إزالة مخيم ''العشي'' للمهاجرين في العامرة..التفاصيل    صفاقس: إجراء 5 عمليات قسطرة قلبية بفضل منصّة نجدة    بداية من 172 ألف دينار : Cupra Terramar أخيرا في تونس ....كل ما تريد معرفته    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    خبير يوضح: الأمطار تفرح الزياتين وتقلق الحصاد... هذا ما ينتظرنا في قادم الأيام    وزير الإقتصاد في المنتدى الإقتصادى الدولي بسان بيترسبورغ.    بلومبيرغ: إيران تخترق كاميرات المراقبة المنزلية للتجسّس داخل إسرائيل    عاجل: القلق الإسرائيلي يتصاعد بسبب تأجيل القرار الأميركي بشأن الحرب على إيران    صلاح وماك أليستر ضمن ستة مرشحين لجائزة أفضل لاعب من رابطة المحترفين في إنقلترا    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    مواعيد كأس العالم للأندية اليوم بتوقيت تونس: مواجهات نارية وأمل كبير للترجي    الحماية المدنية: 552 تدخلا منها 98 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    حملة لمراقبة المحلات المفتوحة للعموم بدائرة المدينة وتحرير 8 مخالفات لعدم احترام الشروط القانونية (بلدية تونس)    عودة التقلّبات الجوّية في تونس في ''عزّ الصيف'': الأسباب    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    15 سنة سجنا في حقّ القيادي بحركة النهضة الصحبي عتيق    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    بطولة برلين للتنس: أنس جابر توانجه اليوم التشيكية "فوندروسوفا"    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة ( 19 جوان)    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    استقبال شعبي كبير في شارع بورقيبة لقافلة الصمود    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    إيران تطلق موجتين صاروخيتين جديدتين وارتفاع عدد المصابين بإسرائيل    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    قرابة 33 ألفا و500 تلميذ يشرعون في اجتياز امتحان شهادة ختم التعليم الأساسي العام والتقني دورة 2025    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غسان بن جدو يخلع "طاقية الإخفاء" في "حوارٍ مفتوحٍ"
نشر في الفجر نيوز يوم 01 - 03 - 2009


نشره في الفجرنيوزالسيد المبروك
لماذا اخترت مقاتلي القسام بالذات؟...سؤال إجابته من شِقين
"القسام" لم يفرضوا عليّ أي شرط...ولديّ مشاهدُ كثيرة لم ولن أعرضها
بعد "الحلقة الأولى" اتصلَ بي مناوئون للمقاومة وهم في حالة ذهول
مقاتلو "حزب الله" و"القسام" تجمعهم قواسم مشتركة عديدة
أكثر ما عزّ علي هو أن آتي متخفّياً ولا التقي زملائي في "الجزيرة"
أقولُ لكل من يقوم بتقريع المقاومة "اخجلوا من أنفسكم"!
بيروت/حاورته من غزة/هديل عطاالله:
في هذه المرة لم يرتدِ الإعلامي التونسي المرموق غسان بن جدو "بزّته الأنيقة"، ولم يكن الضيوف يجلسون بشكلٍ عادي في الاستديو أو في أجواءٍ مفتوحة مريحة...كل ما كانَ يلزمه وهو يتخذَُ قراراً بالدخول إلى غزة –بأي طريقةٍ كانت- هو أن يدسّ في حقيبة سفره جرأةً غير عادية من أجل شىء يتجاوز بالنسبة له مجرد "المغامرة الصحفية" .
على مدار حلقتين متتابعتين من برنامجه المعروف "حوار مفتوح" في قناة الجزيرة شدّ "بن جدو" أنظار العالم العربي إلى مشاهدة "مقاتلو غزة" الذين التقاهم في أجواءٍ جمعت بين الحذر والخوفُ من مباغتة المجهول.. كان هذه المرة بلباسٍ عادي..وتقاسيم وجهٍ فيها الكثيرِ من التحدي، وبعضاً من التعب كما هو حالُ سكان غزة!، أما "الكرسي" الذي كان يجلس عليه المذيع المشهور فهو "التراب" ومن حوله مقاتلون ملثّمون من كتائب القسام تحدثّوا للعالم عن حقيقة حياتهم الإنسانية والعسكرية.
