(انتو اللي بوزتوها؟... مذيع القناة المصرية يسأل وزير الخارجية المصري متأكداً منه لقوة تصريحاته واعترافه بأن نظام الرئيس مبارك كان وراء منع عقد القمة العربية الاستثنائية لغزة في الدوحة... والوزير يجيب، مؤكداً في انفعال وبحماس: أيوا إحنا.. إحنا مصر.. المذيع مستفهما بسخرية متناغمة مع الوزير: أبلغتم قطر؟ أيوا.. بس ألنالهم ازاي... كل ما اكتمل العدد كلمنا حد... يا فلان اسحب من فضلك). هكذا بهذا التعبير الذي يتجاوز أي تحليل يستنطق الحدث ويتوقع من مصادر إلى اعتراف مباشر ليس بقضية تحميل نظام الرئيس مبارك المسؤولية الكاملة عن تعطيل أي سند معنوي تقدمه القمة لغزّة، وهو ما لم يتحقق للقاهرة بسبب انعقادها في الدوحة بالأطراف التي حضرت، مع كل الغياب ومع تسجيل موقف تاريخي جديد أربك كثيراً أطراف المقاطعة، وهو أنّ من ألقى كلمة الشعب الفلسطيني هو الممثل الشرعي المركزي لمشروع التحرر الفلسطيني وهو خالد مشعل، إضافة إلى ما سببته القمة من رفع سقف خطاب الدعم وتفويت الفرصة التي كان مخططاً لها في قمة الكويت عن طريق نظام الرئيس مبارك بأن يركز على إدانة ضمنية لحماس ويُحتكر الملف الفلسطيني سياسياً للمبادرة المصرية التي كانت ولا تزال حتى مع توقيع الهدنة تضغط في اتجاه خنق غزة وتسليمها الكامل للمشروع الصهيوني. لكن قمة الدوحة غيرت ميزان المعادلة في الجهد الدبلوماسي، واتضح ذلك في قمة الكويت، وأربكت أطراف الدعم العربي لحرب غزة وانتهت إلى خسارة دبلوماسية قياساً بحجم السيطرة والهيمنة لهذه الأطراف على الحراك الدبلوماسي العربي المناهض لغزة وللمشروع التحرري الفلسطيني وقيادته المتمثلة بحماس. ابتذال مُهين لشخصيات ودول لكن المهم ونحن نكتب في أعقاب انتهاء العاصفة الأولى هو حجم الامتهان والتهميش الذي تحدّث عنه السيد أبو الغيط للأطراف المستجيبة له من دول أو قيادات لم يُسمّها، وكيف ينظر نظام الرئيس مبارك إلى تلك الدول الكاملة العضوية بجامعة الدول العربية باحتقار واستعلاء، وأن الأصل هو أن تُقاد ويُحدد لها الخيار لا أن تُشارك بقرارها المستقل. ومع أن عدوان غزة غاب عنه التدخل المباشر من دبلوماسية واشنطن بسبب الفترة الانتقالية التي صاحبت العدوان لتسلّم الرئيس أوباما لمنصبه، إلا أنها وقد اكتفت بالتأييد الأعمى لجورج بوش للعدوان فقد فتحت مستودعات الذخيرة والأسلحة خلال الحرب لكي تملأ بها مستودعات العدو وتزيدها بعد أن فَرّغ مخازنه على أهل غزة، ولذا فقد اكتفت واشنطن بالدور المصري (ونحن هنا نقصد النظام وليس الشعب المصري العظيم) الذي بدا أكثر اندفاعاً من الايباك الأميركي في تصفية غزة وأهلها. فهل يعذر الآخرون ولكن الحقيقة التي لم يتعامل معها أطراف الاستجابة للإهانة التاريخية من السيد أبو الغيط، أن قدرات الدول ودبلوماسيتها تملك مساحة كبيرة للتعبير عن حراكها ومواقفها ولو من باب التوازن لشخصيتها السيادية ومشهدها الوطني الداخلي، وأن التفريط الكامل في حق التعبير الذاتي للدولة أمرٌ له تبعات تنعكس على الحالة الوطنية الداخلية، فما بالك إذا كان هذا التصدع والانهيار في دبلوماسيتها على حساب