السوداني يؤكد وقوف العراق الى جانب تونس    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    سوسة: سائق تاكسي يحوّل وجعة طفل ويعتدي عليه    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس تشمل اغلبها اجانب    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    الجامعة التونسية لكرة القدم تسجل عجزا ماليا قدره 5.6 مليون دينار    غدا الاحد.. انقطاع التيار الكهربائي بعدد من المناطق من ولاية المنستير    تركيا.. إصابة 25 شخصا في حادث مرور    الجمعية التونسية للفضاء: الشمس تطلق توهجات قوية باتّجاه الأرض    وزير الشؤون الدينية يصدر هذا القرار    منذ بداية سنة 2024.. إعادة قرابة 2500 مهاجر غير نظامي إلى بلدانهم    كاتب سيرة ميسي.. ليو سيعود إلى برشلونة    عاجل : رفض الإفراج عن المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بالداخلية    رئيس الجامعة بالنيابة جليّل: اعجاب كبير بعمل الوحيشي وسنبقي عليه    عاجل: الاحتفاظ ب"انستغراموز" معروفة..وهذه التفاصيل..    نيوزيلندا تتخذ إجراءات عاجلة لمواجهة العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية الكبرى    عاجل/ السجن لموظف ببنك عمومي استولى على أموال..    كرة اليد.. انتخاب كريم الهلالي عضوا في المكتب التنفيذي للكنفدرالية المتوسطية    مدير عام المجمع الكيميائي : ''نقل الفسفاط يعدّ المشكل الحقيقي''    يوم تاريخي في الأمم المتحدة: فلسطين تنتصر.. العالم يتحرر    صفاقس: الإحتفاظ بشخصين من أجل مساعدة الغير على إجتياز الحدود البحرية خلسة    استشهاد 20 فلسطينياً في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    عاجل/ تأجيل دربي العاصمة..    عاجل/ الاحتفاظ برئيس بلدية سابق و موظف من أجل شبهة..    القصرين: بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص طعن محامٍ أمام المحكمة    تونس تشهد موجة حر بداية من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    الجلسة العامة للجامعة: حضور جميع الأندية باستثناء الترجي والقوافل    مهرجان ريم الحمروني للثقافة بقابس.. دورة الوفاء للأثر الخالد    في إطار الاحتفال بشهر التراث...«عودة الفينيقيين» إلى الموقع الأثري بأوتيك    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مسيرة فنية حافلة بالتنوّع والتجدّد...جماليات الإبدالات الإبداعية للفنان التشكيلي سامي بن عامر    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    عاجل/ بعد حادثة ملعب رادس: وزارة الشباب والرياضة تتخذ هذه الاجراءات..    النادي الإفريقي.. القلصي مدربا جديدا للفريق خلفا للكبير    لأول مرة/ الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة يشارك في دعم النسخة 18 من دورة "كيا" تونس المفتوحة للتنس..(فيديو)    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    المسابقة الأوروبية الدولية بجنيف: زيت الزيتون 'الشملالي' يفوز بميدالية ذهبية    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    عاجل/ الأمم المتحدة: 143 دولة توافق على عضوية فلسطين    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاومي "الزيتون" يضَعون "فلسطين" في قلب عملية لواء "غولاني"
نشر في الفجر نيوز يوم 28 - 02 - 2009

غزة السيد المبروك الفجرنيوز:الأسبوع الثاني من الحرب بدأت الآليات والقوات الصهيونية في التحرك شرق "حي الزيتون"..قيادة كتائب القسّام لم تتفاجئ بذلك فتوقعات وحدة الرصد التي أشارت إلى هذه الخطوة جاءت في مكانها..التعليمات والتكليفات والتكتيك يتسامى..
بحنكة وحذر اتخذت القيادة العليا قرار بإعداد عملية مُوجعة ضد العدو، وتكليف اثنين من الاستشهاديين بأدائها..
الاستشهاديان قابلا التكليف بلهفة وشغف، لينفذ كلاهما التعليمات بحذر متناهي غلب على تحركاتهم التي بدأت من تجهيز العبوأت والسير فيها إلى منطقة العملية حتى التنفيذ..