معدودون على الأصابع هم الذين كانوا يعلمون بوجوده في غزة، التي خاطرَ بالوصول إليها خفيةً بعد منع السلطات المصرية له بالدخول عبر معبر رفح البري...كيف دخلَ؟.. وكم يوماً قضى هنا؟....ولماذا اختار "مقاتلي القسام" بالذات كي يكونوا عنوان حلقته؟....أسئلة عدة حتماً خطرت ببال كل المشاهدين.
غسان بن جدو (47عاماً) مدير مكتب قناة الجزيرة في بيروت في حوار مطّول أجري معه عبر "الهاتف" كشف الكثير من الأجوبة....بعضها كان شافياً، وقليل منها كان موارباً لأنه ليس من المناسب الحديث عنها الآن...ولكن بالتأكيد أن كل أجوبته الشيّقة كانت كفيلةً برفع جزءٍ كبير من "طاقية الإخفاء" التي اضطرَ "بن جدو" إلى استخدامها في زيارته الأولى للمدينة التي أذهلته كثيراً برجالها الأشدّاء.
وأنا أيضاً لي قراري!
بعد ترحيبه بحرارة بأول وسيلة إعلامٍ فلسطينية تتحدث إليه..بدأنا معه من حيث بدأت معاناة رحلته عندما منعته السلطات المصرية من الدخول إلى قطاع غزة، حيث أكد أن مسألة منعه من الدخول إلى غزة عبر معبر رفح لم يُثر إلا في الأيام الأخيرة، مما جعل الجميع يظن أنه مكث أربعة أيام فقط، مضيفاً:"في حقيقة الأمر أنا مكثت أسبوعين أمام المعبر، وكنت دائماً أتخذ سبيل "العناد اللطيف" إذا صح التعبير، وذلك للإصرار على الدخول ولكن لم يسمح لي، الوضع كان مؤلما جدا بالنسبة لي، حيث كنتُ أرى أن كثراً يدخلون، وفي المقابل كنت أشاهد آخرين لم يستطيعوا الدخول مثلي".
بن جدو أبدى استغرابه من عدم سماح مصر له بالدخول إلى غزة من أجل مهمة تغطية ما بعد الحرب الاسرائيلية، قائلاً بنبرة واثقة:"على كل حال السلطات المصرية لها قرارها، وأنا أيضاً كصحفي لي قراري في طريقة التعاطي مع هذه الأمور والمستجدات بالمنطق الصحفي المألوف، أنا عندما غادرت لبنان واتجهت إلى مصر كان في ظني أنه سيُسمح لي بالدخول إلى غزة بشكل يسير، لا سيما أن فريقا كبيراً من زملائي في قناة الجزيرة وزملاء آخرين من جميع القنوات والصحف العربية والعالمية دخلوا، لم يخطر ببالي أني سأمنع، وعندما ذهبت إلى مصر كنت قد حصلتُ على تصريحٍ رسمي من قبل السلطات المصرية بدخولي إلى غزة، وأنا أشهدُ بأن المعنيين في القاهرة ورفح تعاطوا معي، على مدى أسبوعين بمنتهى اللين والأخلاق، لكن على ما يبدو أن هناك قراراً أعلى منهم هو الذي منعهم، وفي اليوم الثاني من منعي قررتُ أن أدخل بأي طريقة كانت سواء من مصر أو من خارجها، وطبعاً كان صعباً علي أن أدخل من مصر حتى لو بطريقة غير مألوفة، ولكني في نهاية الأمر غادرتُها ودخلتُ غزة".
ثأرتُ لنفسي منهم!