قضية إنسانية وعربية وإسلامية كمشهد غزة، وهذا التقاعس هو ما شجّع السيد أبو الغيط على الاستهانة بهذه الأطراف التي استجابت له ووضعها في هذا المأزق. جامعة الدول العربية.. تعريف أكثر واقعية وما يبرزه هذا المشهد، مضافاً إليه مشهد انسحاب أردوغان ومشاركة ومواصلة السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة في دافوس، لا بد أن يدفع المحلل السياسي بحيادية جلية إلى إعادة توصيف الجامعة بحسب المعطيات القائمة على الأرض، وهو أن الجامعة باتت أكثر تجسيدا لها كمكتب للعلاقات العربية- العربية والاتصال الدولي للتنسيق، تخضع للسلطات الإدارية والقرار الدبلوماسي المصري وليس لها قوة انفراد أو استقلال بحسب تشكيلة المؤسسين كدول أو كدبلوماسية، وهذا ملف ضخم يحمل من الأدلة والحقائق الشيء الكثير عن خضوع الأمين العام والمؤسسة القيادية للجامعة في نهاية الأمر لما كان يهتف به أبو الغيط صراحة في الحوار التلفزيوني مؤكداً أن قرار الاجتماع والتفعيل للقضايا العربية يصدر من خلال مركزية القاهرة وقرارها الذاتي فقط ثم يترك للجامعة التحرك وفقاً لهذا الإطار الذي تعتمده مكاتب العلاقات العامة بوزارة الخارجية المصرية لمهام السيد الأمين العام، ولا يتجسد ذلك بالضرورة في آلية افعل أو لا تفعل، لكنها رسالة واضحة حين تُكشر القاهرة الرسمية في أي لحظة يبدو لها أن الأمين العام تجاوز حدوده، وهو ما يقابله دائماً تراجع الرجل إلى ما دون الخطوط الحمراء لمكتب وزير الخارجية المصري والشواهد عديدة. مشهد دافوس الذي لم يُحرر والحقيقة أبصرها الجميع في مشهد انسحاب رئيس الوزراء التركي واحتجاجه على مشهد الحفل التنكري الذي أراد أن يُبرز مجرمي الحرب على أنهم حمائم سلام وأفسد أردوغان المهمة عليهم في أخلاقية كبيرة لا تقف عند الانتماء الإسلامي بل والحقيقة الإنسانية المجردة، ومع ذلك كان مشهد السيد عمرو موسى بالذات حين أشار له بان كي مون وضرب يده ضربة خفيفة شاهدها الجميع مصراً عليه بأن يجلس ولا يقوم لتحية أردوغان أو متابعته في الاحتجاج بالغ التأثير لشخصية تُنعت بأنها أمينة المؤسسة العربية الجماعية وتظهر في المؤتمر تابعة لمشهد التنكر الإرهابي عاجزة عن تسجيل أي موقف يستحق العذر فضلاً عن الإشادة. وما حاول به عمرو موسى من استدراك وتظلّم بقوله إن له سجلاً كاملا لا يمكن أن يَختزل تاريخه بهذا المشهد المتخاذل لا يكفي تبريراً له، خاصة أنه لم يسجل اعتذاراً واضحاً عن الموقف، بل على العكس أصرّ على الدفاع عنه في حديثه لقناة الجزيرة، ولسنا ننكر أن للرجل تصريحات عديدة كانت تلتقي مع الرأي العام العربي ومواقفه وقضاياه، لكنها كانت دائما ما تنتهي كما في المثل إلى: «ما يقوله البق باشي وما يقوله البق باشي دائماً على جامعة الدول العربية وأمينها العام ماشي».... ولكن خطاب الشارع والتضامن الشعبي مع قيادات المقاومة والتحرر العربية كما هي في فلسطين والعراق أضحت تتجاوز ما يقرره أبوالغيط على الأرض وفي وجدان التضامن العربي... نعم هم لا يزالون يُحاصرون... ولكن الحق الزاحف سيريهم من هم المنتصرون. 2009-02-19 العرب القطرية