"فلسطين" كشفت عن خبايا "حي الزيتون" شرق مدينة غزة والذي تعرّض لهجمة صهيونية شرسة منذ بداية الاجتياح البرّي للقطاع في الأسبوع الثاني من حرب غزة، والتقت بثلّة مختلفة من مقاوميها الذين أداروا المعركة بحنكة، ونفذوا عمليات ضد عدوهم:
منفّذ العملية": العملية استكمالاً لكمين لم ينجح وكانت ردٌ أوّلي على الهجمة..والضباب أنجح مهمتنا
عضو مجلس عسكري: إعدادنا للخطط وازى حماقة العدو بدخول المنطقة وكثرة المداخل ساعدنا
عنصر من "الرصد":تابعنا تحركات العدو بدقة والقيادة اعتمدت علينا في وضع الخطط
تكتيكات القيادة
دخولنا المتعثّر بين أزقة شوارع الحي ألمح لنا بصعوبة التحرّك فيها لتنطق قلوبنا قبل ألسنتنا:"لله دركم مقاومينا"، إلى أن وصلنا مكان "الجلسة المقاومة" في طبيعتها، وبدأناها بالالتقاء ب"أبو عبيدة" مسؤول ثلاثة فصائل في القسّام مكونة مما يزيد عن 120 عنصراً.
أبو عبيدة أوضح أن القيادة العسكرية العليا للقسام قامت بتشكيل خطة طوارئ محكمة عامة لجميع مناطق القطاع، مع خصوصية كل منطقة منذ اللحظات الأولى للضربات الجوية، مستفيدة في وضعها، من التصريحات الصهيونية التصعيديّة.
ويقر أبو عبيدة أنهم لم يتوقعوا أن يكون العدوان بهذه الضخامة، حيث قال :"توقعنا أن يقدم الاحتلال على اجتياحات موسعة كالتي عهدناها، وأخبرنا العناصر بأن مطلع الأسبوع الأول عقب انتهاء التهدئة سيشهد عدوان إسرائيلي شرس وأعددنا له وأخذنا بالأسباب من إعداد وتوجيه استجابة لقول الله عز وجل "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"، ولكن ما حدث في أول أيام الحرب فاجأنا وغيّر من تكتيكات التصدّي والهجوم ".
وقال وملامح المعركة لا تزال حاضرة في ذهنه:"كنّا ندرك هول الهجمة بعد الضربات الجوية المتتالية التي قضى فيها مئات من أفراد الشرطة منهم عدد من كتائب القسّام، "كقادة العمل الميداني، والسرايا، فشدة الضربات الأولى أوعزت لنا بأنها ستكون معركة طويلة وكان استعداد طيب من قبلنا إلا أنه لم يكن بحجم الحرب"، مشيراً إلى عدم التكافؤ في القوة العسكرية، بقوله:" فنحن نقاتل القوة الأولى في الشرق الأوسط والرابعة في العالم، ولكننا تصدينا لهم بقوة عقيدتنا، وإيماننا، ومبادئنا المستمدة من الشريعة الإسلامية، إلى جانب قوة الساعد، ولم نستشعر اتسامهم بأي من الأخلاق".
حماقة
ويرى "أبو عبيدة" الذي اتسم بالرزانة، وسرعة البديهة في حديثه، بأن دخول جيش الاحتلال إلى منطقة "الزيتون" كان حماقة وخطأ عسكرياً ارتكبه، وقد أدرك هذا الأمر منذ اللحظات الأولى، عندما غير خط سيره تماماً، ودخلوا من المناطق المفتوحة، مضيفا" التجارب السابقة في إدارة المعارك بالنسبة لكتائب القسام في حي الزيتون أهّلت المقاومين للتصدي والإثخان في عدوهم".
وتحدث عن تفاصيل الادارة المحكمة من قبل القيادة العسكرية للقسّام للمعركة، لافتاً إلى الطبيعة الجغرافية وكثرة مداخل شوارع المنطقة التي ساعدت المقاومة في التحرك، واستدراج العدو، وتابع:"لم نتوقع الخروج منها بنجاح إلى هذا الحد، ولكنه توفيق إلهي ثم حنكة القيادة العليا، والجهاز العسكري ككل وفي المنطقة تحديداً، ولأننا لجأنا إلى أسلحة وأساليب لم نستخدمها من قبل، فكل مرض له جرعته المناسبة من الدواء، وكذلك تعاملنا مع العدو فكنا نعطيه الجرعة المناسبة في وقتها".