بن جدو رفض تأكيد دخوله غزة عبر "نفق"، مؤكداً أن للصحفي أساليبه الخاصة، وخياراته المتعددة، واصفا مشاعره عندما وطأت قدمه غزة "بابتسامة حنين" لم يُخفها صوته وهو يقول:"عندما وصلت كنتُ مصاباً بنوع من الذهول الايجابي والجذاب، حتى أن المصور كان يصورني دون أن أكون منتبهاً، كان طبيعياً أن أقبل تراب غزة، فهذه المرة الأولى التي أدخل فيها إلى فلسطين، نحن هنا في لبنان على بعد أمتار قليلة من فلسطين، ولكن توجد أسلاك شائكة مُكهربة، يحيطها الجنود الاسرائيليين، لذا لم نستطع أن نلمسها، وأذكر أن أول مرةٍ شاهدت فيها أرض فلسطين عندما كنتُ في الأردن قبل عشرين سنة، وقتها كانت لحظة تاريخية بالنسبة لي، ولكن أن أدخل أرض فلسطين وعبر غزة فهذا أمر جلل، هل يعقل أن أدخلها ولا أقبّل ذلك التراب، هي عملية وجدانية طبيعية حدثت بشكل عفوي، وظني أنها ثأر لنفسي من (اسرائيل)، ومن كل من أراد أن يحاصرنا ويمنعنا، ولكنها في الوقت ذاته إجلال لهذا الشعب، لأني لا أدخلها في وقت رخاء بل بعد عدوان اسرائيلي همجي".
وأضاف :"لقد شاهدتُ ما استطعتُ من الناس، ولكن كانت من أكثر اللحظات إيلاماً عندي أني كنتُ متخفياً، هل تصدّقين بأنني بين ناس غزة الصامدين الشامخين لكني كنتُ اخفي وجهي؟!، حتى لا يلحظني أحد، لأني دخلتُ خفية وكنت مصّراً على الخروج خفية، كان أكثر وقتي في "البيّارات"، وتمشيتُ في بعض المناطق، شاهدتُ الناس في الليل والنهار وفي الصلاة".
بن جدو عبر عن أسفه البالغ بأن يزور مستشفى الشفاء "المشهور" وهو متخفٍ، متابعاً:"تصوري أن أذهب إلى هناك ولا أستطيع التحدث مع أحد، مجرد أن اكتفي بالتفرج، كنت أود الحديث مع الأطباء والمرضى، عزّ علي كثيراً أن اذهب لغزة وألا أعانق زملائي الأعزاء في قناة الجزيرة الذين كانوا فرساناً رائعين، حيث لم يعلم أحدُ منهم على الإطلاق بدخولي أو خروجي، ربما علموا بعد أيام من مغادرتي عندما أعلنت القناة عن البرنامج، وذلك لأن ضرورة الكتمان كانت تقتضي هذه السرية"، حيث اصطحبتُ معي في رحلتي اثنين من الطاقم، وثلاثتنا يجيدُ السباحة!!!".
جانب لم يحظَ بالتغطية
السؤال الأهم حول أسباب اختياره لموضوع مقاتلي القسام بالذات، كان هو محور حديثنا معه، حيث اعتبر أن كل الجوانب المتعلقة بالحرب تم تغطيتها من قبل وسائل الإعلام المختلفة، خاصة من قبل قناة الجزيرة، بما في ذلك الجوانب الإنسانية والطبية، والدمار، ولكنه في الوقت ذاته لم يكن هناك من إمكانية لتغطية عملية القتال ذاتها، لذا فضّل اختيار جانب يمكن أن يضيف به شيئاً جديداً للمشاهد".
وبالعودة مرة أخرى إلى الشق الثاني من سبب اختياره لكتائب القسام دوناً عن غيرها من فصائل المقاومة، صمتَ قليلاً ثم واصل:"لاحظتم في الحلقة الماضية، أني وضعتُ كلاماً أشدد فيه على أن قصة القتال الفلسطيني برواية القسام مع التنويه، إلى مشاركة أكثر من فصيل في هذه الحرب، فمن جهة أنه كان يستحيل عليّ أنا وغيري الحديث إلى كل المجموعات، لذا اخترتُ فصيلاً يقرّ الجميع بما في ذلك سائر الفصائل بأن القسام هو كان الأكثر مشاركة في القتال، وقد ركزتُ الحديث عنهم من جانبين رئيسين، الجانب الأول هو ما يتعلق بالمقاتل كبشر وكجانب انساني، كيف يفكر ويحيا ويستمر في الحياة، ويقاتل، بينما الجانب الآخر الذي تمثل في الحلقة الثانية عن جوانب من قصة القتال، بمعنى كيف قاتلوا عسكرياً، وعلى الحدود وما يخص السلاح".
