-1- حضر عندما تغيب آخرون...و تكلم عندما صمت آخرون... و بيّن عندما أعجم آخرون... و تقدم عندما تأخر آخرون.. فما كان جزاء من يفعل هذا الصنيع؟؟ إنذار أول.. حرقوا سيارته... لم تكن سيارة من أحدث طراز و من أغلى الأثمان.. و لم تكن سيارة تطوف المدن و القرى بسرعة جنونية.. و لم تكن سيارة لا تخضع إلى أي من تراتيب الجولان أو قانون الطرقات... كانت سيارة اقتناه بهد ادخار طويل عساه يتخلص من النقل العمومي و مساوئه.... تركها في موقف السيارات بمطار صفاقس و توجه حيث كان من حكمة الانتهازيين و الجبناء و أصحاب الحسابات الضيقة أن لا يتوجه...توجه إلى مطار تونسقرطاج و منه إلى المحكمة العسكرية ببوشوشة حيث كانت تدور الحلقة الثانية من عملية إبادة خصم سياسي لم ينحن أمام الخطوط الحمراء التي وضعها أولو الأمر.. ذهب ليرافع عن ابن بلده السيد الحبيب اللوز... و هل يجوز ذلك في حسابات حكماء آخر زمان؟؟؟ ..... لم يمكث طويلا... و عاد جوا ليستقل سيارته رينو 18 ليعود إلى بيته بعد ما أداء واجبه كوطني أولا و كمحام ثانيا .... وجد سيارته قد أتت عليها النيران... كانت كل الدلائل هناك تدل على أن هذه النيران على درجة عالية من الذكاء و من الحكمة... اكتفت النيران بسيارة واحدة هي سيارة رينو 18 و كأن لها حقدا دفينا على هذا النوع بالذات.. لم تتجاوز النيران هذه السيارة في موقف يعج بالسيارات و لم تتضرر أي سيارة أخرى في الموقف... و كرجل قانون يحترم نفسه...لم يرفع قضية ضد مجهول لن تصله " العيون التي لا تنام" و "السواعد المفتولة"لأنها تسهر على راحة التونسي مهما كان لونه و شكله و رأيه.. صاحبنا مر بالضرورة ككل الوطنيين بأقبية السجون، و ذاق من ألوان العذاب في تلك الدهاليز... بدأ الرحلة مبكرا إذ كان له من العمر سبعة عشر سنة..كان ذلك إثر زيارة روجرز وزير الخارجية الأمريكي لتونس.. و عاد ثانية و ثالثة... و لم يتب... و لم يفقه الطغاة أن الأفكار تستعصي على العصا، و ان الدم قد لا ينحني أمام السيف... إن لم ينتصر عليه.. ولعل فيما عرف من التعذيب و القهر و ظلمة السجون ما جعله لا يتردد البتة في الانتصار للمظلومين و المقهورين..للذين يراد منهم ان يتخلوا عن إنسانيتهم و أن ينخرطوا في جوقة المسبحين بحمد الطغاة و الجبابرة، الذين يبتغون عرضا من الحياة الدنيا: شيئا من الفتات و بعض الامتيازات .... لذلك تراه مع قلة من زملائه مرافعا عن المضطهدين في كل قضايا التعبير و الرأي و التنظيم، متنقلا من شمال البلاد إلى جنوبها و من سباسبها إلى ساحلها... قبلوا منه ذلك على مضض... لكنه لم يقف عند هذا الحد... اقتحم خطا شديدة الحمرة.... في لحظة تأرجح النظام السياسي نحو الرئاسة مدى الحياة أو ما يشابهها، لم يكتف بالكتابة منبها و محذرا... بل تقدم طاعنا في ما عرف بالتحوير الدستوري مقدما من الحجج القانونية سواء في الشكل أو المضمون ما يبطله... و بذلك يكون قد تعدى كل الحدود و تجاوز كل الخطوط...و لا بد من الردع، من الردع القاسي... و ككل القضايا التي لا غبار على وجاهة حججها و يكون من المكابرة الخرقاء دحض ما يرد فيها من البراهين و الأدلة القاطعة يكون التسويف في تناولها و البت فيها حلا مريحا لبعض الوقت... و بعد ست سنوات كاملة ينظر في القضية التي قدمت للمحكمة الإدارية.. و من حكمة الأقدار أن تقترن مرافعة الأستاذ أمام المحكمة مع إعلام وارد من إدارة الجباية ملخصه أكثر من 232 ألف دينار مستوجبة على الأستاذ لفائدة الجباية... و ككل إجراء انتقامي لا يحتاج المرء للبحث عن المنطق و القانون و الفهم السليم لدحضه أو تبريره، و هو لطبيعته تلك كفيل بفضح دوافعه و أسبابه... و تتوالى الإجراءات الردعية في ظرف وجيز: عقلة توقيفية ثم عقلة تنفيذية ثم عقلت تنفيدية ثالثة في طرف لا يتجاوز 134 يوما... و هكذا يستنجد بمقصلة أخرى هي مقصلة الجباية و تكون بذلك ثالثة الأثافي.. أعلم أنكم لستم في حاجة إلى مزيد من البيان ... عبدالله الزواري جرجيس في 24 فيفري 2009