وأضاف أن القيادة العسكرية وضعت أولويات ركزت عليها خلال ادارة المعركة، ومنها سلامة المجاهدين، وقال :"كنا نعد خطة الانسحاب قبل خطّة الهجوم، حرصاً منا على عودة المجاهد سالماً، وندرس خطط العدو من التقدّم والتمركز، وقد استدعى القصف الجوي طوال أيام الحرب منّا أولويات لم نركز عليها في السابق، منها كيفية التمَوضع حتى نتفادى أي خسائر"، مشيراً إلى أن الخطط المعدة مسبقاً وأثناء المعركة اتسمت بالمرونة وخضعت للتعديل.
قرارات حذِرة
قاطعته:" وهل كان هناك متسع من الوقت لتعدوا خططاً جديدة أو تجروا تعديلات على المُعّدة؟، ليجيب: الخبرة المسبقة ساعدتنا في اختصار الوقت، ففي بعض الأحيان كنا نجهز الخطط خلال سيرنا في الشوارع بحذر.. ولدينا خرائط وإحداثيات موجودة نستعين بها، وكنا نتواصل مع القيادة العليا لدراسة مكامن القوة ونقاط الضعف لسد الثغرات"، ولم تنقطع القيادة عن العناصر.
اتخاذ القرار الخاطئ لم يكن له مساحة في تكتيكات "أبو عبيدة" وغيره من قيادة القسّام، لأن نتائجه ستلحق الأذى للمقاومة وعملها، فأبعدوا العاطفة، وعمدوا إلى دفع المقاومين للثبات على الثغور، والتصدي باستبسال، معتمدين على التفجير وسلاح المدفعية، وردّت على الهجمة في أول أيامها بإطلاق 8 صواريخ تجاه المستوطنات الصهيونية مما أدى إلى مقتل مستوطن وإصابة ستة آخرين.
ويشير إلى مخاوف القسام من ضرب العدو للخطة الدفاعية للجهاز، إلا أنه سرعان ما تأكد أن "العدو لم يمتلك أي معلومات عن خططنا، ومواقع الرباط وتنفيذ العمليات، ولم يضرب من الخطة الدفاعية إلا القليل بدليل أنه كان يضرب بشكل عشوائي ويتخبط في الهجمات".
وكشف عن أن الأنفاق التي أعدتها المقاومة في المنطقة كان لها خطط خاصة، فلم يتم تدميرها خلال الحرب، مؤكداً أن العدو تخطّى أماكن استراتيجية بالنسبة للمقاومة كنا نتوقع ضربها مما أشار إلى عدم معرفته بها، ولو استهدف أي خطة فهناك أخرى بديلة عنها، وأن مراحل المقاومة في إدارة المعركة ارتبطت مع العدو وكانت أوراقاً رابحة للقيادة تستغلها وفق المصلحة العامة للمعركة.
التواجد مع العناصر
وفي معرض رده عمّا إذا لمس التردد لدى العناصر، قال:"هُم بشر والتردد موجود، ولكن تغلبنا عليه ببث عناصر الإقدام والتحفيز في نفوسهم التي تغلغل الإيمان داخلها، وكنا على تواصل ميداني في المواقع معهم لرفع روحهم المعنوية، وبث روح الاستشهاد"، مشيراً إلى أن القيادة لم تقف مكتوفة الأيدي أمام الحرب النفسية الصهيونية فقاومتها بأخرى مثيلة، ويقول "أبو عبيدة" :"فكنا ندخل على أجهزتهم اللاسلكية، ونتحدث بالعبرية عبرها وننقل رسائلنا الدعائية ".