بشر قبل كل شيء
وحول الصعوبات التي واجهته في إعداد الحلقات، ذكر أنه لم تكن هناك صعوبات جدية، حيث كان قد هيأ للموضوع قبل فترة من دخوله، مشدداً بكثير من الإعتزاز:"هل تصدقين أن كتائب القسام لم يفرضوا علي أي شرط بأن يتحدثوا عن هذا ولا يتحدثوا عن ذاك، بأن أسال عن هذا ولا أسال عن ذاك، حيث كنت قد طلبت الحديث إلى المقاتلين فاستجابوا، وطلبت تصوير بعض الأسلحة وبعض مواقع المعارك فاستجابوا، ربما أنا مارست الرقابة ذاتياً على نفسي، لأنه لدي مشاهد كثيرة وصور عديدة جداً لكن لم ولن أظهر الا نصفها تقريباً لاحتياطات أمنية، فمن غير المفيد أن أكشف عن كل شيء على الأقل في هذا الوقت...والمقاتلون منحوني ثقتهم، لأنهم يدركون حرصي الشديد على أن أظهر المقاتلين كبشر من خلال حديثهم، وذلك بمعزل عن الجوانب الاستعراضية التي قد تضر ولا تنفع".
وأعرب بن جدو عن دهشته وسعادته من أصداء الحلقة الأولى التي لم يكن يتوقعها، موضحاً:"والله ان بعض المناوئين للمقاتلين والقسام من خارج فلسطين اتصلوا بي وقالوا لي وهم في حالة ذهول:"لقد استطاعت هذه الحلقة أن تغير نظرتنا إلى هؤلاء الناس بأنهم بشر، وكوادر وخبراء...فهم بالفعل تحدثّوا بشكلٍ عفوي ومتقن جداً، لذا وصلت رسالتهم من القلب إلى القلب".
ثقافة الحياة ولكن بشموخ
من تابع البرنامج أمس والأسبوع الماضي سيلحظ أن "بن جدو" كشفَ عن الوجه الآخر للمقاتلين الذي لا يعرفه الكثيرون، وعن هذا الوجه يتحدث بحرارة:"ربما هناك من يختلف جذرياً مع القسام أو المقاومة لكن هذا لا يلغي القول بأن هؤلاء المقاتلين بالتعبير الفلسطيني "جدعان" في إقبالهم على الشهادة، وفي الوقت نفسه هم بشر ويتأثرون ولهم عائلات، ولكن هناك مسألة هامة للغاية بأنهم أناس حريصون على الحياة، وليس هدفهم الموت كما يعتقد البعض...هم يريدون أن يقاتلوا وينتصروا على (اسرائيل)، وأن يردّوا العدوان، ويبقوا على قيد الحياة، ولكن إن قتلوا فهم شهداء عند ربهم، مستشهداً بمثال حي من أحد الذين التقاهم في البرنامج عندما وصف مشاعر الفرح التي انتابتهم بعد أن ذهبَت مجموعة منهم لتنفيذ عملية استشهادية، حيث لم يعتقدوا أبداً أنهم سيعودون، لكن عندما عادوا غمرتهم السعادة.
وحذّر بشدة حول ما يثار من كلام تشويهي وزائف-على حد قوله- بأن المقاتل الفلسطيني يرمي بنفسه إلى التهلكة، وذلك في إطار ما يطلق عليه بعض الكتّاب "ثقافة الموت"، بينما في الحقيقة هم ينتهجون ثقافة الحياة ولكن بعزٍ وشموخ وكرامة وليس بخنوع واستسلام، مضيفاً بألم:"أخشى أن أهل غزة لا يعرفون قدر أنفسهم، ومَن خارج غزة يظلمونهم بهذه الطريقة كثيراً".
