منذ سنة 1978 لم يزر هذه القرية أي مسؤول !ومن يتجرا منا طلب مقابلة المسؤول المحلي الأول في الجهة فسيهدد حتما بالسجن إن أعاد الكرة كما حصل معه ؟؟ في حين يقول الآخر بأنه تلقى وعودا تتجاوز عدد البكتيريات المتوضعة في اكداس تلك الفضلات ولم يحصل على أي جواب ومثله كثر... الجميع يرغب في الحديث والجميع يرغب ويصر ويتمنى إيصال صوته إلى السلط العليا والبعض يوجه نداء لرئيس الدولة عله يقوم بزيارة فجئية يتطلع من خلالها على معاناتهم كما اطلع على العديد من القرى والأحياء ويشتكوه منطق "الحقرة" التي لقوها من بعض المسؤولين المحليين والجهويين ومنطق التسويف والتخويف واللامبالاة الذي لقاه المئات من سكان القرية . في قلب القرية تتكدس أطنان من الفضلات المعفنة والأوساخ ذات الروائح الكريهة وبجاورها بيوتا عفوا !غرف ! عفوا مشاهد سنمائية لمآوي افتراضية تعود الى احدى الحصور الموغلة في القدم، حائطها نصفه حجر ونصفه الآخر قطعة من الزنك وبابه شبكة من الحطب وشباكه كيس فارغ من أكياس "الامونيتر"او "الفوسفاط" وسوره أكوام من الحطب . وسط تلك البيوت أرملة صغيرة السن تقطن صحبة طفليها غرفة بالية كثيرا ما تحولت لتشتكي بطالتها وظروفها القاسية ومعاناتها التي لا تنتهي لا ماء ولا كهرباء ولاعمل ولا...ولا...، ولكن لا جواب: العمدة،"رئيس الشعبة"؟غير قادرين على أن يقدموا لها شيئا هكذا قالت ! خلت ان هؤلاء يمتنعون عن تقديم مساعدة لها لأنها ربما تكون معارضة أو مناوئة اذ بظني خاب هذه المرة ولم يصب لان السبب أن حال هؤلاء أتعس من حالها ؟سألتها الم تتلقي مساعدة من المساعدات التي توزع في القافلات التضامنية والمنسبات الرسمية والغير رسمية التي يعلمها القاصي والداني عبر وسائل الإعلام .فقالت إنني منسية تماما كما القرية...إذا ما الذي يشدك إلى هذا الواقع ؟أجابت أطفالي وموطن راسي وأهلي الطيبين ... عدت وصديقي رابح وكلنا الم لما شاهدناه وما سمعناه وما عايناه ،في لحظات راجع كل منا قناعاته النسبية بما حصل من تحولات اجتماعية واقتصادية في البلاد ،وما قراه ودرسه من كتب ومجلات ودوريات وجرائد وما سمعه من أخبار من هنا وهناك ،وما روجته السلطة من انجازات لصالح الفئات الضعيفة والفقيرة والمتوسطة فلم نجد جوابا سوى ما شاهدناه من قرى في طورا بورا وقرى موقاديشوا... فعلا لم يخطئ من اسماها "بالجبانة المنسية" فإحيائها كأنهم ميتين ،فمتى ستدرج هذه القرية ضمن القرى المعلومة والمدعومة وهل يعلم نواب الجهة بان هؤلاء المواطنين هم الذي غذوا قائمتاهم الانتخابية قسرا أو طمعا أو سذاجة أو خوفا،والى متى ستظل الحكومة تغالط المواطن ،وهل ارتكبنا جناية عندما ننقل هذه الحقائق ؟؟ تابعوها صوتا وصورة في قناة الحوار التونسي –قريبا- واحكموا وقيموا وراجعوا الأرقام والتقارير التي مدتنا بها حكومتنا العلية ؟؟ المولدي الزوابي المصدر: بريد الفجرنيوز: Friday, January 18, 2008 7:30 PM