وبيّن أن تواجد القيادة في المواقع كان حسب طبيعة الميدان، وأنهم كانوا يتقدمون وفقاً للخطة، وفترة الراحة هي ما تفصلهم عن المجاهدين، متابعاً :"لم أدخل منزلي، وتوقعت أن يقصف وان يتم القضاء على عائلتي بأسرها..لقد ضحينا بكل شيء لأنهم لم يفرقوا بين مدني ومقاوم فكانت ساحات المعركة أولى بنا".وبعد أن ارتشف كأساً من الشاي الدافئ الذي قد ربما لم يحظَ باحتسائه كثيرا خلال المعركة، أضاف:" لم نترك لهم فرصة لاستغلالنا، وكنا على جاهزية لتنفيذ العمليات التي نفذتها وحدة الاستشهاديين، وكذلك الكمائن، ولكن كان قدر الله أن العدو لم يدخلها رغم الخسائر البشرية والمادية التي تكبّدناها".
ونوه إلى أن كافة أفراد المقاومة كانوا فعلياً "استشهاديين على الأرض"، لكن هناك تصنيفات لابد منها لتقسيم العمل وترتيبه، ومنها وحدة الاستشهاديين التي لا يزال عدد من أفرادها على قيد الحياة وعادوا سالمين بعد تنفيذ عملياتهم، "ومن أقدم على تنفيذ عملية وعاد سالماً فقد كسب الخبرة، وتعرف على أسلوب عدوه لنعده لعمل آخر".
المقاتلة في معركتين!
ولا شك أن مما ساعد المجاهدين في عملهم، هو احتضان الأهالي لهم الأمر الذي رفع من معنوياتهم وشحذ هممهم، فمنهم من نقل الجرحى ومدهم بالطعام وربَتَ على أكتافهم بأن "افعلوا ما شئتم في منازلنا، فأنتم فخرنا..حماكم الله وسدد خطاكم"، بالإضافة إلى ارتدائهم الزي المدني حيث كانت خطوة جديدة حكيمة .ورغم هذه الأجواء الخطيرة التي يعمل خلالها المجاهدون، والاحتضان الكبير والواسع من الشارع الغزي لهم، إلا أن قلة مثبّطة وقفت ضدهم وحاولت التربص بهم، ومحاربتهم داخليا.
وهذا الأمر يقول:"جابهنا في معركتين في آن واحد، الأخرى مع المنافقين الذين عمدوا إلى الطعن فينا، منهم من أطلق الرصاص لإرباكنا وآخرون استخدموا كعملاء وأدلوا بمعلومات عن عملنا لاصطيادنا، وبعضهم تعمّد شتمنا والدعاء علينا ولكنهم فشلوا، والمقاومة أثبتت نجاعتها فصدورنا واسعة وفوتنا الفرصة عليهم، وتركنا للقيادة العليا التعامل مع العملاء ومن قطعوا أسلاك العبوات التي نصبناها".
ورغم موقعه المتقدم في قيادة القسام فإن حديثه لم يخلُ من التطرق إلى العلاقة التي ربطته بالعناصر، فتابع:"إننا أبناء المساجد تربطنا ببعض علاقة إخوة لا قائد وجندي، فالقيادة عندنا تكليف لا تشريف، والسمع والطاعة من فرائض العمل الجهادي، والتواضع والإيثار كان ما يتوج علاقتنا، والقائد يساعد في كل شيء حتى إعداد الطعام".
وشدد على أن ما حصل من نتائج المعركة هو نصر لمرحلة قادمة قد تكون أشد، ونقل المقاومة التي تعاملت مع عدوها كحرب عصابات وشوارع نقلة نوعية أضافت إلى عملها المزيد من الخبرة، والفطنة، وتابع يقول: نحن دوماً بانتظارهم إذا أقدموا على أي حماقة، فإذا نسوا حقل الموت فهو محفور في ذاكرتنا وقابل للتكرار، ولدينا المفاجآت".
الرصد
لقاؤنا ب"أبو الياسين" من وحدة الرصد والذي عاش أجواء المعركة بتفاصيلها، أضفى نكهة الدقة والحذر والتتبع الذي يميز عمل هذه الوحدة التي تتقدم صفوف المقاومين وتعد أهم وحداتهم، وتم تجهيزها بعد انتفاضة الأقصى لحاجة المقاومة الماسّة لها، ويتجلى عملها في رصد كل تحرك لأي آلية أو قوة بشرية على الساعة عن طريق مراصد خاصة، ومن ثم تحصيل المعلومات وإمداد القيادة بها.