مذهولٌ من شجاعتهم
كانت مشاهد الحلقتين مصوّرةُ في مناطق مفتوحة، وهذا استدعى مني سؤالاً له:"بصراحة أستاذ غسان ألم تكن خائفاً".....ضحك وأجابني:"سؤال ذكي! بالتأكيد لاحظت في الحلقة الثانية بأنني صورت في جبل الريس في منطقةٍ مكشوفة، كما كنا على بعد عشرات الأمتار من الحدود الفلسطينية الفلسطينية بين غزة وأراضي 48م، وكانت هناك بعض الدبابات والمكان خالٍ تماماً..كنتُ في حالة ذهول وأسأل نفسي:"كيف يستطيع المقاتلون أن يأتوا إلى مكانٍ كهذا، ببزّاتهم العسكرية، ويصوروا وهم مسلحون، كنت مذهولاً من جرأتهم وشجاعتهم، كان الوضع أخطر من الحلقة الأولى".
وتابع:"تسأليني إن كنت خائفاً...لستُ أدري! في تلك اللحظات الخوف يزول لأنني سبق وأن مررتُ بفتراتٍ أكثر خطورة عندما قصفنا، فأصبحت الأمور على ما يبدو أكثر اعتيادية".
جدير بالذكر أن الحلقة الثانية "لمقاتلي القسام" التي بُثت، يوم أمس سلطّت الضوء على بعض الجوانب العسكرية المتمثلة في تصوير جزء من غرفة العمليات العسكرية، وحديث إلى قادة ميدانيين في حي الزيتون وجبل الريس، إضافة إلى الحديث مع أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام.
الإعلامي التونسي تطرقَ إلى أكثر المواقف التي أثّرت به وهو يقوم بإعداد حلقاته موضحاً:"حقيقةً كل ما سمعته أثر في، لكن هذا المقاتل الذي تحدّث عن والده وكيف طلب منه حزاما ناسفاً، حيث إن والده ليس رجلا نكرة أو عادياً في الساحة الفلسطينية، أنا لا أستطيع أن أقول من هو، لكن هذا الموقف كان له وقع في نفسي، وهناك لقطة لأحد المقاتلين اسمه أبو المجد، وله رفيق مقاتل آخر اسمه أبو المجد، ولكل منهما شقيق كان يسمى ابو أسامة، وكانا سوياً على مدى سنوات واستشهدا معا، فقال لي:"أنا وشبيه اسمي "أبو المجد" أيضاً سنستشهد سويا"، وهناك أشياء أخرى لا أستطيع أن أقولها".
مؤمنون وأوفياء وخبراء
حبّات المسبحة التي كانت تتحرك الواحدة تلو الأخرى بين أيدي "القساميين" الذين كانوا يمتشقون أسلحتهم كالأسود...كان مشهداً يظهر قوة العقيدة التي يشترك فيها كل المقاتلين...غسان بن جدو المعروف بعلاقته الجيدة مع "حزب الله" سيما أنه أحرز سبقاً في إجراء حوار مع أمينه العام "حسن نصرالله" بعد حرب تموز 2006م، سردَ أهم القواسم المشتركة بين كل من مقاتلي "القسام" و"حزب الله" من وجهة نظره، بقوله:"كلاهما يتشابهان في إيمانهم العقائدي الشديد، ووفائهم لقضيتهم ووطنهم، ونكران الذات الكبير، وعلاوة على ذلك الكفاءة والجدارة، الذي يدل على التدريب الواضح وبأنهم ليسوا هواة، فمقدرتهم الفائقة على القتال وصدّ العدوان بلا شك هي ليست صدفة، ولكن بالتأكيد أن المقاتل الفلسطيني يتميز عن سواه من المقاتلين بأنه يحمل القضية الفلسطينية على أكتافه".
"برأيك هل كانت غزة تستحق كل هذه المغامرة؟..ردّه على الفور كان: "ثقي يا أختاه أن زيارتي بهذا الشكل لم تكن جزءاً من إطار صحفي مهني جاف، لو كانت جزءاً من هذا الإطار ما كنتُ مجبراً على المخاطرة بهذه الطريقة، يوماً ما قد أحدثكم عن المخاطر التي واجهناها، لن تصدقي ما أقول لك!، لكني كنتُ أحمل رسالة أؤمن بها، وحلقات غزة لن تمحى من ذاكرتي أو أرشيف البرنامج الذي بلغ عمره أكثر من ثماني سنوات، لأنها سجّلت علامةً بارزة فيه.
