تونس الفجرنيوز: بمجرد ولوجك إلى المبنى المخصص للعلاج من مرض السرطان ستكتشف أن الكل ( يشترك في نفس الملامح مرضى ومرافقون... عيون دامعة ووجوه شاحبة أتعبتها سفرة التداوي والعلاج وأجساد أضناها المسافات التي قطعتها للوصول إلى معهد صالح عزيز المستشفى الوحيد المختص في متابعة هذا النوع من الحالات المرضية. في شبة قاعة الإنتظارالتي إفتقدت للمقاعد واتسعت لتشمل درجات المدرج المؤدي لها اصطف من كان في استطاعته الوقوف بعد أمام نافذة التسجيل في انتظار وصول ملفه وموعد بداية ساعات العلاج الدورية له أو لمرافقه. وضعية إستأنسها أغلبية الحاضرون يحتجون في البداية ويثورون في العديد من الأحيان على هذا الوضع الذي لا يليق بحالاتهم المرضية الخاصة ولكنهم بعد مرور فترة يجدون أن الصبر والرضا بالموجود هو أفضل طريقة للمواصلة خاصة أنهم لا يملكون البديل أمام حالاتهم الاجتماعية وغلاء التداوي من هذا النوع المرضي الخبيث. إنتظار وإكتظاظ يفقدان الأمل في العلاج ونقص في الإطارات والمتابعة الطبية. الغرض من العلاج هو ضمان الشفاء لمرضى السرطان وإطالة أعمارهم وتحسين نوعية حياتهم وتتسم بعض أكثر أنواع السرطان شيوعا مثل سرطان الثدي وسرطان الرحم بمعدل شفاء مرتفع عندما يتم الكشف عنها في مرحلة مبكرة وعلاجها إستنادا إلى أفضل الممارسات في هذا المجال ولكن بالنسبة لمعهد صالحخ عزيز تتباين الأمور فنظرا للضغط المسلط عليه كونه المركز العلاجي الوحيد المختص في مرض السرطان يجعل من الاستشفاء فيه عملية صعبة للغاية فيشترك كل زائريه في الإنتظار والمماطلة والقلق الذي يصل حتى فقدان الأمل وإنخفاض نسب الإنتظارات في الشفاء. أما بالنسبة لسكان المناطق الداخلية الوسط والجنوب فتتأزم أكثر المسألة حتى أن البعض يخير الإنقطاع على العلاج وتوكيل أمره لله فالعمر بيد الله" والمقدر سيأتي إن أطلنا فترة العلاج أم قصرت... فالسيد بشير المكدم بدأ مسيرة العلاج كرفيق لزوجته المصابة منذ سنة 1998 يأتي كل مرة من جربة مقر إقامته ليقضى مدة ما بين الثلاثة أيام والأسبوع في إنتظار وصول الدور في العلاج لزوجته وفي حالات كثيرة لا يتحصلون خلالها على الدواء الذي يأخذونه بدوره من مستشفى الرابطة فيضطرون بذلك لتأخير موعد العلاج فترة أخرى يعاودون معها المجيئ والإنتظار. ويرى السيد بشير المسألة تزداد تعقيدا مع مرور السنوات فالإكتظاظ يتضاعف كل سنة وعدد المرضى يزداد ورغم ذلك حافظ المستشفى على نفس الأسرة العلاجية والطاقم الطبي وقاعدة الإنتظار وهو ما يستجب إعادة النظر فعلى المسؤولين والمعنيين بأمّور الصحة والمراكز الصحية أن يأخذ بعين الإعتبار هذه النقطة التي تمثل الأشكال الأكبر بالنسبة للمرضى. أما بالنسبة للسيد م ه التي قطعت رفقة ولدها أطول رحلة في الموجودين إنطلقت من آخر نقطة في الجمهورية التونسية منطقة ذهبية بولاية تطاوين قضت 12 ساعة تقريبا في السفرة تنتظر منذ الساعة الثامنة صباحا ( أي من ثلاث ساعات) رجوع ملفها حتى يتم إدراجها ضمن صف الإنتظار. إكتشف الورم منذ سنة وبعد العملية الجراحية وإنطلاقها في جلسات العلاج الكيميائية