وقال أبو الياسين ل "فلسطين":"نحن بمثابة عيون للمقاومة على الخط الفاصل، ونتابع تحرّكات العملاء، والقوات الصهيونية الخاصة، كنا نرقب كل دبابة وصلت المنطقة ونحصي أعدادها، والاجراءات التي تقوم بها"، مبيناً أن وضع الخطط من قبل القيادة يعتمد على عمل وحدة الرصد.
وبالعودة إلى "أبو عبيدة" فقد أكد لنا أهمية هذه الوحدة، وأن توقعات أفرادها التي يستمدونها من الإشارات التي يحصلون عليها صائبة في غالبها.وواصل "أبو الياسين" حديثه:"نعلم ما يفكرون به، فنحن نتتبع كل تحركاتهم ونكاد نحفظ الجنود"، موضحاً أنه في أول دخول بري للعدو للمنطقة فتح شارعاً بين الأشجار، وتحركوا في الشوارع الرئيسية، وكانوا يخلفون غباراً كثيفاً خلفهم حتى لا تراهم المقاومة، وتقدّمهم كان في الليل ومن ثم ينسحبون.
كمين "غولاني" وفشل أوّلي
"أبو المعتصم" من وحدة الاستشهاديين في القسّام والذي نفّذ عملية مقتل نائب لواء "غولاني"، صباح السبت اليوم الأول للاجتياح البري، يوضح أن وحدة الرصد أخبرت القيادة بأن "العدو سيجتاح المنطقة بعد لحظات، وتم ذلك" بعدما صوّرتهم، واتصلوا بمسؤول الوحدة الخاصة، وقالوا له : "سيتحركون الآن وسيستغرق وصولهم لمنطقة الكمين ساعة من الزمن".
وقال:"أعطانا المسؤول الإشارة بدخول الوحدة الخاصة"، وكانت وحدة الاستشهاديين تتقدم الصفوف في ذلك المكان الذي يبعد 2 كيلو متر عن السلك الفاصل، فشرع جيش الاحتلال في قصف المنطقة بشكل كامل متّبعاً سياسة الأرض المحروقة، لتقابلها خطوة حكيمة وفطنة من القيادة بسحب المقاومين للخلف حتى ينتهي العدو من ضرب المواقع المتقدمة، ومن ثم كلفت استشهادياً للذهاب لتفجير عبوات، وفي تلك اللحظة بدأت الوحدات الخاصة الصهيونية في النزول إلى المنطقة لينسحب الاستشهادي، لأنه لم يحمل أسلحة يقاتلهم بها، وكان تقدّمه وعدم انسحابه سيودي بحياته دون تحقيق شيء.
غرفة عمليات طارئة
إصرار القسام على تلقين عدوهم درساً حدا بهم لتجهيز غرفة عمليات طارئة خرجت بقرار تنفيذ عملية للقوات الخاصة، فجهزوا اثنين من الاستشهاديين الذين انتظروا هذه اللحظة بشغف وأحدهم "أبو المعتصم"، وطلبوا منهما أن يربطا أنفسهما بالعبوات ويخرجا لكي يزرعوها في أماكن يتوقع دخول الوحدات الخاصة الاحتلالية إليها، وقال :"تم تجهيزنا ونزلنا إلى المكان وبقيت مسافة صغيرة على وصولنا إليها، لتتدخل العناية الإلهية التي تجلت في امتلاء المكان بالضباب"، ليكون الوقت الأنسب لحركة الاستشهاديين، وفضّلا الاقتراب منهم بسبب الضباب الذي حال دون رؤيتهم لهما.
وانسحب المجاهد الأول وبقي الآخر وحاول تفجير العبوة في المرة الأولى، إلا أنه لم تنجح ولم تنفجر بسبب خلل ما في الدائرة الكهربائية، وقام بإصلاحه، لتتحرك فيه روح الاستشهاد والإثخان في العدو حيث اندفع لتفجير العبوة في المكان الذي تواجد فيه 60 جندياً من المُشاة وانسحب مشياً على أقدامه ليخرج من المنطقة حيٌاً يرزق، ويلقى نائب مسؤول وحدة "غولاني" الصهيوني من المشاة حتفه، وقد اعترف العدو بمقتله، وهو النبأ الذي هزّهم وفاجأ المقاومين، ودفعهم للذود بشراسة عن شعبهم وأرضهم.