وكانت من بين الانطباعات الهامة التي سجّلها أثناء تجواله في المدينة تتمثل في:"لاحظتُ ألم الناس وصبرهم وصمودهم وإصرارهم على التحدي من أجل إعادة البناء، وهذا مهم، فأن نتحدث عن صمودٍ بلا ألم فنحن لا نتحدث عن بشر، وأن نتحدث عن ألمٍ بلا صمود فنحن لا نتحدث عن غزّيين!!".
(اسرائيل) آخر همي
ويعتبر بن جدو بالنسبة (لاسرائيل) صحفياً غير عادي، فبعد لقائه مع حسن نصر الله بعد حرب تموز كاد الموساد أن يختطفه، كما أن مكتب رئيس الوزراء السابق (أولمرت) تعامل معه بمنتهى العنجهية على إثر الحلقة التي استضاف فيها الأسير المحرر سمير القنطار واحتفل بيوم ميلاده، حيث هدد بمقاطعة قناة الجزيرة ووقف كل الاتصالات إن لم تتم محاسبة (غسان)، وفي ذات الوقت هو معروف بمبدئه في عدم التعاطي مطلقاً مع "القادة الاسرائيليين" ومنهم "ايهود باراك" الذي رفض اجراء حديث معه، عندما أتيح له ذات مرة أن يكون له السبق في ذلك عام 2000م.
وفي السياق ذاته، لم يُعر بن جدو كعادته أي اهتمام ل(اسرائيل) بأن تتخذ منه موقفاً مضاداً عقاباً على مغامرته الأخيرة، موضحاً:"بكل صراحة هذا آخر همي بأن أفكر فيما يمكن أن تفعله (اسرائيل) بأي أمر يتعلق بي، التي عليها أن تعرف أن جيلاً كبيراً من الصحفيين يَعون بأن القضية الفلسطينية مقدّسة، وأننا لن نساوم (اسرائيل) مطلقاً لا من قريب ولا بعيد".
جيلُ جديد سيعزّنا
قبل أن يشارف الحديث الشيق معه على الانتهاء...طلبنا منه توجيه رسالةً للمواطن والمقاتل الغزّي، فأتت إجابته على خجل بعبارة متأثرة وصادقة:"من المعيب أن أنصّب نفسي صاحب رسالة لهؤلاء، هم الذين يقدمون لنا رسائل وتوجيهات، نحن من نستلهم من صمودهم جزءا من البقاء والحياة، والله العظيم أقسم ثلاثاً عندما أرى البنايات الفخمة هنا في بيروت أشعر بالخجل، لأني ما شاهدته في غزة يحمّلنا مسؤولية أكبر بكثير مما نتصور، نحن كصحفيين نقوم بجزءٍ يسير من دورنا وهذا واجب علينا، وهناك مسؤولية كبيرة تقع على العرب والمسلمين سواء العلماء أو أصحاب المال والمثقفين، ولكن دعيني أقول للسياسيين والكتاب الذين لم يجدوا حرجاً في التقريع بالمقاومة أن يخجلوا من أنفسهم، فنحن أمام جيلٍ جديد من البشر سيعزّنا، ويعطينا كرامة تاريخية، لذا ينبغي أن نحييهم".
غسان بن جدو....الإعلامي الذي يخفي وراء هدوئه الكثير من الشجاعة والعشق لأرض فلسطين...الحديث معه كان حقاً لا يمّل، حيث كانت أمنيته التي تمناها من كل قلبه أن يأتي في المرة القادمة قريباً إلى غزة ليسّلم على الناس ويقبّلهم في الهواء الطلق...يتحدث معهم جميعاً ويصلي بجانبهم في المساجد ويأكل معهم في المطاعم....أما غزة وأهلها التي غامرَ غسان من أجل أن يُظهر حقيقة مقاتليها فهي أيضاً تنتظر بشغف زيارته المقبلة، التي تأمل بأن تكون هذه المرة زيارةً علنية ولوقتٍ يتسعُ أكثر لطرح المزيد من وجوه الحياة الغزّية في برنامج "حوار مفتوح".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.