إكتشفوا أنه لم يتم إستأصال المرض بطريقة نهائية فخلال المرحلة الإستشفائية الأولى وقع الكشف بطريقة جزئية ( الكشف على منطقة الصدر فحسب) ولم يتم أخذ صورة لكامل الجسد وعرض المريضة للكشف الدقيق مما إستدعى إعادة العلاج عن بدأ. بملف مفقود وبإبتسامة مسرحية أرادت السيدة م ه أن تلتقط أنفاسها من الرحلة الطويلة كي تؤكد لنا أن حالة إستعجالية في العلاج ظروفها المادية محدودة لا لا يمكنها تحمل مصاريف الرحلة كما أنها دون معارف مفتاح السر والسرعة في تقدم مراحل العلاج ومواعيدها وحتى إيجاد الملفات والتسجيل... نظام صحي ذو سرعتين أكثر أنواع السرطان إنتشارا في شتى أرجاء العالم حسب عدد الوفايات هي بين الرجال سرطان الرئة وسرطان المعدة والسرطان القولوني وسرطان الكبد وسرطان المرئ وسرطان البروستاتة أما بين النساء سرطان الثدي وسرطان الرئة والمعدة وسرطان عنق الرحم. ويعتبر سرطان الثدي وعنق الرحم والرئة الأكثر فتكا وإنتشارا في البلاد التونسية هذا علما أنه وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية تصاب كل دقيقتين إمرأة بهذا المرض ومعرضة واحدة من عشر نساء إذ تصاب بمرض سرطان الثدي أرقام مذهلة تقف لها الآذان وتنفطر لها القلوب تدخل الهلع على سامعها تربكه وتجعل منهيمكن أن يضاف لعدد المصابين على المستوى العالمي. رغم ذلك نجدا أن الثقافة الصحية وحالات المتابعة التوعوية مازالت في بداياتها في البلاد التونسية ونظرا إلى أن الكشف المبكر عن السرطان يعتبر الحل الأمثلوالأجدى لتفادي هذا الوباء فإن تأخر الثقافة الصحية المتابعة تجعل من قطاع الصحة في تونس يتأخر على نظرائه على المستوى العالمي وجعل من مرض السرطان سببااا لوفاة أغلبية المصابين به. وحسب مصدر طبي فإن المستوى الطبي في علاج السرطان متأخر حوالي ال20 سنة مقارنة بالدول الأوروبية ففي حين يتم العلاج في هذه الدول بتجهيزات ثلاثية الأبعاد مازلنا في تونس نعتمد على ثنائي الأبعاد الذي يؤخر إكتشاف الورم ( يكتشف في حجم كبير في حدود 2 صم) في حين يمكن ثلاثية الأبعاد من إكتشاف الورم وهو في حجم نقطة قلم. وهذه المحدودية في التجهيزات رافقها بالضرورة نقص في الكفاءة الطبية فاليوم مثلا لنا 8 مختصين تم تكوينهم في مجال العلاج بالأشعة ولكن إستكمالهم للتكوين لا يعني كفاءتهم فالخبرة تنقصهم ومجال عملهم حساس جدا يقتضي خبرة ومسؤولية كبيرة. يضيف المصدر الطبي أن ما يزيد الطين بلة ويجعل أمر تناول الإشكالية أكثر عسرا هو نظام التغطية الطبية الإجتماعية الذي يوفره الكنام حيث يعتبر مرضى السرطان من أصحاب الاولوية في التغطية الإجتماعية ( غلاء الادوية وطرق العلاج المتوخات) إلا أن الصندوق الوطني للتأمين عن المرض يصنف كل التغطية بأسلوب واحد فيعترف إلا بالأشعة ذات البعدين وفي ذلك جبر ضمني للمريض ذي الحالة الإجتماعية والمادية المحدودة لتوخي هذا النوع من العلاج دون غيره وحرمانه بذلك من علاج أكثر نجاعة. ويجذب كل المنظومة الصحية للخلف أمام التطورالعام المطلوب والذي تسعى له كل إطاراتنا وكفاءاتنا التونسية في الميدان الصحي والتخصصات الطبية.