وفي غمار حديثه المفصّل عن هذه العملية، التي لم تلقَ اهتماماً من قبل وسائل الإعلام رغم قوتها، أضاف:" كم فرحنا بها، فهي الرد الأول على اجتياح الزيتون وكانت موجعة ومؤلمة للعدو، فهؤلاء المشاة صيد سهل لنا نتلذذ في قنصهم، وقال:"إنهم الجنود الأكثر جبناً".
تخبّط
الرد الصهيوني على العملية البطولية التي أوعزت بصلابة المقاومة ساده التخبط والجنون بعد تنفيذها بدقائق لتتقدم الآليات الهائجة نحو مواقع المقاومة التي زرعت فيها مسبقاً سبع عبوات، وقام أفراد خاصة القسّام الذين رابطوا مدة ثلاثة أيام في المنطقة بتفجيرها مما أسفر عن تدمير دبابتين، وإصابة ما يزيد عن 35 جندياً من بينهم صديق الجندي المختطف "جلعاد شاليط"، حسب الرواية الصهيونية.
"أبو عبيدة" أكد أن 14 مقاوماً من الزيتون استشهدوا في فترة الاجتياح ولكن من خلال القصف الجوي بعيداً عن الاشتباكات، وكانوا من الخطوط الخلفية في القسام، مشيراً إلى أنها تجربة مهمة للمقاومة التي عمدت إلى إعادة تقييم إمكانياتها وتجربتها، وغرس تقوى الله والتمسك بالحصيلة الإيمانية لدى العناصر، والاستعداد للمعركة القادمة لأن الحرب لم تنته وما زالت مفتوحة حتى قيام الساعة، وأن الفترة الحالية استراحة مقاتل،" فإننا ننظر بحذر إلى الأيام القادمة سيّما مع التصعيد في التصريحات الصهيونية".
بطولات سابقة
هذه القصص البطولية التي استخلصناها من منطقة "الزيتون" ليست الأولى من نوعها، فالمنطقة شهدت مواجهات عدة سابقة مع قوات الاحتلال التي حاولت مراراً الانتقام من مرابطيها الذين أفشلوا مخططاتها، وأبدعوا في التصدي، وشهدت المنطقة عمليات محكمة هزّت الاحتلال، وقضّت مضاجعه، ومنها عملية "حقل الموت" شرق المنطقة التي نفذها ثمانية من مقاومي القسام في 2008، وأسفرت عن إبادة قوة من لواء "جفعاتي" حسب اعتراف مصادر العدو، وتمت بعد إعداد القسّام لكميناً محكماً ضد قوات خاصة، تابعة للواء "جفعاتي"، الذي يعتبره العدو من قوات النخبة في جيشه.
وشكل الكمين من خطين قتاليين أحدهما متقدم والآخر متأخر، وتركَ المنفذين في الخط القتالي المتقدم القوة الصهيونية الخاصة تتسلل إلى المنطقة لتقع بين فكي كماشة، حيث اشتبك الخط المتأخر معها بالأسلحة المتوسطة ففرت إلى الجنوب ليتلقفها الخط الأمامي، ويشتبكوا معها بالأسلحة الرشاشة عن بعد أمتار قليلة.
وأطلقوا ثلاث قذائف "آر بي جي"، ما أدى لإبادة القوة الصهيونية من لواء جفعاتي بالكامل" وكان عددها 23 جندياً، وشاركت وحدة المدفعية في العملية بقوة، وأطلقت عشرات قذائف الهاون لقطع الإمداد الفوري عن جنود العدو، كما تصدت وحدة الدفاع الجوي للطيران الذي حاول التقدم مما أدى لإعاقته بعض الوقت، وتأخرت وصول الإسعافات الصهيونية إلى المكان. وكان جيش الاحتلال قد اعترف بمقتل 6 من جنوده في تلك العملية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.